الانتهاء من استعدادات المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب    قومي المرأة يدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات النواب    رئيس الوزراء يشهد بدء التشغيل التجريبي للخط الأول للقطار الكهربائي السريع    مراسل "إكسترا نيوز" يرصد خول المساعدات إلى قطاع غزة    إعصار فونج-وونج يصل مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    توافد جماهير الأهلي والزمالك على ملعب محمد بن زايد لحضور نهائي السوبر    مقتل مزارع بطلق نارى فى ظروف غامضة بإحدى قرى مركز قوص بقنا    خالد عبدالغفار يبحث مع ممثلي منظمة الصحة العالمية تعزيز جهود مواجهة الكوارث    وزير الكهرباء يشهد مراسم توقيع اتفاقية مبادلة الديون بين مصر وألمانيا    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    مصرع سائق وإصابة 5 أشخاص في تصادم بالقناطر الخيرية    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    ب«مفيش راجل بيتخطف».. اَيتن عامر تثير الجدل بفيديو على «السوشيال ميديا»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    الداخلية تطلق خدمة VIP إكسبريس لتصاريح العمل.. استلام الكارت المميكن خلال ساعة واحدة    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغلاق حساب بى بى سى
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 08 - 2009

كان ذلك فى يناير، عندما دعا اللورد كارتر الوزير الحاصل على لقب لورد والمكلف بتجميع المسارات المتباينة لسياسة الاتصالات الرقمية البريطانية فى تشريع قيادة البى بى سى إلى اجتماع فى مكتبه بالدور الثامن قرب كنيسة ويستمنستر.
وأبلغ كارتر مارك تومبسون، العقل المفكر للمؤسسة، وسير مايكل ليونز الرئيس القوى ل«بى بى سى تراست» وهى هيئة إدارتها بضرورة التوقف عن «إلقاء المواعظ» بشأن حق بى بى سى الحصرى فى رخصة التليفزيون الذى يدفعها البريطانيون وتصل قيمتها إلى 3.6 مليار جنيه استرلينى (5.9 مليار دولار). وقال ستيفن كارتر للرجلين إنه يجب تغيير الوضع الذى كانت تذهب فيه حصيلة ضريبة رخصة التليفزيون والتى يسددها سنويا كل من يمتلك جهازا تليفزيونيا فى بريطانيا حصريا لصالح البى بى سى منذ فترة بعيدة.
وقال شخص قريب الصلة من المحادثات: «كارتر أبلغهما أن عليهما التوقف عن الحديث عن رسوم ترخيص بى بى سى، أو حتى، رسوم الترخيص التليفزيونى، وبدء التفكير فى، رسوم الترخيص الرقمى، المستخدم فى مشروعات مختلفة يثمنها الجمهور». وكان ذلك أول إشارة لا لبس فيها لتغيير موقف حكومة العمال من أهم مصادر تمويل واحدة من كبرى محطات البث. وكانت الحكومة فى غاية الجدية عندما هددت بإجبار المحطة على السماح بأن يشارك آخرون فى الاستفادة من التمويل.
وكثيرا ما تدخل ال«بى بى سى» فى معارك مع الحكومة، خاصة بشأن رسوم الترخيص. ولكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة. ويقول مسئول حكومى كبير «تواجه كل المؤسسات الإعلامية الأخرى فى المملكة المتحدة كارثة». وأضاف «بسبب الركود، ولأن تجزئة الجمهور بين مئات القنوات تمزق إيرادات الإعلانات، ولأن التطورات التكنولوجية جعلت هذه آخر فرصة لتشكيل المستقبل... فإن الصبر بدأ ينفد».
وعندما قدم لورد كارتر مسودة القانون فى الشهر الماضى، فى صورة بيان بعنوان «بريطانيا الرقمية»، فإنه أعلن عن: طرح اقتراح يتضمن استخدام 130 مليون جنيه استرلينى من أموال رخصة التليفزيون لتمويل برامج إخبارية إقليمية على قناة آى تى فى المنافسة، التى لم تعد تستطيع تحمل تكلفة إنتاج مثل هذه المواد غير المربحة.
