السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصباح ترصد.. 250 أسرة يعيشون أمواتا فى بلاعات أرض عزيز
نشر في الصباح يوم 27 - 03 - 2013


250 أسرة يعيشون أمواتا فى بلاعات أرض عزيز
«الصباح» تقضى يوما مع سكان قاع الأرض منذ ربع قرن
الحكومة وضعتهم فى بلوكات تحت الأرض ب 20 مترا بعد انهيار منازلهم فى زلزال 1992 و باعت المساكن التى خصصت لهم و تجبرهم على دفع إيجار شهرى للبلاعات
وليد : اتهمونى بالتبديد و حبسونى شهرين و حجزوا أثاث منزلى عندما لم استطع دفع الايجار
حمّام وحيد لسكان البلوكات عبارة عن وكر للاغتصاب وهتك الأعراض.. و مشاجرات يومية لقضاء الحاجة
العمى والروماتيزم والربو و الفشل الكلوى .. أمراض يشترك فيها سكان «باطن الأرض» و الصعق بالكهرباء أقرب الطرق للموت السريع
حشرات غريبة تنتشر بينهم ولم يحدد ماهيتها باحثو المركز القومى للبحوث وتسببت فى قتل الكثيرين
أرض عزيز ، أرض العالقين بين الحياة والموت .. الذين يعيشون فى باطن الأرض .. و لا ترى منازلهم أشعة الشمس صيفا و شتاء.. لا تختلف حياتهم كثيرا عن حياة الجرذان، يعيشون فى «بلاعات» و يسمونها بلوكات و كأنهم يخدعون أنفسهم ليتغلبوا على مرارة الواقع الأليم .. تحيط بهم مياه المجارى والحشرات والروائح الكريهة من كل اتجاه، لا يعرفون للنوم طريقا فهو مطلب غالى الثمن و صعب الوصول إليه.
لا تحاول الاقتراب منهم لأن أسلاك الكهرباء المنتشرة فى كل مكان تصعق أى شخص لم يعتد المرور بينها بحرفية ،250 أسرة يقضون حاجتهم فى حمام واحد ويقطنون باطن الأرض بعمق 20 مترا ، وكأنها مقابر يسكنها أحياء و لكن يتنفسون.
«أرض عزيز» منطقة نائية جنوب منطقة «إمبابة» نزح إليها مواطنون منذ ثلاثين عاما فى «بلوكات» أسفل الأرض، ومع زلزال 1992 هرع إليها العشرات من المواطنين حيث أعدت لهم الحكومة هذه البلوكات بديلا عن منازلهم المنهارة كوضع مؤقت حتى إقامة مشاريع سكنية، إلا أن هذا الوضع استمر عشرات الأعوام فى تلك البلوكات المجاورة «للبلاعات»، وبعد هذه الفترة تزايدت أعداد سكانها وقدم إليها المزيد، و يتراوح عدد هذه الأسر ما بين 200 إلى 350 أسرة ، تقطن «بدرومات» البلوكات السكنية فى هذه المنطقة العشوائية على هامش منطقة المنيرة الغربية، والبلوك عبارة عن 15 غرفة منفصلة تعيش فى كل منها أسرة مكونة من ثمانية أفراد ، و الغرف بلا منافذ للتهوية ، أو أبواب أو حمامات .. فقط المزيد من الروائح الكريهة والموت والحشرات والعرق والزحام.
الحياة الأخرى
الحديث عن الحياة داخل «البلاعات» لا يشبه كثيرا الأمر على أرض الواقع، فهو أكثر سوداوية ومأساة لمواطنين يعيشون أسفل المنازل، نوافذهم التى يتنفسون منها تقترب بالكاد من سطح الأرض، الذى يعيشون أسفله بعمق 15 مترا تقريبا.
يعود أصل تلك «البلاعات» إلى «بدرومات» أعدت كمخازن تابعة لحى الجيزة لتخزين المعدات و الأثاثات الخاصة بالمحافظة إلا أنه تم تسكين هؤلاء المواطنين بها عقب زلزال 1992 على وعد بالحصول على شقق سكنية بديلة عن بيوتهم المنهارة ، ومنذ ذلك الحين لم يغادروا باطن الأرض، بعد أن أهملتهم الحكومات المتعاقبة و لم تتذكرهم على الاطلاق ،لازم الروماتيزم عظامهم، ولاحق الربو وأمراض التنفس صدورهم نتيجة حياتهم المجاورة للرطوبة ومياه الصرف الصحى.
