• توصياتها مهملة في 3 حالات وتنفيذها مشروط بموافقة طرفي النزاع خلال 15 يوما.. وتشكل من قضاة سابقين فقط • مكي يؤكد فشلها بسبب امتناع الدولة عن إقرار توصياتها.. ويكشف اتجاه مجلس الشعب المنحل لإلغائها • الوزير الأسبق: المقيدون بجداولها يستحقون المكافأة بغض النظر عن العمل.. ومصادر قضائية: المكافأة لمن يؤدي عملا أسبوعيا قاربت أزمة مطالبة المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق، برد المبالغ التي صرفت له عن طريق الخطأ كعضو في لجان التوفيق في المنازعات على الانتهاء بعد رده هذه المبالغ بقيمة 129 ألف جنيه إلى إدارة الشئون المالية للجان التوفيق في المنازعات، وإبلاغ المستشار صفاء الدين أباظة قاضي التحقيق المنتدب بهذا الإجراء. وأثارت هذه الأزمة تساؤلات عديدة عن طبيعة العمل في لجان التوفيق في المنازعات، وكيفية اختيار العاملين بها، وحجم الإنفاق عليها من خزانة الدولة، وما إذا كانت تحقق المرجو منها بتخفيف الأعباء عن المحاكم وتقليل المنازعات القضائية بين المواطنين والجهات الحكومية، أم أنها أصبحت مجرد مصدر لزيادة دخول القضاة بعد إحالتهم إلى التقاعد. المستشار أحمد مكي في مذكرته التي أرسلها إلى قاضي التحقيق وحصلت "الشروق" على صورة منها يؤكد أن هذه اللجان لم تحقق الهدف القومي والاجتماعي المرجو منها، الذي عبر عنه قانون إنشائها رقم 7 لسنة 2000، حيث يحظر على المواطنين رفع دعاوى أمام المحاكم في المنازعات المدنية أو التجارية أو الإدارية التي تنشأ بينهم وبين الجهات الحكومية، قبل أن يعرض الطلب على لجنة التوفيق، فإذا رفضت اللجنة الطلب يحق للمواطن أن يرفع دعواه أمام المحاكم. ووفقاً للقانون فإن اللجنة إذا قبلت طلب المواطن فإن الأمر يعرض على الجهة الحكومية المختصة، فإذا وافقت على التوصية كلفت ممثلها في اللجنة بالتوقيع على عقد صلح يصبح له قوة السند التنفيذي. ويصف مكي الحالة السابقة ب"الفوز العظيم، الذي يمنح المواطن سنداً تنفيذياً وحلاً لمنازعته، بغير إجراءات قضائية أو مصروفات، مما يخفف العبء عن المحاكم ويحجب عنها دعاوى جديدة كانت سترفع". غير أنه عاد وقرر في مذكرته أن هذا الأمل في تخفيف أعباء المحاكم "تبدد منذ الأيام الأولى لتطبيق القانون" مبرراً ذلك بأن "وزارة المالية لا تستطيع تدبير الأموال اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية النهائية ضد الجهات الحكومية، مما يعني أنها لا تستطيع تدبير الأموال اللازمة لتنفيذ توصيات اللجان" مؤكداً أن هذا الأمر كان سبباً في صدور تعليمات للسلطات المختصة في الجهات الحكومية بعدم قبول توصيات اللجان. ووفقاً للمادة العاشرة من قانون لجان التوفيق، فإنه يجوز للمواطن أو الجهة الحكومية اللجوء إلى المحاكم المختصة، في 3 حالات؛ إذا لم يقبل أحدهما توصية لجنة التوفيق خلال 15 يوماً من صدورها، أو إذا انقضت هذه المدة دون أن يبدي الطرفان أو أحدهما رأيه بالقبول أو الرفض، أو إذا لم تصدر اللجنة توصيتها خلال 60 يوماً من تاريخ تقديم طلب التوفيق إليها. أي أن تفعيل توصية اللجنة يتوقف على حالة واحدة فقط