قدرة جماعة الإخوان على حشد أنصارها صارت ضعيفة للغاية، لكن قدرتها على الإيذاء والإرهاب بدأت تزيد. تلك هى المعادلة التى يمكن لأى مراقب للجماعة أن يتوصل إليها خلال رصده أحوالها وسلوكها وتصرفاتها العملية منذ 30 يونيو وحتى هذه اللحظة. الغريب أو الطريف أن كثيرين أبدوا اندهاشهم من قلة حشود الإخوان يوم جمعة 28 نوفمبر الماضى، رغم أنهم يتحدثون طوال الوقت عن تراجع شعبية الجماعة منذ فترة طويلة. وللموضوعية فإن العجز عن الحشد ليس سببه فقط تراجع شعبية الجماعة وانصراف الناس عنها، ولكن بسبب الضربات الأمنية المتواصلة منذ يوم 14 أغسطس قبل الماضى. المفاجأة أنه فى مقابل قلة الحشد نرى زيادة ملحوظة فى عدد عمليات العنف والإرهاب التى تلجأ إليها الجماعة وأنصارها ووكلاؤها، وباستثناء العمليات الإرهابية النوعية التى تقع فى سيناء خصوصا، صرنا نسمع ونرى عمليات إرهابية صغيرة يوميا. لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن انفجار عبوة ناسفة، خصوصا فى وسائل المواصلات، وتحديدا فى مدن القناة والشرقية. خبراء المفرقعات يفككون يوميا أكثر من قنبلة، والحمد لله أن معظمها بدائى حتى هذه اللحظة. وفى مقابل انخفاض عدد عمليات استهداف أبراج ومحطات ومحولات الكهرباء، فإن هناك زيادة فى استهداف المواقع والمنشآت الجماهيرية، وآخرها ما شهدناه ليلة الخميس حينما تم اكتشاف قنبلة أمام «مول العرب»، فى مدينة 6 أكتوبر. وإضافة للاستهداف المنظم للمنشآت الأمنية العسكرية والشرطية فهناك استهداف أيضا لمنشآت قضائية، مثلما حدث لنادى القضاة بالسويس، صباح الجمعة. المتغير الأكبر فى عمليات العنف والإرهاب أنها لم تعد مقصورة فقط على إثارة الفزع والرعب فى نفوس الناس أو حتى اغتيال ضباط وجنود وأفراد الأمن، بل صارت محاولات لقتل الناس والمواطنين بصورة عشوائية. قبل أيام رأينا محاولات لقطع قضبان السكك الحديدية فى أكثر من مكان، آخرها عند مركز الواسطى ببنى سويف. الجماعة التى تلجأ إلى هذا التفكير الإجرامى هدفها الوحيد قتل الناس بصورة عشوائية بمن فيهم المتعاطفون مع الإخوان أنفسهم. هل تتم هذه العمليات بعلم الجماعة وبقرار منها أم من وراء ظهرها؟!. سؤال لم يعد يفرق كثيرا ورغم ذلك فإذا كانت الجماعة تقول إن تنظيمها لايزال فاعلا ومنظما وقائما، فبالتالى هى تتحمل المسئولية الكاملة عن كل هذه العمليات، خصوصا فى ظل انكشاف دور الجماعة وأعضائها خلف تنظيمات «المجهولين» و«خلايا جهاد الدفع». هل معنى ذلك أن الجماعة حسمت قرارها الاستراتيجى وتخلت عن شعار السلمية، الذى ترفعه منذ شهور وقررت فعليا الاتجاه إلى العنف؟!. لا أملك إجابة شافية، وإن كنت بدأت أميل إلى تصديق أن العنف مكون أصيل فى فكر الجماعة، لكنها كبتته كثيرا منذ عام 1954 ثم 1965، وتخلت عنه شكلا منذ السبعينيات لأنها دخلت عمليا فى علاقة «زواج مصلحة» مع النظام منذ وفاة جمال عبدالناصر وحتى سقوط حسنى مبارك. لن ينسى التاريخ للسادات أنه أعاد إحياء الجماعة ليضرب اليسار ويرضى أمريكا، ولن ينسى التاريخ لمبارك أنه رفع شعار محاربة الإخوان علنا، لكنه تحالف معهم سرا، وبسبب سياسته الكارثية فقد سلم مصر للجماعة على طبق من ذهب وفضة وبلاتين، وبالتالى لم يكونوا فى حاجة لاستخدام العنف، طالما أنهم يحققون أهدافهم بالسياسة. مرة أخرى وليست أخيرة: هل الحكومة والمجتمع قادرون على تحمل فاتورة عنف الإخوان وأنصارهم لفترة طويلة مقبلة، وكيف أعدوا العدة لهذا الأمر؟. علينا ألا نفرح كثيرا بقلة حشود الإخوان فى الشارع قبل أن نكون مطمئنين على قدرة المجتمع على مواجهة إرهابهم العشوائى.