كارثة يندي لها الجبين تقع داخل عين الصيرة بمصر القديمة تسمي مساكن إيواء عين الصيرة تلك المنطقة التي يوجد بها المئات من فقراء مصر محرومين من أدني حد للحياة الكريمة حتي أصبحوا مجرد أموات فوق الأرض في عشش مبنية من الخشب والطين أو الصفيح. فيها يعيش البشر والحيوانات معا وسط مساحات خانقة مثل علبة السردين المغلقة التي لا تستطيع عربة إسعاف ولا مطافئ المرور بها من شدة ضيق حواريها الملتوية مثل الثعابين التي لا يخلو بيت منها فلا تتسع سوي لمرور شخص واحد فقط فهذه التجمعات السكنية المتناثرة تعد قنابل موقوتة وسط القاهرة من جرائم قتل وتجارة مخدرات أو حتي إرهاب! ووسط تلك الصور المتداخلة من المعاناة في عين الصيرة أستوقفتني سيدة مسنة في ال80 من عمرها عيناها العجوزتان يغمرهما الدمع وتتحدث بصوت خافت من شدة التعب تدعي نجاة راعي مرسي ابنها الوحيد وعائل الأسرة الذي كان يعمل ليلا ونهار لتوفير مصروفات علاجها من السكري والقلب هي وزوجها المسن, وتم القبض عليه أثناء مشاجرة وقعت بين شخصين في شارع قصر النيل أثناء ثورة يونيو وشاء القدر أن يتدخل لفضها ولكن لسوء حظه قبض عليه وتم حبسه وبسبب مرضها هي وزوجها المسن فلم يكن باستطاعتها زيارته بسبب بعد المكان أو حتي توكيل محام لأنها لا تملك سوي لقمة العيش التي تأتيها من فاعلي الخير أو من الجيران. وفي نفس الحارة, يجلس رجل قعيد علي كرسي متحرك أمام حجرته الآيلة للسقوط ملابسه مقطعة وعلامات الشقاء تملأ وجهه يدعي عاطف أحمد محمد يعاني من شلل الأطفال ومرض القلب ويحتاج إلي علاج شهري يتعدي ال400 جنيه ومصدر رزقه الوحيد بيع المناديل فكل ما يتمناه هو كرسي متحرك حديث يستغني به عن مساعدة الآخرين والمعاناة اليومية في صعود الكرسي ولكي يسهل عليه التنقل وتوفير طعام أطفاله الأربعة. ويضيف أن أسوأ ما يوجد بمساكن إيواء عين الصيرة, هو تجارة البرشام والمخدرات حتي وأن الحواري الضيقة لا تخلو من متعاطي المخدرات أو من يقومون ببيعها لاستدراج الزائرين في ساعات الليل المتأخرة. ورغم أن كل ما شاهدناه وسمعناه من حكايات تدمع عينيك من الحزن علي أحوالهم إلا أن وجود سيدة وحيدة ترقد علي سرير ولا تستطيع الحركة بسبب معاناتها من غضروف جعلها طريحة الفراش لأعوام دون معين لها كانت الأشد قسوة علي الاطلاق, الحاجة نادية سليمان زهران70 عاما تعيش في عين الصيرة منذ27 عاما تعاني منذ صغرها من إعاقة في ذراعها الأيمن بالإضافة إلي مرض الغضروف وتحتاج إلي عملية عاجلة لإزالة الغضروف الذي شل حركتها وأول ما نطقت به عندما سألتها عن طعامها قالت في ربنا يخلي الفول والطعمية لولاهم مكنتش هعرف آكل! فمساعدات أهل الخير من الجيران الذين لا تختلف حالتهم المادية عنها كثيرا هي مصدر رزقها الوحيد وأما في حالة تأخرها تخلد في نوم عميق لكي تتناسي رمق جوعها. هاشم سمير48 سنة عامل باليومية يقول إن مساكن الغابة أنشأتها محافظة القاهرة كمأوي مؤقت لسكان بلوكات السيدة نفيسة التي تم هدمها لبناء تكية الشيخ الشعراوي منذ أكثر من18 عام, مشيرا إلي أنه تم منح أكثر من150 أسرة في إيواء الغابة شقق النهضة وحلوان بمقابل مادي لا يقل عن4 آلاف جنيه بناء علي طلب أحد المسئولين الكبار بمديرية إسكان القاهرة كرشوي ومن لا يمتلكون هذا المبلغ في ذلك الوقت حرموا من حقهم في الحصول علي شقة مؤكدا أن جميع الشكاوي التي قدمها الأهالي لسمير جاد مدير إسكان محافظة القاهرة لم يبت فيها ومازالت حبيسة الأدراج أو داخل سلة القمامة. بينما تعيش سامية حمدي30 عاما في مساكن الغاب منذ نعومة أظافرها عش الزوجية عبارة عن عشة مبنية من الخشب فوق سقف أحد البلوكات تصعد اليها بسلم خشبي متهالك معلق في الهواء تجاورها الثعابين والعقارب ويلاحقها الموت هي وزوجها, ولأنه لا يوجد مأوي آخر لها ظلت سامية تنام في الشارع لمدة3 أيام خوفا من ثعبان طوله متر رأته داخل غرفتها فتقول إنه كثيرا ما قامت بتقديم استغاثات للحي بخصوص الحشرات والزواحف الموجودة في الإيواء بخلاف الذباب المنتشر بصورة غير طبيعية في الإيواء وينهش في أجسادهم ليل نهار والكلاب التي تحيط بالبلوكات ولكن دون جدوي ولم يستجب أحد من المسئولين. بينما تجاور غرفة سامية