عقب نشر مقالى يوم الثلاثاء الماضى بعنوان «قطر والإخوان.. والمصالحة المستحيلة» تلقيت ردود فعل متنوعة ما بين التأييد التام أو الرفض المطلق، لكن بعضها يستحق التوقف عنده لأنه يطرح افكارا تدعو إلى النقاش والجدل أو التفنيد ويضىء مساحات لايزال البعض يصر على انها مظلمة. أحد تلك الردود جاءنى من شخص معارض لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، وليس على خصام مع جماعة الإخوان. ما لفت نظرى قوله إن الجماعة تمسك العصا من المنتصف بشأن العنف، فهى فى بياناتها الرسمية الكلاسيكية تنفى تبنى العنف وتتمسك بالدعوة إلى السلمية، وتقول انها غير مسئولة عن الممارسات الفردية لأنصارها أو المتعاطفين معها، لكنها فى نفس الوقت لا ترفض العنف صراحة ولا تتبرأ منه بشكل واضح. انتهى الاقتباس، وللحقيقة لم أكن أدرك ان بعض المعارضين للحكومة، أو المنتمين للجماعة أو المتعاطفين معها صار لديهم يقين بأن الجماعة تلعب بورقة العنف. ظلت جماعة الإخوان تقول انها تؤمن بالسلمية منذ خروجها من السلطة، ويعلم الله اننى كنت أحد الذين صدقوا هذا الكلام، وتصورت مثل كثيرين ان الجماعة مختلفة كلية عن التنظيمات العنيفة الأخرى التى ترفع راية الإسلام أو تتاجر به، حتى صرت مقتنعا تماما بأن الجماعة غارقة فى العنف حتى أذنيها. لكن الذى يحدث على أرض الواقع ان هناك خطابين، الأول تقوله الجماعة خصوصا باللغة الإنجليزية خلاصته انها تدين العنف وتتبرأ منه، وتدعو إلى الحوار واحترام الحريات وحقوق الإنسان، ونفس هذا الخطاب هو الذى يقوله قادة الجماعة فى لقاءاتهم مع المسئولين أو وسائل الإعلام فى أوروبا والولايات المتحدة، بل يؤكدون أن وجودهم أفضل وسيلة لمكافحة إرهاب داعش والقاعدة. الخطاب الثانى هو الذى نسمعه من فضائيات الإخوان خصوصا تلك التى تبث من تركيا وفيها تهديد واضح وصريح بالقتل والإرهاب كما ورد فى «نداء الكنانة»، أو تهديد الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأجانب من البقاء فى مصر. لكن التطور الأكثر أهمية هو إقرار الجماعة بأن هناك عنفا تتم ممارسته وعرفنا ذلك من خلال الصراع بين الشيوخ والشباب قبل أسابيع على من يقود الجماعة وفى أى طريق؟!. والآن لم يعد فى امكان أى إخوانى أو متعاطف معهم ان يخرج علينا لينفى عن الجماعة صفة ممارسة العنف، الذى صرنا نراه الآن جهارا نهارا فى اغتيال ضباط وأمناء وجنود الشرطة والجيش واستهداف المنشآت الحيوية خصوصا أبراج الكهرباء. إذن فإن أفضل حل وجدته الجماعة لحل أزمتها الداخلية أو ربما المفتعلة هو ان يخرج قادتها الكبار والذين نعرف انهم من ممثلى الصقور القطبيين ليقولوا انهم يؤمنون بالسلمية، فى حين ان ممثلى الشباب يصرخون بأعلى صوت مطالبين وممارسين للعنف، ويستمر كل طرف فى ممارسة دوره، وبالتالى يضمنون وجود فرصة للحديث مع الغرب والخارج بشأن أى مفاوضات محتملة مستقبلا، ويستمر الشباب فى انتهاج العنف والإرهاب للتأثير على الحكومة أو ضمان الحصول على صفقة أفضل. هذه الصيغة تليق بتفكير ونهج الإخوان التقليدى. منذ نشأتهم وحتى هذه اللحظة. هم سلميون طالما ان السلمية مفيدة لهم، وطالما ان هناك طرفا مثل الجماعة الإسلامية أو الجهاد ينوبون عنهم فى انهاك الدولة خلال التسعينيات، أو أنصار بيت المقدس هذه الأيام. لكن إذا كان فى امكانهم ممارسة العنف لتحقيق أهدافهم أكثر فهم لا يتورعون عن ذلك. يعتقد الزميل المعارض للحكومة ان الهدف المهم الآن هو فتح «ممر آمن» من خلال وسيط مع أى من قيادات الجماعة لإيصال فكرة أن يتبرأ الإخوان علنا من كل أعمال العنف مما يعيدهم إلى مربع المعارضة الشرعية وان تكف أجهزة الدولة عن ممارسة العنف المبالغ فيه ضد كوادر الجماعة. مرة أخرى وليست أخيرة، لا ينبغى بأى حال من الأحوال مكافأة الجماعة على انتهاح العنف، والحل الوحيد ان تكف عنه تماما وتعتذر عنه وتدينه وتوقف الخلط بين السياسة والدعوة، وبعدها يكون لكل حادث حديث.