«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغلاق حساب بى بى سى
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 08 - 2009

كان ذلك فى يناير، عندما دعا اللورد كارتر الوزير الحاصل على لقب لورد والمكلف بتجميع المسارات المتباينة لسياسة الاتصالات الرقمية البريطانية فى تشريع قيادة البى بى سى إلى اجتماع فى مكتبه بالدور الثامن قرب كنيسة ويستمنستر.
وأبلغ كارتر مارك تومبسون، العقل المفكر للمؤسسة، وسير مايكل ليونز الرئيس القوى ل«بى بى سى تراست» وهى هيئة إدارتها بضرورة التوقف عن «إلقاء المواعظ» بشأن حق بى بى سى الحصرى فى رخصة التليفزيون الذى يدفعها البريطانيون وتصل قيمتها إلى 3.6 مليار جنيه استرلينى (5.9 مليار دولار). وقال ستيفن كارتر للرجلين إنه يجب تغيير الوضع الذى كانت تذهب فيه حصيلة ضريبة رخصة التليفزيون والتى يسددها سنويا كل من يمتلك جهازا تليفزيونيا فى بريطانيا حصريا لصالح البى بى سى منذ فترة بعيدة.
وقال شخص قريب الصلة من المحادثات: «كارتر أبلغهما أن عليهما التوقف عن الحديث عن رسوم ترخيص بى بى سى، أو حتى، رسوم الترخيص التليفزيونى، وبدء التفكير فى، رسوم الترخيص الرقمى، المستخدم فى مشروعات مختلفة يثمنها الجمهور». وكان ذلك أول إشارة لا لبس فيها لتغيير موقف حكومة العمال من أهم مصادر تمويل واحدة من كبرى محطات البث. وكانت الحكومة فى غاية الجدية عندما هددت بإجبار المحطة على السماح بأن يشارك آخرون فى الاستفادة من التمويل.
وكثيرا ما تدخل ال«بى بى سى» فى معارك مع الحكومة، خاصة بشأن رسوم الترخيص. ولكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة. ويقول مسئول حكومى كبير «تواجه كل المؤسسات الإعلامية الأخرى فى المملكة المتحدة كارثة». وأضاف «بسبب الركود، ولأن تجزئة الجمهور بين مئات القنوات تمزق إيرادات الإعلانات، ولأن التطورات التكنولوجية جعلت هذه آخر فرصة لتشكيل المستقبل... فإن الصبر بدأ ينفد».
وعندما قدم لورد كارتر مسودة القانون فى الشهر الماضى، فى صورة بيان بعنوان «بريطانيا الرقمية»، فإنه أعلن عن: طرح اقتراح يتضمن استخدام 130 مليون جنيه استرلينى من أموال رخصة التليفزيون لتمويل برامج إخبارية إقليمية على قناة آى تى فى المنافسة، التى لم تعد تستطيع تحمل تكلفة إنتاج مثل هذه المواد غير المربحة.
ورفض سير مايكل الفكرة، بدعوى أن رسوم الترخيص سوف تصبح «أموال رشوة» يتم صرفها وفقا لهوى الحكومات المتعاقبة، مضيفا «لن تجلس الإدارة صامتة، وتسمح بحدوث ذلك». وأدى ذلك إلى رفع درجة حرارة الخلاف. وفى هذا الشهر، اتهم بن برادشو وزير الدولة للثقافة قيادات ال«بى بى سى» بأن «تفكيرها خاطئ» و«مضلل» بسبب رفضها التشارك مع محطات الإذاعة الأقل ثراء.
وتعرضت بى بى سى التى تمتعت بوضع احتكارى طوال 33 عاما، وشاركت لمدة 27 عاما أخرى فى احتكار ثنائى مع آى تى فى إلى فترة من التراجع، كانت فيها القدرة الإبداعية والجمهور وحتى النجاحات الصحفية، تنسب إلى المنافسين. ولكن فى العقد الماضى، انعكست هذه العملية. فقد حققت تدفقا قويا من العائدات الدولية، وحققت قفزات تكنولوجية، مثل خدمة الآى بلاير، وهى خدمة فيديو رائدة على الإنترنت.
