تمددت على سريرها منهكة الروح والجسد. الذكريات تهرول هاربة من أمام عينيها وأحيانا تقف مشاهد بعينها كنورٍ يتسلل إلى الوجدان، تكون أشبه بنافذة تفتح فى الدماغ، أناس تجمعوا فى لقطة محددة للوداع الأخير. قد تضطر إلى مغادرة هذا المنزل الذى شهد الجزء الأكبر (...)
«ما عدت قادرا على كتابة أى شىء. أخاف من الصور والمفردات ومن خيالاتى التى تؤدى بى إلى التهلكة. كدت أنتهى كشاعر وقلبت الصفحة». جاءت هذه الكلمات على لسان بطل إحدى قصص الكاتبة العراقية إنعام كجه جى التى صدرت قبل أربع سنوات ضمن مجموعة بعنوان «بلاد الطاخ (...)
«لابد أننى أعيش على الكوكب الخطأ». أقول لنفسى ذلك وأنا أتابع أحداث الحرب المدمرة على شاشة التليفزيون، كأننى أشاهد فيلم كرتون مدبلجا أو فيديو «أتارى»، هذه اللعبة القتالية التى ظهرت فى السبعينيات ويعرفها جيدا من هم فى مثل عمرى، وصارت حاليا من حفريات (...)
يدهشنى البحر بمقاومته وعناده. تتلاطم أمواجه دون انقطاع أو كلل.. حركة دءوبة ذات طبيعة وثابة، فى حين الضفاف لا تجرى. أنظر إلى البحر، وكثيرون غيرى، بوصفه مساحة حرة تتحدى هيمنة البشر على مستويات عدة. يسير كرجل متمرد يعرف كل المسارات السرية للغابة التى (...)
صفوف طويلة من الأحذية المستعملة تركها أصحابها أمام باب الجامع عند صلاة العيد، بعضها مستهلك جدا... أعناقها مرفوعة وأفواهها مفتوحة. أخذ يبحث بينها عن ما يخصه. حذاء يشبه الذى اشتهر به الجنرال دى جول، السياسى الفرنسى ذو القدم الكبيرة. وعلى الأغلب بمرور (...)
للحروب بعدٌ درامى خاص، فهى تخلق ضحايا وجلادين، وبالطبع مثل سائر الشخصيات يحتمل هؤلاء مساحات من البين - البين أو الكثير من المناطق الرمادية. حدث ويحدث أن يأتى فجأة ما يزعزع حيوات البشر العادية ويجعلها تنقلب رأسا على عقب. أثر الصراعات المسلحة (...)
رفضت السيدة العجوز أن تذوق سمك القراميط وسبّته لأنه أكل جدهم الأكبر، فى إشارة إلى قصة إيزيس وأوزوريس التى تروى أنه حينما قتل ست هذا الأخير ورمى جثته فى النيل، لم تقترب الأسماك من جسده إلا سمكة واحدة وهى القرموط. سجلت ذاكرتها لعنات الأهل تجاه هذا (...)
لا شىء يمكن أن يخرجه عن سمت اعتداله ووقاره، فرجال الطريقة الميرغنية الختمية - وهو منهم - مشهورون بالهدوء والسكينة والبعد عن المشاغبات. حين اضطرته ظروف الحرب أن يلجأ إلى مصر توجه فورا إلى تكية باب الوزير بالقاهرة حيث يقع مقام السيد محمد سر الختم (...)
عالمها كبير وصغير فى آنٍ. تعيش وحدها فى شقتها التى تقع بخان جعفر، أجمل مناطق الجمالية، وقد تحولت إلى ورشة مليئة بكائنات رقيقة من صنعها. صار المكان يشبه المتحف. يعج بالعرائس المتحركة الصغيرة التى تخصصت فى ابتكارها، ترقص وتلف حول نفسها على نغمات (...)
أحب الناس البسيطة التى تتعامل على سجيتها، أما المتلونون فلا ود بيننا مهما كان كلامهم معسولا ومظهرهم جذابا. عادة ما يكون لهؤلاء المتلونين حضور فى المجتمع بشكل عام وفى الساحات الإعلامية بشكل خاص.. يزداد نشاطهم فى فترات مثل الانتخابات، ويتواجدون بكثرة (...)
قبل عام بالتمام والكمال كتبت عن رياح الربيع التى هبت على جامعات العالم انطلاقا من الولايات المتحدة الأمريكية لمساندة غزة وتحرير فلسطين، وكيف أنها استدعت فى الأذهان الاحتجاجات التى اندلعت عام 1968 للتنديد بحرب فيتنام. ثم أخيرا رأيت تصريحا للأكاديمية (...)
تابعت مثل الكثير من الناس مقابلات الرئيس ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، ومثلى مثل غيرى أيضًا اهتممت بلقاء الصحفيين الذى عقده فى نهاية زيارة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، وفى المرتين كان اللقاء (...)
ما كدت أفتح دفاترى استعدادا للكتابة حتى باغتتنى صور التحركات السياسية الجارية على قدم وساق فى مختلف العواصم العربية والعالمية لوضع حد للكوارث التى تعيشها المنطقة. كنت قد كتمت الصوت، فلاحقتنى الصور على الشاشة تتغير من قناة إلى أخرى، هذه مهرجانات (...)