هي قبول المواطن والجهة الحكومية –معاً- هذه التوصية خلال 15 يوماً من صدورها. ودلل مكي على فشل اللجان في تحقيق المرجو منها بذكر تجربته الشخصية خلال رئاسته لإحدى لجان التوفيق في دمنهور عقب إحالته للتقاعد في 30 يونيو 2011 (قبل اختياره وزيراً للعدل بأربعة شهراً) قائلاً: "آلمني أن غاية ما يرجوه مقدم طلب التوفيق أن أرفض طلبه على الفور ليحصل على شهادة بذلك، فيرفع بمقتضاها دعوى أمام قاض حقيقي (يقصد المحكمة المختصة) حتى لا يضطر لانتظار توصية اللجنة، ثم رفض الجهة الحكومية لها أو إهمالها، وعليه أن يتابع ذلك كله". وانتقد مكي عدم تفعيل توصيات اللجان قائلاً: "الحكومة هي التي أجهزت على قيمتها بعدما قررت عدم الموافقة على توصياتها، وكان بإمكانها أن تستفيد من جهد هذه اللجان كأن تتصالح مع صاحب الشأن على جزء من المبالغ الموصى بها، أو تتفق معه على إرجاء التنفيذ، خاصة أن أغلب المواطنين يسعدهم الحصول على بعض حقوقهم نظير تجنب مشاق القضاء وتكاليفه". وينص قانون لجان التوفيق على استثناء نوعيات خاصة من المنازعات الإدارية من العرض الإلزامي على اللجان، منها المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل، ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض، والطلبات الخاصة بأوامر الأداء، وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بوقف التنفيذ، مما يعني أن باقي أشكال المنازعات الإدارية واجبة العرض على هذه اللجان. وأوضح مكي في مذكرته أنه عندما عين وزيراً للعدل تبين مشكلة أن وزارة المالية أوقفت إرسال مخصصات لجان التوفيق، وذلك لأن الحكومة كانت تتجه لإلغائها، وأوشك مجلس الشعب (قبل حله في يونيو 2012) على إصدار قانون بحل هذه اللجان، ثم انتقل المقترح إلى مجلس الشورى الذي تولى السلطة التشريعية منذ ديسمبر 2012. وأكد مكي أن "من أهداف هذا القانون علاج الفجوة بين مخصصات القاضي العامل المتزايدة في كل عام، ومعاش القضاة المتقاعدين، والتي دفعت كثيرين من القضاة المتقاعدين إلى الاشتغال بالمحاماة، فأصبح هذا القانون بمثابة حماية للوظيفة القضائية بتعيين القضاة السابقين في لجان التوفيق، فأصبح أشبه ببدل التفرغ الذي يصرف لبعض المهن". وأشار إلى أن المناقشة أسفرت عن موافقة الحكومة على إرسال مخصصات اللجان "اقتناعاً منها بأنها لا تعدو كونها معاشاً إضافياً، وبدلاً للتفرغ" منوهاً إلى أنه تعهد بأن يطرح على الحكومة مقترحات لتجعل عمل القضاة المتقاعدين أكثر ملاءمة لمكانتهم وخبراتهم، فأعد مشروع قانون للوساطة القضائية بدلاً من لجان التوفيق، ثم استقال بعدها. وتصديقاً لحديث مكي فإن مواد قانون لجان التوفيق تكشف استهدافه –في الأساس- توفير عائد مالي للقضاة المتقاعدين، فتنص مادته الثانية على "تشكيل لجنة التوفيق بقرار من وزير العدل برئاسة أحد رجال القضاء أو أعضاء الهيئات القضائية السابقين من درجة مستشار على الأقل، ممن لا يشغلون وظيفة أو يمارسون مهنة، ومن ممثل للجهة الإدارية بدرجة مدير عام، والطرف الآخر في النزاع أو من ينوب عنه". وتنص المادة الثالثة على أن "يكون