إنشاء جامعات وبرامج جديدة، أبرز قرارات المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي    رئيس مجلس الدولة يستقبل وزير الشئون النيابية والقانونية لتقديم التهنئة له بمنصبه الجديد    الفريق أسامة ربيع يبحث سبل التعاون المشترك مع سفير تايلاند في مجال الخدمات البحرية    فى أزمة الأسمدة.. الحكومة تجلس على مقاعد المشاهدين!    ابتكارات وطنية جديدة من «القومي للبحوث».. إنتاج مخصب زراعي مصري 100%.. تصنيع الخام الدوائي «السيليمارين».. بديل جديد لمعالجة مياه الصرف والمخلفات الصناعية.. وأقمشة طبية مضادة للبكتيريا والفيروسات    السيسي: ندعم الجهود الوطنية لإرساء الأمن في الصومال ونشارك في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة    تطوير صالات الأنشطة بمركز شباب البداري أسيوط بتكلفة 4.5 مليون جنيه    الصفقة تمت، نجم الميلان يستعد للانضمام للهلال السعودي    لهو يتحول لمأساة، مصرع طفلتين في مياه بحر يوسف ببني سويف    ضبط سائق ميكروباص حاول التعدي على مواطن بسلاح أبيض في القاهرة    بعد مرور أكثر من 4 أيام، أول بيان صحفي عن مشاركة مصر في معرض فنزويلا للكتاب    تطوير مستشفى التأمين الصحي بأسوان وتحويلها إلى مجمع طبي بسعة 400 سرير    صرف 100 ألف جنيه لكل متوفي بحادث الطريق الإقليمي    «الإحصاء»: 743.64 مليون دولار صادرات مصر للصومال خلال 10 سنوات    وزير الري يلتقي الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمصر UNDP    رئيس مجلس الدولة يستقبل مفتي الجمهورية لتهنئته بمنصبه    المبعوث الأمريكي توماس باراك: ترامب التزم باحترام لبنان وتعهد بالوقوف خلفه    عراقجي: الهجمات الإسرائيلية والأمريكية انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة    مستشار المرشد الإيراني: أنتجنا آلاف الصواريخ والمسيرات وجاهزون لكل السيناريوهات    وزير الخارجية الروسي: إصلاح منظمة التجارة العالمية بات ضرورة ملحة    إيمان كريم: نُشجع الأشخاص ذوي الإعاقة على المشاركة في متابعة انتخابات الشيوخ 2025    مجلس النواب يوافق على إضافة الصيادلة لبند صرف بدل السهر والمبيت    الزمالك يجهز لصرف مستحقات الجهاز المعاون للرمادي    الرمادي: حصلت على مستحقاتي من الزمالك.. وهذه رسالتي للجمهور    مصطفى محمد يرد على عرض الأهلي.. أحمد حسن يكشف التفاصيل    فرحات يلتقي بالخبير الهولندي لقيادة خطة تطوير منتخب مصر للهوكي    تنسيق الجامعات 2025.. أماكن اختبارات القدرات للالتحاق بكليات التربية الفنية    محافظ الإسماعيلية يعتمد درجات القبول بالمدارس الثانوية    مساعد وزير التموين: حملات رقابية مكثفة لضبط الأسواق وحماية المستهلك    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 فور اعتمادها رسميًا (رابط رسمي)    كشف ملابسات قيام قائد سيارة ملاكي بالسماح لأطفال بالتعلق بالسيارة من الخارج بالشرقية    لليوم الثالث.. استمرار تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ    «قصور الثقافة» تختتم فعاليات مهرجان فرق الأقاليم المسرحية ال47    من 3 إلى 13 يوليو 2025 |مصر ضيف شرف معرض فنزويلا للكتاب    ياسين السقا يدعم والده بعد أزمة والدته: "هتفضل سندي وضهري في الدنيا"    تداول 48 ألف طن و460 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    نائب وزير الصحة يتفقد الخدمات الطبية بالإسماعيلية ويوجه بمكافآت وعقوبات    إدوارد يكشف معركته مع السرطان: «كنت بضحك وأنا من جوّا منهار»    بسبب ارتفاع درجات الحرارة.. متحدث الصحة يصدر تحذيرات وقائية    يوم الشوكولاتة العالمي 2025.. ما الكمية المناسبة لطفلك؟    