• قصة 1800 أسرة يعيشون فى مساكن آيلة للسقوط.. عدم وجود صرف صحى.. وبعضهم يفترشون الشارع منذ عام فى الثانية صباحا من يوم صيفى عام 2003، سمعت الأم صوتا مدويا، هرولت بفزع لترى سقف الغرفة التى كانت تعيش فيها مع زوجها وبنتيها مطبقا فوق ابنتيها الصغيرتين، لتلحقا بشقيقتيهما اللتين احترقتا قبل شهرين من ذلك التاريخ. أم أمل، كما يناديها سكان منطقة «بطن البقرة»، بمصر القديمة، تبلغ من العمر 46 عاما، أصبحت بطلة قصة مأساوية خاصة، وفى الوقت نفسه جزءا من معاناة عامة يعيشها سكان المنطقة، حين أتت الشقوق على منزلها، فانهار السقف لتفقد مع ابنتيها كل ما تمتلك من أشياء بسيطة. زوج أم أمل، يعانى من إعاقة جزئية فى قدمه، وتعانى هى الأخرى من انزلاق غضروفى، وأصبحا غير قادرين على العمل، تقوم هى ببيع المناديل، ويعمل زوجها «فى أى شىء»، أو «أرزقى» كما وصفته. منحها الله طفلتين صغيرتين، ولكن الغرفة المهددة بالسقوط من جديد، دفعتهم إلى النوم فى الشارع حتى الآن خوفا من أن تستيقظ يوما لتجد نفسها قد فقدت كل شىءمن جديد، تتذكر: «بعد موت البنتين، فِضلنا ننام فى الشارع سنة كاملة». حدث ما حدث لكن الأم لم تيأس، تجمعت الديون فوق رأسها لأنها أرادت أن تعلم طفلتيها، لعلهما تحظيان بمستقبل أفضل قليلا من واقعها الذى تعيشه. من أسفل سقف خشبى مثبت بصعوبة، فى منطقة «بطن البقرة» يحكى محمد فوزى هاشم، 32 سنة، عن أصل المشكلة الأخيرة التى دعت وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات، ليلى اسكندر، إلى الاجتماع مع مجلس الوزراء للتوصل إلى حل للسكان. فى يوم 28 رمضان أغرقت المياه الجوفية البيوت بالمنطقة، مما أدى إلى تعرضها لهبوط أرضى ووقوفها على حافة الانهيار. ويقول هاشم إن البداية تعود إلى قيام القائمين على مشروع قرية الفواخير المجاور لبطن البقرة بالحفر فى عمق يزيد على 30 مترا تحت الأرض، مما أدى إلى خروج المياه الجوفية وسط البيوت المتهالكة. يصف هاشم ما يحدث: «الأرض بتمشى.. البيوت بتتحرك من مكانها كأنها عايمة على وش المية». فى «بطن البقرة» يطلق لفظ «بيت» على مجموعة من الغرف المتلاصقة التى تضم كل منها أسرة وتصل إلى عشر غرف أو ما يزيد، ويتشارك الجميع فى «حنفية مياه» واحدة فى الخارج، ودورة مياه صغيرة ومتهالكة ويغلفها الصدأ. وأشار هاشم إلى أن الفنان محمد صبحى، أسس من خلال مشروع «معا» لتطوير العشوائيات، 10 آلاف وحدة سكنية فى أكتوبر لسكان بطن البقرة فقط، ولكن الحكومة رفضت نقلهم إليها بعدما رأت أن تلك المدينة المتكاملة «لا تصلح أن يعيش فيها سكان العشوائيات»، على حد وصفه. لم يكن الخوف من الموت تحت الركام الهم الوحيد لسكان المنطقة، ولكن عدم وجود صرف صحى والرائحة الكريهة، هم آخر. يقول هاشم: أصحب سيارات الكسح «بياخدوا 450 جنيها كل شهر وكمان مش عاجبهم». وبحسب مدير صندوق تطوير عشوائيات القاهرة الكبرى وجنوب الصعيد، المهندسة سعاد نجيب، هناك 1800 أسرة تقريبا يعيشون فى تلك المنطقة التى تحمل درجات مختلفة من الخطورة، حيث يقع جزء منها على حافة الجبل. وتتفق المهندسة سعاد على أن عددا من سكان المنطقة يقيمون فى مساكن غير ملائمة تعرضت للانهيار بسبب هبوط أرضى، فضلا عن غياب منظومة الصرف الصحى. عبدالله شحاتة 51 عاما، يحكى عن واقعة قاسية حدثت منذ 6 سنوات، حيث انهار البيت الذى يسكن فيه مع عدد من الأسر، فلم يكن أمامهم سوى النوم فى الشارع. كان الرجال ينامون فى عربة نصف نقل، فيما اجتمعت النساء ودخلن إحدى المحلات الصغيرة ليقضين الليل فيها بعيدا عن الأعين، ويعلق: «وكأن اللى ساكنين فى العشوائيات دول مش بنى آدمين». شحاتة يقول إن الحكومة عرضت عليهم دفع مقابل إيجار لمدة سنة، أو نقلهم لمساكن بعيدة فى مدينة أكتوبر، مضيفا «أنا أرزقى وشغلى كله هنا فى صناعة الفخار.. يعنى لو نقلت أكتوبر أدفع أكتر من 20 جنيه مواصلات كل يوم ازاى. هو الواحد بيعمل كام عشرين جنيه فى اليوم». فى غرفة مجاورة مكدسة، جلست حلمية عبدالحميد، 60 عاما، برفقة زوجها. رفعت عينيها الواهنتين، لتشير إلى جدران الغرفة التى تقسمها الشروخ إلى أجزاء، وتشرح كيف رأت ذات يوم، الغرفة التى كانت فوق غرفتها تنهار فجأة وتسحق مأواها الوحيد، وتعلق: «عايزين يسرعوا شوية وينقذونا بدل ما يطلعونا أموات من تحت البيت». وتقول المهندسة سعاد نجيب، إن وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات تسعى الآن فى إجراءات نقل أصول أرض «عزبة خير الله» المملوكة لشركة المعادى للتشييد والتعمير إلى محافظة القاهرة لنقل المتضررين من سكان بطن البقرة إليها، لحين إعادة تجديد وبناء مساكنهم المهددة. وتابعت أن قرار نقلهم إلى مساكن فى أكتوبر ضرورى لأن التجديد والبناء وتخطيط المنطقة لن يستغرق أقل من عام ونصف أو عامين، وسيعودون إليها مرة أخرى.