مجلس الشيوخ يوافق على تعديلات قانون الكهرباء لضبط المال العام    مدير تعليم القاهرة تكرم الطلاب ذوي الهمم بمدرسة الفسطاط    تجاوزت 8% خلال أسبوع.. استمرار قفزات الفضة بسبب نقص المعروض وتزايد الطلب    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات وحدات «سكن لكل المصريين» بعدد من المدن الجديدة    مدبولي يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة "تاج" العالمية    وزير الخارجية: الاتجاه نحو نزع السلاح في غزة أمر محفوف جدا بالمخاطر    كأس أمم إفريقيا 2025.. تشكيل هجومى للمغرب أمام جزر القمر    تأجيل محاكمة 71 متهما بالهيكل الإداري للتجمع    صدور رواية ظل الإمام للكاتبة نهلة النمر عن مركز الحضارة للتنمية الثقافية    حقيقة ارتباط أحمد العوضي ويارا السكري    هايدينهايم ضد البايرن.. البافارى بالقوة الضاربة فى الدورى الألمانى    ضبط طرفي مشاجرة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي    التشكيل الرسمي لمباراة مانشستر يونايتد وأستون فيلا في الدوري الإنجليزي    حقيقة توقيع يوسف بلعمري مع الأهلي 3 مواسم ونصف.. مصدر يكشف    فيلم "القصص" يفوز ب التانيت الذهبي لأفضل فيلم بمهرجان قرطاج    خبير دولى: إسرائيل تماطل فى تنفيذ اتفاق غزة للتهجير.. ومصر تتمسك بالإعمار    حصاد 2025.. تنفيذ أكبر خطة حضارية لتطوير شوارع مدينة كفرالشيخ| صور    التشكيل – واتكينز يقود هجوم أستون فيلا.. وتبديلات في مانشستر يونايتد بسبب غيابات إفريقيا    وكيل الأزهر يلقي محاضرة لعلماء ماليزيا حول "منهج التعامل مع الشبهات"| صور    جامعة عين شمس تحقق إنجازًا جديدًا وتتصدر تصنيف "جرين متريك 2025"    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثياً حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    الجيزة توضح حقيقة نزع ملكية عقارات بطريق الإخلاص    رئيس الوزراء يشهد توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال التاريخي وسط القاهرة بعلامة تاج العالمية    وزير الثقافة ومحافظ القاهرة يتفقدان متحف الشمع لتهيئته لاستقبال الجمهور    على أنغام الربابة.. نائب محافظ الأقصر يشهد تعامد الشمس على معابد الكرنك| صور    «النجمة التي سقطت من السماء» يفتتح عروض نوادي مسرح الطفل في الغربية    مفتي الجمهورية: المؤسسة الدينية خَطُّ الدفاع الأول في مواجهة الحروب الفكرية التي تستهدف الدين واللغة والوطن    الصحة: إغلاق 11 مركزًا خاصًا للنساء والتوليد ب 5 محافظات لمخالفتها المعايير الطبية    القيمة السوقية لمنتخبات أفريقيا في كان 2025    رئيس الإمارات يبحث مع نظيره الفرنسي تعزيز العلاقات    أمن الجيزة يفحص فيديو اقتحام عدد من الخيول فناء مدرسة بمنطقة بولاق    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الكهرباء الموقف التنفيذى لمشروعات الطاقة المتجددة    إحالة أوراق قاتل زوجته أمام أبنائه إلى المفتي بالبحيرة    نصيحة للأمهات، احذري من تأثير ضغط الدراسة على علاقتك مع أبنائك    الداخلية تكشف حقيقة فيديو محاولة سرقة شخص بالسيدة زينب: خلافات عائلية السبب    لماذا نشتهى الطعام أكثر في الشتاء؟    