الخامسة على الشهادة الثانوية الأزهرية: حلمي الالتحاق بكلية اللغات والترجمة    تعرف على موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    أسعار الذهب مساء السبت 26 يوليو 2025    مصر تستورد 391 ألف طن من الذرة وفول الصويا لدعم احتياجات السوق المحلية    «الأونروا»: لا يوجد مكان آمن في غزة    وزير الطاقة السوري يزور السعودية لتعزيز التعاون الثنائي    تجدد القتال لليوم الثالث بين كمبوديا وتايلاند ووقوع ضحايا ومصابين    سلوت يكشف سبب غياب دياز ونونيز عن ودية ليفربول وميلان    محمد شريف: شارة قيادة الأهلي تاريخ ومسؤولية    عقوبة الإيقاف في الدوري الأمريكي تثير غضب ميسي    وزير الشباب: تتويج محمد زكريا وأمينة عرفي بلقبي بطولة العالم للاسكواش يؤكد التفوق المصري العالمي    جدي شيخ الأزهر الأسبق.. الأول على الثانوية الأزهرية من البحيرة: «شوفت رؤيا أني من الأوائل»    الداخلية تضبط قائد سيارة سار عكس الاتجاه وتحدث في الهاتف أثناء القيادة بكفر الشيخ    جورج وسوف ينعي زياد الرحباني بكلمات مؤثرة    كلمتهم واحدة.. أبراج «عنيدة» لا تتراجع عن رأيها أبدًا    سميرة عبدالعزيز في ندوة تكريمها: الفن حياتي.. وبرنامج «قال الفيلسوف» هو الأقرب لقلبي    دور العرض السينمائية تقرر رفع فيلم سيكو سيكو من شاشاتها.. تعرف على السبب    عالم أزهري: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم بشرط    ناهد السباعي تتربع على عرش التريند بسبب إطلالة جريئة    سوديك تسجل نموا قويا فى صافى الربح بنسبة 107% خلال النصف الأول من 2025    فحص 394 مواطنا وإجراء 10 عمليات باليوم الأول لقافلة جامعة المنصورة الطبية بشمال سيناء    وكيل صحة الدقهلية يوجه المستشفيات برفع كفاءة الأداء والتوسع في التخصصات الدقيقة    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    إخلاء سبيل زوجة والد الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا    محافظ البحيرة: 8 سيارات لتوفير المياه في المناطق المتضررة بكفر الدوار    وزير قطاع الأعمال يتابع مشروع إعادة تشغيل مصنع بلوكات الأنود بالعين السخنة    الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي يؤكدان ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة    بيراميدز يقترب من حسم صفقة البرازيلي إيفرتون دا سيلفا مقابل 3 ملايين يورو (خاص)    أحمد حسن كوكا يقترب من الاتفاق السعودي في صفقة انتقال حر    أكسيوس عن مصادر: أعضاء بإدارة ترامب يقرون سرا بعدم جدوى استراتيجيتهم بغزة    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    الأزهر يرد على فتوى تحليل الحشيش: إدمان مُحرّم وإن اختلفت المُسميات    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    صور| ترامب يلعب الجولف في مستهل زيارته إلى أسكتلندا «قبل تظاهرات مرتقبة»    نجاح جراحة ميكروسكوبية دقيقة لاستئصال ورم في المخ بمستشفى سوهاج الجامعي    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    لن توقف المجاعة.. مفوض «الأونروا» ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    وزير الزراعة اللبناني: حرب إسرائيل على لبنان كبدت المزارعين خسائر ب 800 مليون دولار    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهر عسل قصير
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 02 - 2009

عندما صدر في سنة 1955 كتاب «في الثقافة المصرية» لعبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم، أثار ضجة كبيرة في أوساط المثقفين المصريين، وتحمسنا له بشدة، نحن صغار المثقفين.
ولكنى عندما أعدت قراءته بعد نحو أربعين عاما من صدوره، دهشت دهشة عظيمة لما وجدت فيه من خفة في معاملة أدباء عظماء، وجرأة عليهم لا يمكن تفسيرها إلا بالحماسة الزائدة عن الحد، والاندفاع غير المبرر (إلا بصغر السن) لتطبيق أفكار عامة هي الأفكار الماركسية، دون اعتبار للاختلافات بين بلد وآخر وبين ثقافة وأخرى.