الرعب والخوف وجهان لعملة واحدة ترافق هذه الأسر بعد انتشار حشرات غريبة داخل بيوتهم و لم يتعرف عليها باحثو المركز القومى للبحوث الذين استنجدوا بهم للتخلص من هذه الحشرات ، مما نشر الذعر بينهم إلى الحد الذى دفع معظمهم لمغادرة «بلاعته» تاركا وراءه ظلاما ليواجه مصيرا أكثر بشاعة وهو بناء «عشة» إلى جانب هذه البلاعات والوحدات الموجودة فى باطن الأرض، لتكون المحصلة النهائية عششًا فوق سطح الأرض ومواطنون فى باطنها، لا يعرفون لنور الشمس طريقا.
تقرير حقوقى
تتوالى الحكومات، ويتعاقب الرؤساء، وتقوم الثورات ولا تتغير الأوضاع لسكان باطن الأرض، فقد رصد تقرير «حقوقى للمركز المصرى لحقوق السكن» يشير إلى وجود أكثر من 130 أسرة يقطنون بدرومات بلوكات سكنية أقامتها الحكومة فى أرض عزيز عزت بمنطقة إمبابة- محافظة الجيزة، موضحا أن الحكومة أسكنت الحالات التى تعرضت بيوتهم ل «انهيارات، إخلاء إدارى» فى بدرومات هذه البلوكات وهى عبارة عن غرف منفصلة تعيش كل أسرة فى غرفة واحدة بدون مياه شرب أو صرف صحى لمدة تتراوح من 10 إلى 15 سنة، وذلك كإسكان مؤقت لحين توفير بديل لهم ثم باعت الحكومة الشقق التى خصصتها الدولة لهؤلاء المتضررين وتركتهم فى البلاعات لمدة 25 عامًا.
وتابع التقرير: تبعد هذه البدرومات عن سطح الأرض بنحو 4 أمتار، وتوجد النافذة الوحيدة فى الغرفة عند مستوى سطح الأرض، ونظرا للعوامل الديموغرافية، ارتفع مستوى سطح الأرض، مما أدى إلى شبه غلق النوافذ، وهى المنفذ الوحيد للتهوية فى هذه الغرف، كذلك فإن هناك تسريبا دائما لمياه الصرف الصحى من أرضية الغرف، لدرجة أدت إلى انتشار حشرة غريبة تسببت فى موت الكثيرين من سكان البلوكات ولم يستطع باحثو المركز القومى للبحوث تحديد ماهيتها، والتى اضطرت بعض السكان الذين انتشرت هذه الحشرة فى غرفهم، إلى ترك الغرفة والعيش فى عشش بجوار هذه الوحدات.
كما أدى حرق القمامة فى المنطقة- التى يبدو أن المسئولين قد نسوا أصلا وجودها- إلى تعبئة الدخان فى الغرف الأرضية، فضلا عن ذلك فإن ألسنة اللهب تمتد أحيانا إلى الغرف من خلال النوافذ وتتسبب فى حرائق عديدة.
الحالة الصحية للمواطنين فى تردى عام نتيجة بيئة السكن، فهناك حالات وفيات لأطفال حديثى الولادة، ورصد المركز منها خمس حالات، كما تنتشر الأمراض كالروماتيزم نتيجة الرطوبة العالية بهذه الغرف، وحالات فقدت النظر نتيجة انبعاث روائح كريهة سببها دخول مياه الصرف الصحى إلى الغرف.
ونظرًا لوجود الحمامات المشتركة للنساء والرجال معا خارج الغرف (فى الشارع) تعرضت العديد من السيدات والفتيات لمحاولات اغتصاب، وهناك قضية هتك عرض وحوادث قتل تمت داخل الحمامات المشتركة، مما دعا السكان للاكتفاء بقضاء حاجاتهم فى صفائح داخل الغرف، ولكنهم يظلون مضطرين للحصول على المياه من الحمامات المشتركة .