ورفض سير مايكل الفكرة، بدعوى أن رسوم الترخيص سوف تصبح «أموال رشوة» يتم صرفها وفقا لهوى الحكومات المتعاقبة، مضيفا «لن تجلس الإدارة صامتة، وتسمح بحدوث ذلك». وأدى ذلك إلى رفع درجة حرارة الخلاف. وفى هذا الشهر، اتهم بن برادشو وزير الدولة للثقافة قيادات ال«بى بى سى» بأن «تفكيرها خاطئ» و«مضلل» بسبب رفضها التشارك مع محطات الإذاعة الأقل ثراء.
وتعرضت بى بى سى التى تمتعت بوضع احتكارى طوال 33 عاما، وشاركت لمدة 27 عاما أخرى فى احتكار ثنائى مع آى تى فى إلى فترة من التراجع، كانت فيها القدرة الإبداعية والجمهور وحتى النجاحات الصحفية، تنسب إلى المنافسين. ولكن فى العقد الماضى، انعكست هذه العملية. فقد حققت تدفقا قويا من العائدات الدولية، وحققت قفزات تكنولوجية، مثل خدمة الآى بلاير، وهى خدمة فيديو رائدة على الإنترنت.
ويقول بيتر بازالجيت الرئيس السابق لقسم الإبداع فى محطة «إندمول» للإنتاج إن ذلك يرجع جزئيا إلى أن الجانب الأيمن الإبداعى من مخ الشركة تم تسخيره لصالح الفص الأيسر التقنى. ويضيف «الآى بلاير هو المثال على ذلك: فالتكنولوجيا الذكية تظهر محتوى ذكيا، وصار ذلك رمزا وفكرة سائدة تماما».
وعلاوة على ذلك، تأتى هذه الإنجازات فى لحظة حاسمة بالنسبة لوسائل الإعلام العالمية. هل سيستمر الناس فى مشاهدة برامجها للتسلية والمعلومات على أجهزة التليفزيون أو الكمبيوتر أو حتى أجهزة أخرى أحدث؟ وهل يكون ذلك فى صورة صغيرة تعرض على أجهزة التليفون المحمول أو على شاشات تقليدية ضخمة؟ غير أن هذا النجاح بالتحديد هو الذى يجعل الحياة صعبة بالنسبة ل«بى بى سى» وفقا لما يقول تيم سيوتر من مؤسسة «بيرسبكتيف أسوشيتس» للاستشارات.
ويقول السيد سيوتر « إنها خلاقة بشكل جيد، ومربحة بشكل جيد، ومبتكرة بصورة جيدة، وتبدو كما لو كانت فى طليعة التطور. وكل هذه الأمور تجعلها تبدو منظمة كبيرة للغاية وناجحة»، ويضيف: «ونتيجة لذلك، تواجه بى بى سى سلسلة من الضغوط والحجج تختلف نوعيا عن كل ما واجهته من قبل».
وتُعتبر بى بى سى سواء فى داخل بريطانيا أو خارجها واحدة من أفضل شركات الإعلام عالميا، من حيث البرامج، والخدمة الصحفية، وحضورها القوى على شبكة الإنترنت. ويتزايد انتشارها كل شهر عبر نطاق «بى بى سى وورلدوايد»، الذراع الإعلانى الذى يبيع البرامج المشهورة وإعلانات السلع فى جميع القارات. غير أن الأطراف الخارجية، سواء المنافسون أو صناع السياسة، يرون غطرسة فى قوة بى بى سى المالية، حيث يتمتع كبار المديرين بوظائف آمنة ذات رواتب عالية تعزلهم عن حقائق عالم الإعلانات. ويرى فيها المنافسون عملاقا غير قادر على كبح شهوته للانتقال إلى ميادين تكنولوجية جديدة.
وفى ميدانى التليفزيون والراديو، تسعى بى بى سى لتبرير ضريبتها المفروضة على الجميع، عبر الهيمنة على الجمهور، والمنافسة بضراوة فى كل نوع من أنواع المحتوى الإعلامى. وفى العام الماضى، أنفقت بى بى سى على إنتاج البرامج 1.9 مليار جنيه استرلينى. وتتوقع مؤسسة إندرز أناليسيز أن تنفق المحطة فى العام المقبل 2.07 مليار، فى حين ينخفض إنتاج القنوات المنافسة إلى 1.67 مليار جنيه إسترلينى. ويأتى موقع بى بى سى الإلكترونى دائما ضمن أكثر مواقع الإنترنت زوارا فى المملكة المتحدة، بفضل ميزانية بلغت 177 مليون جنيه استرلينى فى عام 2008 ما يفوق كثيرا قدرات منافساتها.