لا شك عندي في أن أنيس والعالم قد أدركا ذلك مع تقدمهما في السن. فقد قرأت لكل منهما ثناء عاطرا على بعض هؤلاء الذين كانوا يهاجمونهم بقسوة في كتاب «في الثقافة المصرية»، وكتب عبد العظيم أنيس كلاما مؤثرا للغاية عن طه حسين في كتابه الصغير «ذكريات من حياتي، كتاب الهلال يونيو 2002» ، فهو يصف مثلا شعوره وقت سماعه بخبر وفاة طه حسين بقوله: «ثم جاء النذير بالنبأ التعس، نبأ وفاته في أكتوبر عام 1973، وأحسست بغم ثقيل، وتملكتني كآبة دامت أياما.
وعندما مشيت في جنازته التي خرجت من جامعة القاهرة، لم أكن أحس أن مصر فقدت رجلا من كبار رجالها ومفكريها فحسب، وإنما كنت أحس أنني فقدت إنسانا عزيزًا على نفسي، قريبا من قلبي، على الرغم من أنني لم أقابله غير مرات معدودات لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، وعلى الرغم من خلافنا في الفكر».
* * *
ذهب عبد العظيم أنيس إلى لندن في 1954 ليدرس في جامعتها هربا بنفسه من معاملة قاسية من النظام الجديد في مصر، ودون أن يتوقع أنه سيعود من جديد في سعادة بالغة في 1956 ليحاول مرة أخرى أن يكون في خدمة بلده.
كان سبب هذا التحول الكبير هو تأميم قناة السويس في يوليو 1956، الذي أشعل حماسنا جميعا، ماركسيين وغير ماركسيين، وتوقعنا كلنا دخول مصر مرحلة جديدة باهرة مليئة بالإنجازات التي طال انتظارها.
كانت فترة سعيدة حقا في حياة مصر، دامت نحو ثلاث سنوات «56 1958»، كما كانت بلا شك من أسعد سنوات الماركسيين المصريين، فقد سرهم ما أعلنه عبد الناصر بمناسبة تأميم القناة وبعدها، من تحدى الغرب ورفضه للمشروعات الاستعمارية «كمشروع حلف بغداد الذي كانت ترعاه بريطانيا لضمان استمرار نفوذها في المنطقة، وكمشروع أيزنهاور لملء الفراغ في الشرق الأوسط، الذي كان يعنى في الحقيقة حلول النفوذ الأمريكي محل النفوذ البريطاني»
فجأة رأى الماركسيون المصريون في عبد الناصر «زعيما وطنيا يمكن التعويل عليه»، وإن لم يكن بالطبع مؤهلا في نظرهم لقيادة ثورة اشتراكية. ضاعف من آمالهم ما اتخذه عبد الناصر من إجراءات لتأميم البنوك الأجنبية، بعد نجاح تأميمه لقناة السويس، وتبنيه لسياسة التخطيط الاقتصادي (فأنشأ لها لجنة تحولت بعد ذلك إلى وزارة)، ووضع برنامجا طموحا للتصنيع في 1958 (تحول بعد ذلك إلى جزء من خطة خمسيه على نمط الخطط السوفييتية)، ناهيك عن انضمام عبد الناصر لسياسة عدم الانحياز وتبنيه شعار الحياد الإيجابي في أعقاب حضوره لمؤتمر باندونج في 1955.
استجاب عبد الناصر لتحول مشاعر الماركسيين المصريين نحوه، أو حاول الإفادة منها، فسمح لهم بإصدار مجلات تنطق صراحة بلسان الماركسيين «كمجلة الهدف ومجلة كتابات مصرية»، كما سمح للكتاب المتعاطفين مع الماركسية بالتعبير عن أفكارهم اليسارية في الصحف اليومية، كما استعان بماركسيينا الأربعة في الدفاع عن سياسته وفى دعم مؤسساته الاقتصادية الجديدة.