تابعنا بحزن وقلق ما وقع فى سوريا خلال الأيام الأخيرة وتبادل الأدوار بين الفرق المتناحرة من ضحية إلى جلاد. برز اسم مقداد فتيحة الذى نصب نفسه مدافعا عن الطائفة العلوية وتمركز بين طرطوس واللاذقية بعد أن شكل فى فبراير الماضى ما يسمى بلواء «درع الساحل» (...)
أفتح شباكى حتى يبلغ أقصى اتساع له وتدخل منه أشعة الشمس. وسط ضجيج تأتى شظاياه من بعيد ورنين ضحكات متقطعة، يهمس لى صوتى الداخلى: «لا شىء سيرجع كما كان».. هذا الصوت الذى يبدو خشنا أحيانا أو قد يكون ضعيفا وفاترا، يصحبنا منذ نعومة أظفارنا. يطلق الطفل له (...)
نكتب لتضح الرؤية، لنفهم أنفسنا والآخرين بشكل أعمق. نرى المقربين وقد تحولوا لشخوص على الورق، ونحاول أن نجعلهم يتحركون أمام القارىء وينبضون بالحياة، ذلك ما فعلته فيمونى عكاشة فى أول كتاب لها وهو سيرة روائية بعنوان «الخواجاية»، صدرت قبل شهور قليلة عن (...)
تحدٍ كبير أن يتصدى فيلم «السيد أزنافور» (Monsieur Aznavour) لحياة أسطورة الغناء، شارل أزنافور، الذى توفى عام 2018 عن عمر يناهز 94 عامًا، تاركًا وراءه أكثر من 1200 أغنية بسبع لغات و100 مليون أسطوانة و60 فيلمًا طويلًا. ولد الفنان فى عشرينيات القرن (...)
يمضى بنا الصحفى القدير توماس جورجيسيان فى كتابه «إنها مشربية حياتى… وأنا العاشق والمعشوق» من قصة إلى قصة متبعا نهج الحكائين الأرمن الذين تربى على أسلوبهم. يروى ذكرياته على طريقته بتسلسل منطقى خاص به. يحكى كما يتحدث، وهو لمن يعرفه يحب «الرحرحة»، هذه (...)
لى علاقة خاصة بمقام النهاوند المتنقل بين الحزن والفرح. هو رقيق عذب، وكلما أحببت أغنية اكتشفت أنها من هذا المقام الذى يصلح لكل أنواع التأليف الموسيقى ويعرف بإيحاءاته العاطفية. ندندن «رق الحبيب» و«ما دام تحب بتنكر ليه» و«إمتى ح تعرف إمتى» و«يا مسافر (...)
بوجه حزين رزين مُلهم طلت علينا خالدة جرار من خلال مقاطع الفيديو التى انتشرت فور الإفراج عنها ضمن صفقة تبادل الأسرى التى عقدتها المقاومة الفلسطينية مع سلطة الاحتلال الإسرائيلى فى 19 يناير الحالى. جبارة بلا صراخ، جميلة بلا بهجة، نحيلة، متوسطة القامة، (...)
الضوء فى هذا الوقت أحلى وأروع من النهار الساطع. ذاك هو الوقت الذى كان يجلس فيه عميد الأدب العربى طه حسين فى حديقة استراحته بمنطقة تونة الجبل الأثرية قبيل الغروب. ينفرد بذاته ويصغى لنفسه ولصوت الطيور من حوله قبل أن يذهب إلى مقبرة إيزادورا القريبة إلى (...)
لا جديد تحت الشمس أو القمر أو النجوم. أعرف تقريبًا كل من يمر بالشارع.. الكناس، والبائع الذى يأتى للسكان بالخضراوات والأسماك من سوق الجملة، والعجوز التى تطعم القطط، والحارس الذى يأخذه الكلام عادةً لكن يختفى وقت الفعل.. لا أستطيع أن أهتم بمن لا يجد (...)
حظيت الأسبوع الماضى بدعوة لحضور مسرحية غنائية بعنوان «الميلاد» على مسرح قصر النيل بوسط القاهرة، من إخراج الشابة الموهوبة رينا أندراوس، وإنتاج هيئة الخدمة الروحية وتدريب القادة بمصر، بالاشتراك مع الشركة الخاصة التى أسسها المؤلف والملحن والموزع (...)
كالعادة السكون يخيم على شارع الإمام الليث، فالقرافة مكان للعبرة والتأمل. نفهم من حكايات من سبقونا أن الحاضر كثيرا ما يتكلم بلغة الماضى، وأن ما من أحدٍ يستطيع أن يفرض على التاريخ أن يسير كما يهوى.
خطرت على بالى هذه الأفكار وأنا أتجول فى القرافة (...)
لافتة زرقاء مكتوب عليها «شارع عصمت أم البحرية»، يحملها جدار مبنى قديم لم يعد موجودًا، وبالكاد يحمل نفسه.. تُذكرنا هذه اللافتة بسيدة عظيمة عاشت هى وأهلها فى منطقة بحرى بالإسكندرية. بحُكم ميلاد عصمت محسن حسن الإسكندرانى عام 1897 ووفاتها عام 1973 فقد (...)