الموجودة فوق غرفة أخري لسيدة تدعي الحاجة لواحظ تجاوزت ال70 من عمرها تعيش في تلك الغرفة التي تمثل ملاذها الأخير بعدما طردت من البلوك الذي تعيش فيه بمنطقة المدابغ بسبب تأخرها في دفع الإيجار بعدما توفي زوجها منذ4 سنوات وتركها تعاني وحيدة من شدة مرضها فتضطر إلي صعود السلم المتهالك للوصول إلي حجرتها وهي تلتقط أنفاسها بالكاد حاملة بيديها العجوزتين شنطة بلاستيكية بداخلها أدويتها فرغم معاناتها من غضروف في الظهر وخشونة في الركبة وربو علي الصدر وهو أمرا شاقا يجعلها حبيسة غرفتها معظم الأوقات وأما داخل غرفتها الصغيرة فلا تحتوي سوي علي وابور جاز تنام بجانبه علي الأرض. ويقول عبدالناصر أحمد موظف في الطب البيطري30 عاما متزوج ولديه ثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة وضع كل أحلامه علي عاتق ابناؤه رغم معاناته الشديدة فضل أن ينام علي الأرض لتوفيرثمن الدروس الخصوصية من راتبه الذي لا يتعدي ال500 جنيه وحاول توفير جو هادئ لهم في حجرة جدتهم بمساكن يعقوب والتي تعد منطقة أهدأ بقليل من زحام إيواء عين الصيرة, مشيرا إلي أن المياه تنقطع في مساكن الغاب بالثلاث أيام ويضطرون إلي تعبئة من المقاهي الموجودة بالشوارع العمومية بحي عين الصيرة. ويكشف عن قيام الأهالي بتنظيم وقفة احتجاجية تضم المئات منهم أمام وزارة الاسكان ومحافظة القاهرة الأسبوع القادم للمطالبة بحقهم في شقق سكنية آدمية, لافتا إلي أن الشقق التي تعلن عنها وزارة الإسكان لا يقدر علي ثمنها الفقراء فالمقدم لا يقل عن5 آلاف جنيه بخلاف الأقساط الشهرية التي تتعدي ال500 جنيه متسائلا في دهشة: كيف يستطيع سكان الإيواءات دفع هذه المبالغ وهم علي حد قوله بيكحوا تراب من شدة الفقر؟! وتقول مبروكة السيد محمد تعيش في حجرة مساحتها متر ونصف المتر هي وابنتها المتزوجة بها سريرين يفصل بينهما ستارة من القماش, ولديها ابن يبلغ من العمر30 عاما كانت البيئة الملوثة وكثرة الزحام بيئة خصبة لإصابته بحمي شوكية وهو صغير ولأنه لم يتوافر معها المال الذي يساعدها علي علاجه أدي المرض إلي وتحوله إلي معاق ذهنيا. ويقول خميس المصري عامل أنابيب إنه بقدوم فصل الشتاء تتجدد مأساة الأهالي خاصة وان جميع البلوكات أسقفها خشبية ومتهالكة وتنهال عليهم مياه الأمطار تجعل حجرتهم برك عائمة في عز الليل فيضطرون إلي مغادرة الغرفة والنوم في العراء حتي انتهاء المطر فضلا عن تعرضهم للموت بفعل ماس كهربائي داخل غرفهم الممتلئة بسلوك الكهرباء العرية, كما حدث مع أحد الأطفال ويدعي أحمد والذي لقي حتفه بسبب حريق نشب داخل غرفتهم وعندما حاول إخماده بمساعدة أخواته مات صعقا بالكهرباء. ويشير إلي أن القمامة الممتلئة بالحشرات الطائرة والزاحفة تحيط المساكن من كل ناحية وذلك لأن عربات القمامة من المستحيل ان تمر في هذه الحارات الضيقة الخانقة وأن كل ما يقدرون عليه هو جمع القمامة كل فترة والقائها في الشارع الرئيسي حتي بات مقلب زبالة لا يهتم الحي بنظافته. صندوق تطوير العشوائيات يعد بمساعدة أهالي الإيواء وتقول الدكتورة سعاد نجيب رئيسة صندوق تطوير العشوائيات ان الوحدات السكنية في المقطم ومدينة السلام مخصصة لسكان المناطق الخطرة من الدرجة الأولي مثل الدويقة وبطن البقرة وغيرها الموجودة علي حواف الجبال ومعرضة للإنهيار منهم4 آلاف وحدة سكنية يمولهم الصندوق بمبلغ مالي قدره195 مليون جنيه منهم92 مليونا استلمتهما المحافظة والباقي عند الاستلام, وسيتم نقل المستحقين من سكان العشوائيات فيها فور الانتهاء من تشطيبها طبقا لتقرير جيولوجي وبالفعل تم نقل مجموعة من أهالي الدويقة في6 أكتوبر والنهضة. أما فيما يخص مشروع معا للفنان محمد صبحي والمكون من2000 وحدة سكنية منهم1000 وحدة سكنية جار تشطيبهما وسيتم نقل المستحقين أيضا بعد دراسة لحالتهم المادية بمعرفة لجنة جيولوجية تشكلها المحافظة برئاسة الدكتورة أميمة. أما عن مساكن إيواء عين الصيرة فتقول إنه لم تكن المباني الحكومية كالإيواءات ضمن خطة الصندوق ولكن تعد بأن تكون علي رأس أولويات الوزارة أو الصندوق وأنه سيتم ارسال لجنة للمنطقة لمعاينة أوضاعهم وأنه سيتم إعلام الأهرام المسائي بالتطورات خلال الفترة القادمة!