ويقول بيتر بازالجيت الرئيس السابق لقسم الإبداع فى محطة «إندمول» للإنتاج إن ذلك يرجع جزئيا إلى أن الجانب الأيمن الإبداعى من مخ الشركة تم تسخيره لصالح الفص الأيسر التقنى. ويضيف «الآى بلاير هو المثال على ذلك: فالتكنولوجيا الذكية تظهر محتوى ذكيا، وصار ذلك رمزا وفكرة سائدة تماما».
وعلاوة على ذلك، تأتى هذه الإنجازات فى لحظة حاسمة بالنسبة لوسائل الإعلام العالمية. هل سيستمر الناس فى مشاهدة برامجها للتسلية والمعلومات على أجهزة التليفزيون أو الكمبيوتر أو حتى أجهزة أخرى أحدث؟ وهل يكون ذلك فى صورة صغيرة تعرض على أجهزة التليفون المحمول أو على شاشات تقليدية ضخمة؟ غير أن هذا النجاح بالتحديد هو الذى يجعل الحياة صعبة بالنسبة ل«بى بى سى» وفقا لما يقول تيم سيوتر من مؤسسة «بيرسبكتيف أسوشيتس» للاستشارات.
ويقول السيد سيوتر « إنها خلاقة بشكل جيد، ومربحة بشكل جيد، ومبتكرة بصورة جيدة، وتبدو كما لو كانت فى طليعة التطور. وكل هذه الأمور تجعلها تبدو منظمة كبيرة للغاية وناجحة»، ويضيف: «ونتيجة لذلك، تواجه بى بى سى سلسلة من الضغوط والحجج تختلف نوعيا عن كل ما واجهته من قبل».
وتُعتبر بى بى سى سواء فى داخل بريطانيا أو خارجها واحدة من أفضل شركات الإعلام عالميا، من حيث البرامج، والخدمة الصحفية، وحضورها القوى على شبكة الإنترنت. ويتزايد انتشارها كل شهر عبر نطاق «بى بى سى وورلدوايد»، الذراع الإعلانى الذى يبيع البرامج المشهورة وإعلانات السلع فى جميع القارات. غير أن الأطراف الخارجية، سواء المنافسون أو صناع السياسة، يرون غطرسة فى قوة بى بى سى المالية، حيث يتمتع كبار المديرين بوظائف آمنة ذات رواتب عالية تعزلهم عن حقائق عالم الإعلانات. ويرى فيها المنافسون عملاقا غير قادر على كبح شهوته للانتقال إلى ميادين تكنولوجية جديدة.
وفى ميدانى التليفزيون والراديو، تسعى بى بى سى لتبرير ضريبتها المفروضة على الجميع، عبر الهيمنة على الجمهور، والمنافسة بضراوة فى كل نوع من أنواع المحتوى الإعلامى. وفى العام الماضى، أنفقت بى بى سى على إنتاج البرامج 1.9 مليار جنيه استرلينى. وتتوقع مؤسسة إندرز أناليسيز أن تنفق المحطة فى العام المقبل 2.07 مليار، فى حين ينخفض إنتاج القنوات المنافسة إلى 1.67 مليار جنيه إسترلينى. ويأتى موقع بى بى سى الإلكترونى دائما ضمن أكثر مواقع الإنترنت زوارا فى المملكة المتحدة، بفضل ميزانية بلغت 177 مليون جنيه استرلينى فى عام 2008 ما يفوق كثيرا قدرات منافساتها.
ويقول ديفيد إلشتاين، الرئيس التنفيذ السابق لمحطة «فايف» المنافسة إن بى بى سى تستغل ضعف منافسيها المالى لتقليل الإنفاق فى قناتيها الرئيسيتين لخدمة البث العامة، وتحويله إلى المشروعات الرقمية التى تخدم جمهورا أقل بكثير. ويوضح «لقد خفضت الإنفاق على الأخبار، والأحداث الجارية، والفنون وبرامج الأطفال، أى جميع ميادين خدمة البث العامة المطلوب مساعدتها. وهكذا فبدلا من معالجة انهيار السوق تضيف إليه».