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    عراقجي: مستعدون لإبرام اتفاق "عادل ومتوازن" بشأن برنامجنا النووي    ضبط 3 محطات وقود بالبحيرة لتجميع وبيع 47 ألف لتر مواد بترولية    وزير الخارجية يلتقي نائبة وزير خارجية جنوب إفريقيا لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    اتحاد الشركات: 4 ركائز رئيسية لسد ثغرات الحماية التأمينية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف المواهب الرياضية    حملة للمتابعة الطبية المنزلية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم.. مجانًا    فى مباحثاته مع مسرور بارزانى.. الرئيس السيسى يؤكد دعم مصر الكامل للعراق الشقيق ولوحدة وسلامة أراضيه ومساندته فى مواجهة التحديات والإرهاب.. ويدعو حكومة كردستان للاستفادة من الشركات المصرية فى تنفيذ المشروعات    مصرع 3 أشخاص وإصابة آخرين في بورسعيد إثر حادث تصادم بين سيارتين    حقيقة تأثر رؤية شهر رمضان باكتمال أو نقص الشهور السابقة.. القومي يوضح    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    محافظ القاهرة جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي    شهر رجب .. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمى للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    حبس المتهم بقتل زميله وتقطيع جثمانه إلى أربعة أجزاء وإخفائها داخل صندوق قمامة بالإسكندرية    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    بركلة جزاء قاتلة.. أرسنال يهزم إيفرتون ويعود لاعتلاء صدارة البريميرليج    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوفينية الطعام
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 06 - 2015

إذا ما اجتمع أصدقاء ومعارف من أقطار عربية مختلفة حول مأدبة الطعام، فثق أن الحديث قد يمتد لساعات حول ما لذ وطاب من الأطباق التي تعبر غالبا عن شوفينية الحضور، فالأكل يبرز حساسيات الشعوب، وأحيانا يعكس رغبة دفينة في الانتقام لذاتيتها أمام هيمنة آخرين سادت ثقافتهم لسنوات وطغت حتى صارت مستفزة للبعض.
تقول مثلا صديقة لبنانية وقد ارتسم الفرح على وجهها أنها أتت بالبقدونس معها من بيروت خلال سفرها الأخير، لأن طعمه هناك "غير شكل" و قطعا يؤثر على جودة صحن التبولة. وتبدأ وصلة من الغزل في المطبخ الشامي (المقصود هنا لبنان وسوريا وفلسطين و قد تنضم لهم الأردن مجازا أو العراق بصفته جزءا أصيلا من الهلال الخصيب): فتة المكدوس أو الباذنجان، المناسف.. وكيف يعتمد تحضيرها على لبن الجميد الذي يؤتى به من البلاد، واختلافات الملوخية والمحشي بين دول المنطقة!! يظهر الكبرياء القومي المفرط على السطح ويصل في بعض الأوقات إلى درجة ازدراء واضح لذوق الأقطار المجاورة، وكأننا نكرس فكرة " لا يوجد ما هو أطيب من طبيخ أمي"، التي تشكو منها بعض الزوجات خاصة في بدايات الارتباط والحياة المشتركة.
***
نكتشف بمرور الحديث من هو أكثر تصالحا مع النفس ومع الجوار، عندما ينبري في مصالحة تاريخية بين الشعوب تتعلق بقرص الفلافل، فيشرح أنه يفضل مزج الفول المدشوش (على الطريقة المصرية) بالحمص ( كعادة أهل الشام)، وكأنه لا يرغب في اعلان انتصار طرف على الآخر، وربما تصبح فلافله رمزا للمصالحة القومية! فهو ينتمي لجيل أقدم ويشعر فعليا بانتماء عروبي أوسع، لذا لا يجد غضاضة في التصريح بوصفته السحرية على الملأ. وفي المقابل يتمتم مصري ببعض الكلمات المتلعثمة ليدافع عن طبخات بلاده، تحت تأثير هجوم عرمرم من فريق الشام المتميز، فيحاول أن يرد على الاتهام القائل بأن الطعام في مصر تحول في كثير من الأحيان إلى وظيفة دون لذة.. يدحض الفكرة ويفسر كيف ولماذا ويتطرق إلى طبيعة غذاء الفقراء (ولم يجرأ أن يعترف أمام الموجودين أنه لا يستسيغ مذاق دبس الرمان