ويقول ديفيد إلشتاين، الرئيس التنفيذ السابق لمحطة «فايف» المنافسة إن بى بى سى تستغل ضعف منافسيها المالى لتقليل الإنفاق فى قناتيها الرئيسيتين لخدمة البث العامة، وتحويله إلى المشروعات الرقمية التى تخدم جمهورا أقل بكثير. ويوضح «لقد خفضت الإنفاق على الأخبار، والأحداث الجارية، والفنون وبرامج الأطفال، أى جميع ميادين خدمة البث العامة المطلوب مساعدتها. وهكذا فبدلا من معالجة انهيار السوق تضيف إليه».
ويشعر العاملون فى بى بى سى من جميع المستويات بأنهم يتعرضون للهجوم. وتشعر إدارتها بأنها تهاجم لمجرد أنها تفعل ما ينص حق امتيازها عليه. ويعتقد العاملون فى المستويات الأقل، أن منافسى بى بى سى يطمعون فى تمويلها، ويبحثون عن أى نقطة ضعف، وكان أحدث الادعاءات عن النفقات الباهظة لبعض مديريها. وهم يتخوفون من أن يستهدف السياسيون مواردهم فى محاولة لكبح استقلال بى بى سى. ويشعر البعض بعدم ارتياح لأن التغيير الذى يقوده السيد تومبسون لا يتواءم مع التراث الصحفى للمحطة، أو القول المأثور عن جون ريث، المدير العام المؤسس من أن مهمتها ينبغى أن تكون: «التعليم والترفيه والإعلام».
وأثار الإعلان عن النفقات غضب العاملين، الذين تعرضوا لسلسلة من عمليات تخفيض الإنفاق. ويقول ستيفن بارنيت الأستاذ بجامعة ويستمنستر: «جميع هذه الضغوط المختلفة تؤكد الانفصال بين الأغلبية الكبيرة من العاملين فى بى بى سى الذى يحصلون على نحو 30 ألف دولار سنويا، مقابل عمل شاق على نحو لا يصدق، وبين النخبة قليلة العدد التى تدير المؤسسة».
غير أن السيد تومبسون، استطاع بنجاح كبير تفادى اللوم بشأن المعركة مع الحكومة ومع مكتب تنظيم الاتصالات (أوفكوم) الذى يرأسه السيد كارتر. ويقول أحد كبار المسئولين فى بى بى سى: «المجلس التنفيذى يدين له عموما بالولاء. فالجميع يقدره بالفعل ويحبه. وليس هناك الكثير من الاختلاف، حتى فى الأروقة بعيدا عن الاجتماعات» لكنه يضيف: «ومع ذلك، تشعر بأن هذا يحدث بصورة قسرية للغاية. فليس هناك أى اعتبار كاف لحقيقة أن الصناعة كلها تمر باضطراب».
ويقول أحد أعضاء المكتب التنفيذى: «كان رفض سير مايكل لمقترحات كارتر كارثة. فقد جعل الحكومة تنقب وراءهم أكثر». كما قال أحد المسئولين الأقل درجة «لن أقول إن هناك قدرا كبيرا من الاستياء، ولكن يوجد ما هو أكثر قليلا من القلق من أن رئيس مجلس الإدارة اتخذ مثل هذا الموقف القوى، بينما لا يوجد حل آخر».
ورفض السيد تومبسون الهجوم الذى وجهه وزير الدولة للثقافة، قائلا إن بى بى سى «تحاول جاهدة» أن تلبى تطلعات الحكومة نحو بريطانيا الرقمية. ولكن عند الحديث عن المشاركة فى رسوم الترخيص، فإن «الكثيرين ممن تحدثت إليهم سعداء بأننا اتخذنا مثل هذا الموقف القوى».
وحتى نتفهم السبب وراء رد الفعل القوى الذى اتخذه سير مايكل، ينبغى أن نعود إلى ذلك الاجتماع الذى عقد فى يناير قرب كنيسة ويستمنستر. فقبل ذلك، كانت بى بى سى تتعامل حصريا مع إدارة الثقافة والإعلام والرياضة. وعلى الرغم من أن فريق لورد كارتر الذى يعمل لإنجاز بريطانيا الرقمية يتبع اسميا كلا من إدارة الثقافة والإعلام والرياضة، وإدارة الأعمال والمشروعات، والإصلاح التنظيمى، فإن الإدارة الثانية هى التى تهيمن عليه. ويقول شخص قريب الصلة من المفاوضات «بدا الأمر كما لو كانوا وجهوا بنادقهم نحو البحر، لكن الهجوم جاء من الخلف، من البر».