ويشعر العاملون فى بى بى سى من جميع المستويات بأنهم يتعرضون للهجوم. وتشعر إدارتها بأنها تهاجم لمجرد أنها تفعل ما ينص حق امتيازها عليه. ويعتقد العاملون فى المستويات الأقل، أن منافسى بى بى سى يطمعون فى تمويلها، ويبحثون عن أى نقطة ضعف، وكان أحدث الادعاءات عن النفقات الباهظة لبعض مديريها. وهم يتخوفون من أن يستهدف السياسيون مواردهم فى محاولة لكبح استقلال بى بى سى. ويشعر البعض بعدم ارتياح لأن التغيير الذى يقوده السيد تومبسون لا يتواءم مع التراث الصحفى للمحطة، أو القول المأثور عن جون ريث، المدير العام المؤسس من أن مهمتها ينبغى أن تكون: «التعليم والترفيه والإعلام».
وأثار الإعلان عن النفقات غضب العاملين، الذين تعرضوا لسلسلة من عمليات تخفيض الإنفاق. ويقول ستيفن بارنيت الأستاذ بجامعة ويستمنستر: «جميع هذه الضغوط المختلفة تؤكد الانفصال بين الأغلبية الكبيرة من العاملين فى بى بى سى الذى يحصلون على نحو 30 ألف دولار سنويا، مقابل عمل شاق على نحو لا يصدق، وبين النخبة قليلة العدد التى تدير المؤسسة».
غير أن السيد تومبسون، استطاع بنجاح كبير تفادى اللوم بشأن المعركة مع الحكومة ومع مكتب تنظيم الاتصالات (أوفكوم) الذى يرأسه السيد كارتر. ويقول أحد كبار المسئولين فى بى بى سى: «المجلس التنفيذى يدين له عموما بالولاء. فالجميع يقدره بالفعل ويحبه. وليس هناك الكثير من الاختلاف، حتى فى الأروقة بعيدا عن الاجتماعات» لكنه يضيف: «ومع ذلك، تشعر بأن هذا يحدث بصورة قسرية للغاية. فليس هناك أى اعتبار كاف لحقيقة أن الصناعة كلها تمر باضطراب».
ويقول أحد أعضاء المكتب التنفيذى: «كان رفض سير مايكل لمقترحات كارتر كارثة. فقد جعل الحكومة تنقب وراءهم أكثر». كما قال أحد المسئولين الأقل درجة «لن أقول إن هناك قدرا كبيرا من الاستياء، ولكن يوجد ما هو أكثر قليلا من القلق من أن رئيس مجلس الإدارة اتخذ مثل هذا الموقف القوى، بينما لا يوجد حل آخر».
ورفض السيد تومبسون الهجوم الذى وجهه وزير الدولة للثقافة، قائلا إن بى بى سى «تحاول جاهدة» أن تلبى تطلعات الحكومة نحو بريطانيا الرقمية. ولكن عند الحديث عن المشاركة فى رسوم الترخيص، فإن «الكثيرين ممن تحدثت إليهم سعداء بأننا اتخذنا مثل هذا الموقف القوى».
وحتى نتفهم السبب وراء رد الفعل القوى الذى اتخذه سير مايكل، ينبغى أن نعود إلى ذلك الاجتماع الذى عقد فى يناير قرب كنيسة ويستمنستر. فقبل ذلك، كانت بى بى سى تتعامل حصريا مع إدارة الثقافة والإعلام والرياضة. وعلى الرغم من أن فريق لورد كارتر الذى يعمل لإنجاز بريطانيا الرقمية يتبع اسميا كلا من إدارة الثقافة والإعلام والرياضة، وإدارة الأعمال والمشروعات، والإصلاح التنظيمى، فإن الإدارة الثانية هى التى تهيمن عليه. ويقول شخص قريب الصلة من المفاوضات «بدا الأمر كما لو كانوا وجهوا بنادقهم نحو البحر، لكن الهجوم جاء من الخلف، من البر».