اختيار رؤساء لجان التوفيق من رجال القضاء أو أعضاء الهيئات القضائية السابقين من المقيدين في الجداول التي تعد لهذا الغرض بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية". بينما تسند المادة الثالثة عشرة لوزير العدل إصدار قرار بقواعد تقدير مكافآت رؤساء اللجان بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية. وتعليقاً على السلطات المسندة للمجلس الأعلى للهيئات القضائية في هذا القانون، بعد انتهاء العمل بهذا المجلس وخلو مواد الدستور من أي ذكر له، قالت مصادر قضائية إن "جميع سلطاته يتولاها حالياً وزير العدل". ومنذ إنشاء اللجان لأول مرة عام 2000 وحتى الآن، جرت العادة على إصدار قرار دوري من وزير العدل بتشكيل اللجان من القضاة السابقين بجميع الجهات والهيئات القضائية؛ المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف والنيابة العامة والمحاكم الابتدائية وهيئتي النيابة الإدارية والرقابة الإدارية. وأشارت المصادر -التي تنتمي إلى محكمتي النقض واستئناف القاهرة- إلى أن القضاة المتقاعدين يضافون إلى تشكيل اللجان وفقاً لقاعدة الأقدمية، بذات طريقة تطبيقها على القضاة الحاليين. ويجري العرف أيضاً على أن الأصل هو ضم القاضي بعد تقاعده إلى هذه اللجان، إلاّ إذا اعتذر عن قبولها، أو اشتغل بالمحاماة. وجاء أول قرار من وزير العدل الأسبق فاروق سيف النصر بأول تشكيل للجان بعد إنشائها معبراً عن اتجاه الدولة لجعلها مكاناً لعمل القضاة بعد تقاعدهم، فضم 3 من رؤساء المحكمة الدستورية العليا السابقين و8 من نواب رؤسائها، ورئيساً سابقاً لمحكمة النقض، و3 رؤساء سابقين لمجلس الدولة، بالإضافة إلى المئات من القضاة الآخرين. وتشكيل اللجان مستمر على ذلك حتى الآن، مع تمييز الرؤساء السابقين للجهات والهيئات والوزراء السابقين والمحافظين السابقين بتعيينهم في الأمانة العامة للجان، والتي تتخذ من وزارة العدل مقراً لها، ويشرف عليها مساعد للوزير. أما المكافأة المقررة للعاملين باللجان فكانت في البداية 3 آلاف جنيه شهرياً، وبلغت حالياً حوالي 4 آلاف جنيه، وذلك بحسب المصادر القضائية ذاتها، والتي تؤكد أن "صرف هذه المبالغ يكون لمن يؤدي عملاً فقط وبصفة دائمة أي من يحضر إلى مقر اللجنة الخاصة به ويباشر عمله برئاسة اللجنة أو عضوية الأمانة العامة، بحضور جلسة أو جلستين كل أسبوع". وأوضحت المصادر أن "من أعضاء الأمانة العامة للجان حالياً رؤساء سابقون لمحاكم الدستورية والنقض ومجلس الدولة، ويلتزمون بالحضور في أيام عملهم المحددة أسبوعياً، والأمر ذاته بالنسبة لرؤساء اللجان على مستوى الوزارات أو المحافظات". وعلى النقيض يرى المستشار أحمد مكي في مذكرته أن المكافأة الشهرية حق لكل قاض متقاعد مقيد اسمه في جداول اللجان، سواء أسند إليه عمل أم لا، شأنه شأن أي قاض رأت الجمعية العامة للمحكمة أن تضعه تحت تصرفها. وذكر مكي أنه حصل على مكافأته الشهرية بموافقة وزراء العدل السابقين عادل عبدالحميد ونير عثمان ومحفوظ صابر ثم الوزير الحالي أحمد الزند حتى أغسطس 2015، وذلك كله رغم عدم إسناد أي عمل له.