وهكذا، عندما أوضح لورد كارتر أنه يضع رسوم الترخيص نصب عينيه، أدركت بى بى سى أنه سيكون عليها تقديم تنازلات. وقبل سير مايكل خطة كانت إدراة الشركة رفضتها قبل ذلك، لتدعيم القناة الرابعة عبر تكوين مشروع مشترك. كما رفضت الإدارة أيضا خططا على الإنترنت، أثارت غضب مؤسسات الصحف الإقليمية. وتقول كلير إندرز من مؤسسة «إندرز أناليسيز» إن بى بى سى «ظنت أنها مقايضة: تقدم تنازلا، ولا تكون مضطرة للمشاركة فى رسوم الترخيص. لذلك فعندما بات واضحا فى بيان بريطانيا الرقمية أنهم مازالوا مضطرين لتقبل المشاركة، كان الأمر بمثابة صدمة».
وتبدو المباراة حادة. فيزعم سير كريستوفر بلاند، وهو رئيس سابق لهيئة بى بى سى، فى خطاب إلى صحيفة فاينانشال تايمز هذا الشهر أنه «إذا كانت الحكومة ترغب فى دعم آى تى فى، فعليها أن تقوم بذلك مباشرة، وليس عبر غسل أموال تم جمعها من دافعى رسوم الترخيص لغرض مختلف تماما». ويقول أيضا إنه بالنسبة لهيئة إدارة المحطة «هذه مسألة مبدأ. فهى لا تمثل مصالح بى بى سى فحسب، وإنما أيضا مصالح الناس الذين يدفعون رسوم الترخيص. وينص حق امتياز بى بى سى على أن هيئة إدارتها هى الحارس على رسوم الترخيص. وأنا آخذ ذلك بغاية الجدية».
ويضيف «إن قطع الصلة بين بى بى سى والناس الذين دفعوا رسوم الترخيص توقعا لأن تذهب الأموال إلى برامجها وتكنولوجيتها، سوف يعطل قدرتهم على محاسبة بى بى سى. وأعتقد أن هذا سوف يفتح الطريق أمام زيادة رسوم الترخيص فى المستقبل».
ويقول قريبون من هيئة الإدارة ومن مجلس بى بى سى التنفيذى، إنهم نظرا لأن الانتخابات العامة سوف تجرى بعد أقل من عام، وأنه من المرجح فوز حزب المحافظين المعارض، فقد قرروا أنه سيكون من الأفضل المقاومة لتأجيل خطط بريطانيا الرقمية أطول فترة ممكنة، بأمل أن تتخذ الحكومة المقبلة موقفا مختلفا.
ولم يكتف ديفيد كاميرون رئيس الوزراء القادم المحتمل بالإشارة إلى أنه يعارض تقسيم رسوم الترخيص بين بى بى سى ومنافساتها، لكنه أعلن بصراحة أيضا عن تأييده تخفيض سلطة مكتب تنظيم الاتصالات، التى يعتبرها الكثيرون سواء داخل بى بى سى أو خارجها عدوهم الرئيسى فى المعركة.
ويقول جريج ديك، المدير العام السابق الذى يترأس مجموعة عمل تساعد فى تشكيل سياسة المحافظين، إنه بسبب الفوضى السياسية واسعة النطاق التى يعانى منها حزب العمال فإن «بى بى سى فى موقف قوى فعليا ولا أظن أنه سوف يتغير قبل الانتخابات العامة» وفيما يتعلق بتوجهات الحكومة المقبلة يقول: «من خلال ما سمعته من ديفيد كاميرون، لا أستطيع أن أقول إلا أن زعيم المحافظين يناصر بى بى سى لمدة 30 عاما على الأقل».