وهكذا، عندما أوضح لورد كارتر أنه يضع رسوم الترخيص نصب عينيه، أدركت بى بى سى أنه سيكون عليها تقديم تنازلات. وقبل سير مايكل خطة كانت إدراة الشركة رفضتها قبل ذلك، لتدعيم القناة الرابعة عبر تكوين مشروع مشترك. كما رفضت الإدارة أيضا خططا على الإنترنت، أثارت غضب مؤسسات الصحف الإقليمية. وتقول كلير إندرز من مؤسسة «إندرز أناليسيز» إن بى بى سى «ظنت أنها مقايضة: تقدم تنازلا، ولا تكون مضطرة للمشاركة فى رسوم الترخيص. لذلك فعندما بات واضحا فى بيان بريطانيا الرقمية أنهم مازالوا مضطرين لتقبل المشاركة، كان الأمر بمثابة صدمة».
وتبدو المباراة حادة. فيزعم سير كريستوفر بلاند، وهو رئيس سابق لهيئة بى بى سى، فى خطاب إلى صحيفة فاينانشال تايمز هذا الشهر أنه «إذا كانت الحكومة ترغب فى دعم آى تى فى، فعليها أن تقوم بذلك مباشرة، وليس عبر غسل أموال تم جمعها من دافعى رسوم الترخيص لغرض مختلف تماما». ويقول أيضا إنه بالنسبة لهيئة إدارة المحطة «هذه مسألة مبدأ. فهى لا تمثل مصالح بى بى سى فحسب، وإنما أيضا مصالح الناس الذين يدفعون رسوم الترخيص. وينص حق امتياز بى بى سى على أن هيئة إدارتها هى الحارس على رسوم الترخيص. وأنا آخذ ذلك بغاية الجدية».
ويضيف «إن قطع الصلة بين بى بى سى والناس الذين دفعوا رسوم الترخيص توقعا لأن تذهب الأموال إلى برامجها وتكنولوجيتها، سوف يعطل قدرتهم على محاسبة بى بى سى. وأعتقد أن هذا سوف يفتح الطريق أمام زيادة رسوم الترخيص فى المستقبل».
ويقول قريبون من هيئة الإدارة ومن مجلس بى بى سى التنفيذى، إنهم نظرا لأن الانتخابات العامة سوف تجرى بعد أقل من عام، وأنه من المرجح فوز حزب المحافظين المعارض، فقد قرروا أنه سيكون من الأفضل المقاومة لتأجيل خطط بريطانيا الرقمية أطول فترة ممكنة، بأمل أن تتخذ الحكومة المقبلة موقفا مختلفا.
ولم يكتف ديفيد كاميرون رئيس الوزراء القادم المحتمل بالإشارة إلى أنه يعارض تقسيم رسوم الترخيص بين بى بى سى ومنافساتها، لكنه أعلن بصراحة أيضا عن تأييده تخفيض سلطة مكتب تنظيم الاتصالات، التى يعتبرها الكثيرون سواء داخل بى بى سى أو خارجها عدوهم الرئيسى فى المعركة.
ويقول جريج ديك، المدير العام السابق الذى يترأس مجموعة عمل تساعد فى تشكيل سياسة المحافظين، إنه بسبب الفوضى السياسية واسعة النطاق التى يعانى منها حزب العمال فإن «بى بى سى فى موقف قوى فعليا ولا أظن أنه سوف يتغير قبل الانتخابات العامة» وفيما يتعلق بتوجهات الحكومة المقبلة يقول: «من خلال ما سمعته من ديفيد كاميرون، لا أستطيع أن أقول إلا أن زعيم المحافظين يناصر بى بى سى لمدة 30 عاما على الأقل».
غير أن السيد إلشتاين يحذر من أن «تخلى» بى بى سى عن جوهر برامج خدمة العامة لصالح المشروعات الرقمية سوف «يراكم أزمة كبيرة جدا تنتظر حكم المحافظين... عندما يتضح ما فعلوه برسوم الترخيص». ويتبنى شخص قريب الصلة من قيادة أنجح محطات البث فى العالم نفس وجهة النظر. حيث يرى أن بى بى سى، وبوجه خاص هيئة إدارتها، لم تنتبه من داخل عالمها المحمى برسوم الترخيص إلى النقطة المهمة: أن التغيير التكنولوجى صار سريعا حتى قضى على نظام البث القديم فى العالم.