مقابر الأحياء
محمد عدلى ذو ال 61 عاما أحد سكان البلاعات يعمل نجارا، وجهه مليئ بالتجاعيد وحديثة مليئ بالأوجاع كلما تحدث عن منزله أو مقبرته كما وصفها حيث يقول: أعيش فى إحدى الحجرات «ببدرومات» أو بلاعات «أرض عزيز» أنا وأسرتى المكونة من خمس بنات وأمهم منذ نحو20 عاما بأمر من الحكومة بعد انهيار منزلى واختارت لى هذا المدفن الذى لا يصلح حتى للأموات، كما أن أى مدفن يكون له 3 سلالم، أما هنا فلنا 18 سلمة تحت الأرض ويوجد 250 أسرة تعيش هنا وكل أسرة مكونة من 6 أفراد على الأقل، ولا يوجد سوى حمام واحد فقط وقمنا بتركيبه بجهودنا الذاتية وعلى نفقتنا الخاصة، وهذا الحمام سبب رئيسى فى مشاجراتنا اليومية مع الجيران بسبب الصراع على أسبقية الدخول، ونقف فى طوابير طويلة لقضاء حاجاتنا وكذلك لغسيل الملابس ولا يوجد سوى «منشر واحد فقط للغسيل».. تفاصيل أقرب إلى حياة الجحيم أعيشها وزوجتى وبناتى، على مدار أعوام تمر فيها الأيام والساعات كعشرات السنين، كنت أحلم من وقت لآخر أن تتغير هذه الأوضاع وتصلح الثورة ما أفسده نظام مبارك ولكن الوضع لم يتغير، سمعت وعودا بشقق ووحدات سكنية إلا أننى لم أر أيا منها وظللت قابعا فى باطن الأرض انتظر الموت».
عدلى يبكى أثناء حواره معنا وهو يتذكر أدق تفاصيل حياته اليومية غير الآدمية ويحاول أن يذكر كل ما يتعرض له وأسرته دون اأن ينسى شيئا ما ويكمل فى حسرة «حياة الظلام لم تمنعنى طوال السنوات الماضية من السير نحو المستقبل خاصة وأننى نجار حرفى أملك من المهارة ما يؤهلنى للقيام بأعمال تدر ربحا ودخلا كثيرا، إلا أننى لم أمكث كثيرا حتى أصيبت بروماتيزم وضيق فى صمام القلب نتيجة استنشاق هواء القمامة المحترقة، وفشل كلوى نتيجة شرب المياه الممزوجة بمياه الصرف الصحى.. حتى أصبحت كومة من الحطام الآدمى غير القادر على العمل والكسب كما كنت من قبل، وأعيش على معونات جمعيات خيرية، وفضلت أن تتركنى بناتى ويعيشن فى منزل عمهن حتى لا يتعرضن للاغتصاب والتحرش خاصة أن أباهم أصبح غير قادر على حمايتهن أو الدفاع عنهن نتيجة الحياة فى باطن الأرض التى أصابتنى أخيرا بالمياه البيضاء على العين، حيث أصبحت أعمى تقريبا، لا أجد للبكاء أو الضحك طعما، فقط أعيش منتظرا الموت.. كانت كل أحلامى أن أستطيع تأجير شقة صغيرة مكونة من حجرة واحدة أعيش فيها وأسرتى..إلا أن هذا أقرب للمستحيل .
سأموت وحيدا..!
الوجوه العاجزة تركن فى جميع الزوايا، يملأها المرض والهموم، بعضهم اضطر أن يعيش وحيدا بعد أن تركه جميع أفراد أسرته، هذا هو الحال مع سليم أيوب 65 عاما وهو رجل مسن مصاب بالشلل النصفى، لا تفهم حديثه من كثرة البكاء، وكأنه ينتظر من يتحدث إليه فقد مضى الكثير من عمره وحيدا بين تلك الجدران فى باطن الأرض، و يخشى الموت فى نفس المكان دون أن يعرف أحدا عنه شيئا ويحكى مأساته قائلا: أنا حاصل على شهادة محو الأمية وشهادة تأهيل مهنى ومصاب بشلل أطفال منذ الصغر، وتزوجت هنا وأنجبت طفلين منذ نحو16 عاما وكنت «أرزقى» على باب الله وحياتى كانت مستقرة حتى جئت إلى هذه المقبرة ولم تتحمل زوجتى الحياة هنا أكثر من عامين وطلبت الطلاق وأخذت أطفالى وعاشت فى القطامية ورفضت أن ألتقى أبنائى مرة أخرى وحرمتنى منهم رغما عنى .