غير أن السيد إلشتاين يحذر من أن «تخلى» بى بى سى عن جوهر برامج خدمة العامة لصالح المشروعات الرقمية سوف «يراكم أزمة كبيرة جدا تنتظر حكم المحافظين... عندما يتضح ما فعلوه برسوم الترخيص». ويتبنى شخص قريب الصلة من قيادة أنجح محطات البث فى العالم نفس وجهة النظر. حيث يرى أن بى بى سى، وبوجه خاص هيئة إدارتها، لم تنتبه من داخل عالمها المحمى برسوم الترخيص إلى النقطة المهمة: أن التغيير التكنولوجى صار سريعا حتى قضى على نظام البث القديم فى العالم.
ويقول إنه بالقياس إلى الحرب الأهلية الأمريكية: «يبدو الأمر كما لو كنت من الحلفاء فى 1862: ربما تظل تكسب معارك هائلة، ولكن الحقيقة المرة أنك ستخسر الحرب فى النهاية لأن موقفك الاستراتيجى خارج نطاق سيطرتك» ويضيف: «عاجلا أم آجلا، سيكون هناك تغيير فى العلاقة بين رسوم الترخيص وبى بى سى، والسؤال الوحيد هو: ما حجم هذا التغيير، وما نوع بى بى سى الذى سينشأ عن هذا التغيير؟».
الاستقلال والتدخل
تاريخ من مشاحنات الحكومة مع بى بى سى
منذ إنشاء بى بى سى فى 1922، لم تمض فترة طويلة من دون مشاحنات مع السياسيين. ففى 1926 عندما كان ونستون تشرشل مستشارا لوزير الخزانة، أراد السيطرة عليها لضمان تغطية ملائمة من وجهة نظره للإضراب العام. فرفض جون ريث أول مير عام لها، وتم حل الشركة، ثم أعيد إنشاؤها وفق حق امتياز يضمن استقلالها.
وفى 1932، تعرضت لضغوط من أجل حظر برنامج، عندما طُلِب من رئيس مجلس الإدارة وقف إذاعة مقابلة مع أحد قادة البحرية الألمانية أثناء الحرب. وعقب فترة هدوء لدوافع وطنية خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت بى بى سى حكومة العمال بعد الحرب من خلال عرض كوميدى إذاعى عن سياسة الحزب، وتم حظر البرنامج. ودارت الضجة هذه المرة بشأن الرقابة.
وظلت الخلافات بشأن السياسة الخارجية سببا للنزاع بين المؤسسة والحكومة. خلال حرب السويس 1956، وحرب فوكلاند مع الأرجنتين 1982، والقصف الأمريكى لليبيا 1986، واعتبرت حكومات تلك الفترات وكلها حكومات محافظين أن بى بى سى ليست داعمة لها بشكل كاف.
ووقع خلاف أكثر خطورة مع حزب العمال: حيث سخر برنامج ديفيد ديمبلى الوثائقى «رجال الأمس» عام 1971 من حكومة هارولد ويلسون المهزومة، ما أثر على موقف وزرائه تجاه بى بى سى. ولم يوقف محاولات انتزاع رسوم الترخيص(ضريبة التليفزيون التى يدفعها البريطانيون سنويا وتوجه حصيلتها بالكامل ل(بى بى سى) إلا هزيمة الحزب عام 1979.
وواكب تولى مارجريت تاتشر الحكومة، مشاحنات حول التحيز، وبوجه خاص عند تغطية إضراب عمال المناجم (1984 1985) وحركة الجمهوريين الأيرلنديين. وفى 1986 عينت السيدة تاتشر مارمادوك هوسى من أجل «استئصال الحمر» وفقا لما نشرته صحيفة ديلى تلجراف، وأقالت المدير العام آلسدير ميلن. غير أن بى بى سى التى وصفها أحد نواب المحافظين بأنها «مؤسسة إذاعة بلشفية» شهدت إصلاحا واستردت قدرا كبيرا من قوتها.
ولم ينجح سوى تونى بلير، رئيس الوزراء العمالى السابق فى طرد كل من رئيس مجلس الهيئة ومديرها العام (جافين ديفيس وجريج ديك)، وذلك بسبب قضية ديفيد كيلى كان أحد مستشارى الحكومة البريطانية فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، الذى توفى عام 2003. وأسفر التحقيق عن أنه انتحر بعد الكشف عن أن أنه مصدر تقرير غير دقيق نشرته بى بى سى، يتهم الحكومة بتقديم معلومات استخبارية مزورة لتبرير غزو العراق.


 
FINANCIAL TIMES


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.