شيخ الأزهر يدعو إلى مراعاة الفتوى الصحيحة وتجديد النظر فى تولى المرأة القضاء.. ويحذر من «الفتاوى المقولبة» مفتى الجمهورية: نواجه أمية دينية وفتاوى لأشباه العلماء.. وبعض الأقزام يهددون سلام الأوطان .. والزند: تجديد الخطاب الدينى ضرورة ملحة لمواجهة الأفكار المتطرفة حذر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، من «التساهل فى فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع، وتصيد الغرائب بها وهو ما يؤدى إلى استحلال الدماء المعصومة»، مشيرا إلى أن الفتاوى فى عدة مسائل لا تزال «تتذبذب بين الحل والحرمة، وتترك الناس فى حالة من الشعور المضطرب المتأرجح بين الطمأنينة والحرج». وأضاف الطيب، فى افتتاحية المؤتمر الدولى للافتاء، بعنوان «الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل» أمس، بمشاركة مفتين من 50 دولة، أنه «مارس تجربة الإفتاء لمدة عام ونصف العام، فى دار الإفتاء، مطلع هذا القرن، متعثرا مضطربا، يستقيم ممشاه حينا، وينكص على عقبيه أحايين كثيرة، ولايزال حتى يومنا»، لافتا إلى أنه لم يسع إلى موقع الإفتاء ولم يفكر فيه، «كل تخوفى هو أن أُحل حراما أو أحرم حلالا». وأشار الطيب على سبيل المثال إلى مسألة «اقتناء التحف والمجسمات التى على شكل التماثيل، أو التكسب من مهنة التصوير، فى ظل ما شاهدناه بالأمس البعيد ونشاهده اليوم على شاشات التلفاز من تدمير آثارٍ ذات قيمة تاريخية كبرى وكان تدميرها بفتاوى باسم الإسلام وشريعته». وانتقد شيخ الأزهر فى كلمته عدم تحرك أى مجمع فقهى، وعدم عقد اجتماع لفقهاء العصر وشيوخ الفتوى فى عالمنا الإسلامى لبيان الحكم الشرعى فيما حدث، وفى ظل متغيرات عالمية وأعراف استقرت على إنشاء كليات للآثار وللفنون الجميلة والصناعة السياحة. وتابع: «مما أوقع المسلمين فى حيرة من أمرهم حيال هذه المجسمات، هل هى مجرد تحف لا بأس من اقتنائها شرعا، أو هى أصنام وأوثان لا يجوز للمسلم أن يتعامل معها بحال من الأحوال»، وقال: «بل لايزال بعض المعنيين بالإفتاء يصادرون بالتحريم المطلق، مع أن المقام مقام بحث وتنظير وتفتيش عن وجود العلة أو عدمها، وهو يسبق بالضرورة مرحلة صدور هذه الأحكام التى تصدر وكأنها أحكام تعبدية، وأمْرٌ أمرَنا به الشارعُ، ولا نَعقِل لها معنى، وليست من قَبيلِ الأحكام التعليلية». وطالب شيخ الأزهر، المفتين بمراعاة الفتوى الصحيحة لأنها العاصمة من الترخص الذميم والتحلل من سماحة الدين وأن يجدِّدوا النظر فى تولى المرأة القضاء وباستئناف النظر فى قضية التماثيل، مشددا على أنه مع وجود النص القاطع الصريح فى الشريعة لا نظر ولا تجديد وإنما التسليم لله والرسول وأن الإسلام السمح يدعو إلى التسامح. ودعا الطيب إلى الاستفادة من التراث الإسلامى العظيم، السمح وننفض عنه غبار الإهمال الذى حرم الناس من يسر الشريعة ورحمتها، وأن نستلهم هذه الكنوز فى كل شاردة وواردة فى صناعة الفتوى. كما حذر الطيب من مسألة «العُرف»، وخطره البالغ على تكيف الفتوى وجنوحها إلى التشدد والتعسير، منتقدا ما أسماه «فتاوى مقولبة» وهى أحكام بنيت على أعراف ملائمة لبيئة وغير ملائمة لبيئة أخرى، أو على أعراف قديمة تبدلت وتغيرت عدة مرات. ومن جانبه، قال شوقى علام، مفتى الجمهورية رئيس المؤتمر: نعيش فى ظل ظهور أناس موتورين ينتزعون الكلام النبوى من سياقه، ويحملونه على المعانى والمحامل التى لا يحتملها اللفظ النبوى وفق قواعد الاستنباط الصحيحة، ويخلعون عليه ما وقر فى نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده. وتابع المفتى: «نواجِه الأمية الدينيةَ من جهة، ونواجه فتاوى أشباه العلماءِ من جهة ثانية، ونواجه تشويه الدينِ الإسلامى بيد من ينتسبون إليه من جهة أخرى»، مشيرا إلى أننا فى لحظة يحاول فيها بعض الأقزامِ أن يهددوا سلام الأوطانِ». وقال المفتى: «ونظرا لما للفتوى من دور مهم فى الإصلاحِ والحفاظ على الأمنِ المجتمعى، ومواجهة التطرف، وإرشاد الناسِ إلى قيمِ الإسلامِ الصحيحة ومقاصده العليا، ارتأينا أن نعقد المؤتمر لنضع النقاط على الحروف، ونقف معا متضامنين، مترابطى الأيدى أمام هذه التحديات التى تطالنا آثارها السلبية كمسلمين بشكل خاص وتمتد إلى غيرنا بشكل عام أفرادا وجماعات، ودولا ومجتمعات، مضيفا: «والفتوى كما لا يخفى على شريف علمكم أمرها جليل وشأنها خطير؛ والإقدام عليها بغير علم من جملة الكبائر». وأعرب مفتى الجمهورية رئيس المؤتمر العالمى للإفتاء فى كلمته عن الأمل فى أن يكون هذا المؤتمر حدا فاصلا بين عصر فوضى الفتاوى التى تتسبب فى زعزعة استقرار المجتمعات وتؤدى إلى انتشار التطرف. وأكد المستشار أحمد الزند وزير العدل أن الأزهر الشريف كان وسيظل منارة العلم والوسطية السمحة للإسلام، وحائط الصد من فوضى الفتاوى الشاذة التى تفرق أكثر مما تجمع وتثير الفتن وتنشر الخلاف فى الأمة الإسلامية. وأضاف أن الجماعات المتطرفة تستند إلى أحاديث مكذوبة وأفكار مغلوطة، الأمر الذى يستدعى مواجهة تلك الأفكار. ويهدف المؤتمر، الذى يستمر لمدة يومين إلى التعرف على المشكلات فى عالم الإفتاء المعاصر، ومحاولة وضع الحلول الناجعة لها، خاصة ما يتعلق بمعرفة المخرج الشرعى الصحيح من الاضطراب الواقع فى عالم الإفتاء.