وعشت هنا وحدى.. أتحدث إلى الحوائط التى غمرتها المياه فتآكلت، ومنذ ذلك الحين قررت أن تكون هذه الحجرة مدفنى ورفضت الخروج منها بعد أن التهم الروماتيزم قدمى ولم أعد قادرا على الوقوف وقد مرت أعوام ولم أر أبنائى ولا أعرف ملامحهم.
عيناه تتحركان داخل المكان غير الآدمى وكأنها تصف لنا ما يواجهه من مشكلات وكوارث وتسبق حديثه المؤلم دوما وتوقف عن البكاء فجأة وكأنه تذكر شيئا مهما، وقال: «الكارثة هنا ليست فى مياه الصرف الصحى فقط، وليست فى أسلاك الكهرباء التى تقتل بعضنا صعقا، هناك أمور أكثر قسوة من ذلك، وهى حياة رجل سيموت وحيدا بسبب هذه المقابر التى لم يفلح حيالها «العكازين» فى تحريك قدمى، وأتعجب من المسئولين الذين يشعرون بالاشمئزاز منا كلما حضروا لزيارتنا ويحصلون على صور من أوراقنا ويعطوننا وعودا لا حصر لها وجميعها لا تنفذ، وبخلوا علينا بحجرة أخرى صحية فى مكان آدمى يصلح للبشر ومن الواضح أن المسئولين أصروا أن يتركونا لنعيش ونموت هنا فى هذه البدرومات .
الطريق إلى الحمام
«الشيطان فى التفاصيل» هكذا تقول الحكمة، ومع الخوض فيها يصبح الأمر أكثر صعوبة، خاصة عندما يحدث مع سيدة فى العقد الرابع من عمر، توفى أطفالها الخمس بسبب «الرطوبة»، حيث تروى آمال سيدهم قصتها والتى بدأتها بالحديث عن أطفالها قائلة: مات لى خمسة أبناء.. جميعهم قتلتهم الحياة هنا فى باطن الأرض، حيث لا مكان لضوء الشمس، ولا مكان لفتحات تهوية، والأعجب من كل هذا هو الذهاب إلى الحمام وهو عملية صعبة لا يشعر بها إلا من يعيشها، وإذا أراد أى شخص الذهاب إلى الحمام ليلا، فبالتأكيد لن يعود حيا، وإذا كتب له عمرا جديدا فسوف يعود بإصابة بالغة نتيجة لدغات الثعابين والحشرات السام؛ لذا نطرق الأبواب على الجيران فى البيوت المجاورة ونطلب منهم السماح لنا بدخول الحمام، أو هناك حل آخر أكثر اشمئزازا وهو قضاء حاجتنا فى صفائح داخل الغرفة.
ولدت فى باطن الأرض
الوضع أكثر قتامة مع شباب فى مقتبل العمر يعيشون فى هذا المكان ومقبلون على الموت لا محالة، نخرت الرطوبة عظامهم، وقتل الظلام أحلامهم، من بين هؤلاء تحدثنا مع كريم راضى شاب فى منتصف العقد الثانى من عمره ولد هنا فى باطن الأرض، وجميع من رآهم مصابون بالروماتيزم ويعلم أنه سوف يأتيه اليوم ليصبح مثلهم، قد يحصده الموت، قبل أن يستطيع شراء شقة مثلما حصد الكثيرين من أرواح الشباب الذين قتلوا صعقا بالكهرباء، وسما بأنياب الثعابين، ومرضا بروماتيزم القلب والربو الذى أصاب والدته، وكل ما يجنيه من أموال وراتب صغير ينفقه على شراء أدوية الربو لوالدته، ولهذا لا يطمح فى الخروج من هذا القاع، بعد أن تخلت عنهم الحكومة وتركوهم غارقين فى مياه الصرف الصحى .