في ورق العنب البارد أو اليالنجي!! ربما لاهتزاز ثقته بذاته، وهو المنتمي لشعب شوفيني بالأساس، يعتبر نفسه الأهم في المنطقة)، و كأننا بصدد تأكيد فكرة ارتباط المطبخ بعمق وقدم الحضارة، ما يجد صداه في كلام اسكوفيه (Escoffier) أحد رواد المطبخ الفرنسي الذي يتعصب له أهله دون منافس: " لكي يحظى شعب بمطبخ متميز، يجب أن يتمتع في الأساس بثقافة عريقة تمجد تقاليد الاحتفال وبهجة الاستمتاع بالطعام ضمن الأصدقاء، وأن يكون لديه موروث فيما يتعلق بطرق التقديم والتحضير، تعلمه الأم لإبنتها عبر العصور.. تلك هي أسرار المائدة الجيدة"، الموضوع إذاً يتعلق بالمسكوت عنه فكريا وسياسيا وتاريخيا، وهو ما يترجمه بعمق حديث المائدة وما تنم عنه شوفينية الطعام، أليست "الشوفينية" مصطلح سياسي من أصل فرنسي يرمز إلى التعصب القومي المتطرف والمغالى فيه للمجموعة التي ينتمي إليها الفرد؟ فالشوفيني يرى قومه أسمى من غيرهم من الشعوب، سواء بالنسبة للأكل أو لأشياء أخرى، وأحيانا حين لا يكون هناك أشياء أخرى يفتخر بها، فقد يقتصر الأمر على الطعام، و يصبح الموقف أشبه برسم الكاريكاتير المضحك في زمن يتعولم فيه المطبخ كسائر مناحي الحياة، فيتجه أكثر إلى المزج و النسخ.. وتساعد على ذلك برامج وفضائيات الطبخ المنتشرة داخليا و خارجيا.
***
ليس من قبيل المصادفة أن يكون أصل مصطلح "الشوفينية" فرنسيا، نسبة إلى جندي متعصب لوطنيته حارب تحت قيادة نابليون ويدعى نيقولا شوفان، فالفرنسيون من أكثر الشعوب تفاخرا بمطبخهم ونبيذهم وأزيائهم إلخ.. معظمهم مقتنع أنهم الأفضل على مستوى العالم، وكأننا أمام نزعة التفوق الحضاري كما ابتدعتها أثينا قديما، بوضع فئة "المواطنين" أصحاب الحقوق داخل أسوار الحاضرة، واعتبار من عاشوا خارج هذه الأسوار "برابرة". وقد بدأت تلك النعرة الفرنسية تحت حكم لويس الرابع عشر، تحديدا من مطابخ الأرستقراطية. وبعد الثورة الفرنسية ظهرت المطاعم بمفهومها الحديث والمهني، وقام بفتحها طباخو الطبقة الأرستقراطية السابقة الذين سرحوا من عملهم بطبيعة الحال، فقدموا أطباق "السادة" إلى البرجوازية ثم العامة.. ناقش الناس الأفكار السياسية وقتها في المطاعم، وتم استخدام المطبخ لتدعيم أواصر وحدة البلاد، فإلى جانب الأطباق القومية المشتركة بين كل الفرنسيين، كان هناك أيضا ازدهار لأصناف خاصة بكل منطقة على حدة، وهذا لا يتعارض مع ذاك، أي استخدم المطبخ لتحقيق انسجام وتماسك اجتماعي، فحديث الطعام لا يخلو من السياسة وصراع الهويات.. وهو ما يتضح أيضا من خلال المنافسة السياسية والثقافية بين ألمانيا وفرنسا.. إذ غضبت الأخيرة مثلا حين تم اختيار سيدة ألمانية كرئيسة لتحرير كتيب "ميشلان" الذي يضم أشهر المطاعم العالمية وفقا لتقييم متقن.. شعرت فرنسا وكأن ألمانيا أزاحتها من على عرشها، فقد ظلت رئاسة التحرير حكرا على عائلة فرنسية واحدة منذ إصدار الكتيب عام 1900.. لم تحتمل فكرة بزوغ مدرسة ألمانية حديثة للطبخ، ولا أن تتصدر انجلترا قائمة أهم 50 مطعم في العالم، أيضا قبل عدة سنوات، فالمسألة تتعلق بشرف وسمعة عاصمة الطعام والمطبخ الفرنسي التليد الذي اعتبرته منظمة اليونسكو ضمن التراث الإنساني العالمي... والموضوع أعمق بكثير من شوية تبولة وهل نسمي الباذنجان المشوي المخلوط بالطحينة متبل أم بابا غنوج أو كافيار باذنجان.. لكن هي مسألة دمج الهويات والقوميات وتصارعها.. شوفينية دفينة تتجلى من خلال حوار البطون وحديث المآدب الرمضانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.