ففضلا عن السماح بعودتهم إلى أماكنهم في الجامعة، نشط أنيس والعالم في الكتابة الصحفية بقصد ترسيخ هذا التحول في اتجاه الاشتراكية، واشترك إبراهيم سعد الدين في دعم وترسيخ التحول إلى سياسة التخطيط، تحت رئاسة رجل فذ آخر هو إبراهيم حلمي عبد الرحمن، بينما ساهم إسماعيل صبري بنشاط فيما سمى «بالمؤسسة الاقتصادية» التي أنشئت لتنظيم إدارة القطاع العام، واشترك معه فيها ذلك الماركسي الفذ الآخر، سمير أمين، الذي لعب دورا مهما فيما بعد في تطوير الفكر الماركسي على نطاق العالم بأسره.
* * *
ما الذي حدث في أواخر سنة 1958 لينهى فجأة شهر العسل القصير هذا بين عبد الناصر والماركسيين؟
ربما كان السبب قيام عبد الكريم قاسم المؤيد بشدة من الاتحاد السوفييتي، بانقلاب في العراق نحّى به عبد السلام عارف الذي قاد ثورة يوليو 1958، واتخاذه موقفا معاديا لعبد الناصر، في نفس الوقت الذي بدأ الاتحاد السوفييتي فيه يهاجم الوحدة بين مصر وسوريا، ويتهم عبد الناصر بالتبعية للأمريكيين.
أم كان لهذا التحول المفاجئ في موقف عبد الناصر من الماركسيين في أواخر 1958 علاقة ببدء تدفق المعونات الغذائية الأمريكية على مصر في نفس السنة؟ هل أراد عبد الناصر أن يؤكد للأمريكيين أن هذا التحول في سياسته الاقتصادية في اتجاه اشتراكي لا يعنى تحول ولاته لصالح الاتحاد السوفييتي؟ أيا كان السبب فقد حدث في أول يوم من سنة 1959، أن قام عبدا لناصر باعتقال عدد كبير من الماركسيين والاشتراكيين، ،كان من بينهم ثلاثة من رجالنا الأربعة الكبار «كان إبراهيم سعد الدين لحسن حظه خارج مصر في ذلك الوقت»، وظل الثلاثة «عبد العظيم أنيس ومحمود أمين العالم وإسماعيل صبري» في السجن دون محاكمة أكثر من خمس سنوات، إذ لم يفرج عنهم إلا في مايو 1964، وتعرضوا خلالها لأنواع مختلفة من التعذيب تم توثيقها في المذكرات التي كتبها ونشرها زملاؤهم في السجن.
في مايو 1964 أفرج عنهم جميعا، ولسبب مدهش. ففي هذا الشهر جاء الزعيم السوفييتي خروشوف لافتتاح السد العالي الذي بني بمعونة سوفييتية، والظاهر أن من بين شروط خروشوف للقدوم إلى مصر لهذا الغرض كان شرط الإفراج عن الشيوعيين المعتقلين، ولكن ربما كان السبب الأهم بداية التحول في العلاقة بين عبد الناصر والولايات المتحدة في أعقاب مقتل الرئيس كينيدي في أواخر 1963، هذا التحول الذي بلغ قمته في هجوم إسرائيل على مصر بتأييد كامل من الولايات المتحدة في 1967.
دفع رجالنا الأربعة إذن جزءا غاليا من حياتهم، وهم في قمة قدرتهم على العطاء، ومنعوا من تقديم أي خدمة لبلادهم، نتيجة لتحولات سياسة مصر الخارجية بين الأمريكيين والسوفييت. المدهش مع ذلك أنهم بمجرد خروجهم من السجن أبدوا استعدادهم الكامل لخدمة النظام، طالما رأوا ما يطلب منهم في صالح الاشتراكية. بدوا وكأنهم نسوا تماما ما وقع بهم من ظلم، واعتبروه ثمنا زهيدا لا بأس من دفعه متى كانت الاشتراكية هي النهاية السعيدة، ولكن سرعان ما تبين لهم، بوقوع هزيمة 1967 أن هذا النظام غير قادر في الحقيقة على تحقيق آمالهم، ثم تأكد لهم هذا بعد سنوات قليلة من اعتلاء السادات الحكم. ولكن هذا يحتاج بالطبع إلى تفصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.