كريم يقول: «منذ يومين كاد أحد جيرانى أن يلقى حتفه صعقا بالكهرباء عندما تشربت الحوائط بمياه الصرف، ووصلت للأسلاك الكهربائية وأصبحت مياه الصرف تمر مع التيار الكهربائى والشاب فى الوسط يصرخ من شدة صعق الكهرباء له ووقفنا عاجزين عن مساعدته وسقط فى غيبوبة بين الحياة والموت لم يخرج منها حتى الآن، وهذه ليست الحادثة الوحيدة، ففى الماضى قبل هذه الحادثة توفى أطفال كثيرون هنا صعقا بالكهرباء ومن يعيش منا يصاب بروماتيزم فى القلب أو فى القدمين بسبب الرطوبة الشديدة ومياه الصرف الصحى التى تحيط بنا.
ضحايا صامتون
سيدة عبد الكريم، خادمة، تقول: أنا أم لتسعة أطفال ونعيش فى حجرة لا يزيد مساحتها على 3متر فى مترين وزوجى مصاب بفيروس سى والغضروف وأنا العائل الوحيد لأسرتى ومصابة بحساسية فى صدرى وعلاجنا على نفقتنا الخاصة لأن الحكومة منعت العلاج على نفقة الدولة لأمراضنا المزمنة، وليس هذا ما نعانيه فقط فنحن مهددون بالموت فى أى لحظة، فالبلوكات التى نعيش بها مهددة بالانهيار فى أى وقت والتشققات تملأ جدرانها فهل هناك من يسمع صرخة أحياء يعيشون تحت الأرض وينقذهم قبل فوات الأوان .
وليد إمام، «عربجى»، يقول: أعيش هنا منذ 17 عاما فى حجرة لا يزيد حجمها على مترين ونصف عرض وطول ، وإيجارها 15 جنيها، وكنت أعيش فيها مع زوجتى وأبنائى الثلاثة حتى مرضوا جميعا بحساسية على الصدر وهددتنى زوجتى بطلب الطلاق إذا لم نعد إلى أسوان، حيث ولدت ونترك هذه التربة التى تسببت فى مرضنا لكنى رفضت لعدم وجود عمل لى فى أسوان وسافروا هم وتركونى هنا وحيدا، وما زلت أرسل لهم كل ما أحصل عليه من أموال لكنى أفتقدهم ولا أملك أن أخذ شقة صغيرة تجمعنى بهم لأننى أصبت أيضا بحساسية على الصدر ودخلت مستشفى الصدر بالعمرانية أكثر من مرة بعد أن ساءت حالتى الصحية وفشلت فى الحصول على علاج على نفقة الدولة.
ويختم حديثه قائلا: «رضينا بالهم والهم لم يرض بنا، اتهمتنى الحكومة أنا وجيرانى بالتبديد لعدم قدرتنا على دفع الإيجار 6 شهور وسجنت شهرين وحجز على أثاث منزلى .
المحافظة ترد
الحكومة تدعى أنها بدأت فى حل هذه الأزمة بعد 23 عاما من النسيان و الجبروت وإهمال حقوق المواطنين، فالدكتور على عبد الرحمن أعلن أنه وضع حجر الأساس لإنشاء عمارتين سكنيتين بتكلفة 2.5 مليون جنيه يتم تنفيذها على مدى 10 أشهر لنقل هؤلاء المواطنين إليها خلال الفترة القادمة .
من جانبه، قال العربى طاهر مندوب سكان البلوكات لدى المحافظة أن الأخيرة انتهت بالفعل من المرحلة الأولى للمشروع وقد تم رصد أسماء 60 أسرة وجار تسكينهم عبر وحدتين سكنتين تكلفوا 2 مليون جنيه، وفى شهر يوليو القادم من هذا العام سوف يتم تسكين هذه الأسر، مضيفا أنه فى أعقاب تسكين الدفعة الأولى سوف يتم رصد باقى الأسماء عبر شهادات الميلاد، وتسكينهم فى المراحل القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.