ويقول إنه بالقياس إلى الحرب الأهلية الأمريكية: «يبدو الأمر كما لو كنت من الحلفاء فى 1862: ربما تظل تكسب معارك هائلة، ولكن الحقيقة المرة أنك ستخسر الحرب فى النهاية لأن موقفك الاستراتيجى خارج نطاق سيطرتك» ويضيف: «عاجلا أم آجلا، سيكون هناك تغيير فى العلاقة بين رسوم الترخيص وبى بى سى، والسؤال الوحيد هو: ما حجم هذا التغيير، وما نوع بى بى سى الذى سينشأ عن هذا التغيير؟».
الاستقلال والتدخل
تاريخ من مشاحنات الحكومة مع بى بى سى
منذ إنشاء بى بى سى فى 1922، لم تمض فترة طويلة من دون مشاحنات مع السياسيين. ففى 1926 عندما كان ونستون تشرشل مستشارا لوزير الخزانة، أراد السيطرة عليها لضمان تغطية ملائمة من وجهة نظره للإضراب العام. فرفض جون ريث أول مير عام لها، وتم حل الشركة، ثم أعيد إنشاؤها وفق حق امتياز يضمن استقلالها.
وفى 1932، تعرضت لضغوط من أجل حظر برنامج، عندما طُلِب من رئيس مجلس الإدارة وقف إذاعة مقابلة مع أحد قادة البحرية الألمانية أثناء الحرب. وعقب فترة هدوء لدوافع وطنية خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت بى بى سى حكومة العمال بعد الحرب من خلال عرض كوميدى إذاعى عن سياسة الحزب، وتم حظر البرنامج. ودارت الضجة هذه المرة بشأن الرقابة.
وظلت الخلافات بشأن السياسة الخارجية سببا للنزاع بين المؤسسة والحكومة. خلال حرب السويس 1956، وحرب فوكلاند مع الأرجنتين 1982، والقصف الأمريكى لليبيا 1986، واعتبرت حكومات تلك الفترات وكلها حكومات محافظين أن بى بى سى ليست داعمة لها بشكل كاف.
ووقع خلاف أكثر خطورة مع حزب العمال: حيث سخر برنامج ديفيد ديمبلى الوثائقى «رجال الأمس» عام 1971 من حكومة هارولد ويلسون المهزومة، ما أثر على موقف وزرائه تجاه بى بى سى. ولم يوقف محاولات انتزاع رسوم الترخيص(ضريبة التليفزيون التى يدفعها البريطانيون سنويا وتوجه حصيلتها بالكامل ل(بى بى سى) إلا هزيمة الحزب عام 1979.
وواكب تولى مارجريت تاتشر الحكومة، مشاحنات حول التحيز، وبوجه خاص عند تغطية إضراب عمال المناجم (1984 1985) وحركة الجمهوريين الأيرلنديين. وفى 1986 عينت السيدة تاتشر مارمادوك هوسى من أجل «استئصال الحمر» وفقا لما نشرته صحيفة ديلى تلجراف، وأقالت المدير العام آلسدير ميلن. غير أن بى بى سى التى وصفها أحد نواب المحافظين بأنها «مؤسسة إذاعة بلشفية» شهدت إصلاحا واستردت قدرا كبيرا من قوتها.
ولم ينجح سوى تونى بلير، رئيس الوزراء العمالى السابق فى طرد كل من رئيس مجلس الهيئة ومديرها العام (جافين ديفيس وجريج ديك)، وذلك بسبب قضية ديفيد كيلى كان أحد مستشارى الحكومة البريطانية فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، الذى توفى عام 2003. وأسفر التحقيق عن أنه انتحر بعد الكشف عن أن أنه مصدر تقرير غير دقيق نشرته بى بى سى، يتهم الحكومة بتقديم معلومات استخبارية مزورة لتبرير غزو العراق.


 
FINANCIAL TIMES


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.