جمال عبدالحميد يتحدث عن علاقته ب فيفي عبده ونزوله أرض الملعب بطائرة خلال اعتزاله (تفاصيل)    فيلم أحمد وأحمد يحصد 2 مليون و700 ألف جنيه في شباك تذاكر أمس الأحد    «الغموض سر الجاذبية»: 4 أبراج تحب الغموض وتكره الوضوح المفرط ..هل برجك من بينهم؟    ضبط 3 أشخاص بالقاهرة لقيامهم بأعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    مباراة تشيلسي وفلومينينسي الموعد والقناة الناقلة مباشر في نصف النهائي    البنك المركزى يوجه البنوك بدعم العملاء المصدرين والتوافق بيئيا مع المعايير الدولية    تالجو ومكيف.. جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» الاثنين 7 يوليو 2025    السكة الحديد: تشغيل حركة القطارات اتجاه القاهرة- الإسكندرية في الاتجاهين    الهلال يستعد لثورة تغييرات في قائمة الأجانب بقرار من إنزاجي    رئيس الوزراء يلتقي رئيس جمهورية الأوروجواي على هامش مشاركته في قمة بريكس بالبرازيل    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    بريكس تطالب بإصلاح صندوق النقد وكسر احتكار إدارته الغربية    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    فرسان مدرسة الديوان!    حكومة غزة: نرفض الاتهامات الأمريكية بضلوع حماس في الهجوم على موقع الإغاثة    «لها حدود وضوابط».. أمين الفتوى: لا يجوز الوصية بكل المال إذا كان للموصي ورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شىء من الخوف
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 06 - 2025

«ما عدت قادرا على كتابة أى شىء. أخاف من الصور والمفردات ومن خيالاتى التى تؤدى بى إلى التهلكة. كدت أنتهى كشاعر وقلبت الصفحة». جاءت هذه الكلمات على لسان بطل إحدى قصص الكاتبة العراقية إنعام كجه جى التى صدرت قبل أربع سنوات ضمن مجموعة بعنوان «بلاد الطاخ طاخ»، وهو يصف إحساس الخوف الذى سيطر عليه بعد أن ذهب لمقابلة الحاكم. كان هذا الأخير قد قرأ قصيدة له وأعجبته فأهداه مسدسا من الذهب، لم يعرف ماذا يفعل به وتركه بعلبته تحت السرير. تذكرت على الفور حيرة هذا الشاعر وأنا أشاهد فى سينما «زاوية» فيلم «شرق 12» للمخرجة والفنانة التشكيلية هالة القوصى الذى أقيم عرضه الأول بنجاح فى مهرجان كان بفرنسا العام الماضى من خلال برنامج «أسبوع المخرجين»، لأنها تتناول العلاقة ذاتها بين الحاكم والمحكوم، بين المثقف والسلطة، ولكن من خلال حكاية غرائبية، حدوتة خيالية يمكن أن تحدث فى أى زمان ومكان.
تقول هالة فى بداية شريطها، وهى أيضا كاتبة السيناريو: «كان يا ما كان ناس خايفة، ومن الخوف خيالهم هرب، ما يعرفوش البحر، باحكيلهم عنه». الراوية هنا «جلالة»، التى تلعب دورها باقتدار منحة البطراوى، هى سيدة حكيمة تجلس على كرسى غريب يخرج من غيمة بالقرب من البحر، تملك خبرة واسعة ودكانا للحواديت التى تُصبِر بها الناس وتلهيهم عن الوضع البائس الذى يعيشون فيه. اسمها اشتق على الأغلب من كلمة «جلا جلا» التى يستخدمها السحرة والحواة وهم يقومون بألاعابيهم المسلية، وهى كلمة مصرية قديمة على ما يبدو. هى نفسها تعرف أن «الصبر قبر، والخيال دوا»، لكن لتحمى نفسها وحفيدها وتقتنص القليل من الغنائم وافقت على أن تنفذ أوامر شوقى البهلوان الذى يهيمن على شئون المستعمرة الغامضة التى تعرف ب «شرق 12»، هى ليست بلدا بعينه، لكن جهة خيالية تقع ربما فى الشرق، تطبق فيها حيل وأساليب البروباجندا السياسية ويستخدم فيها الخوف لإخضاع المجتمع. أرادتها المؤلفة خارج المكان والزمان كما فى بعض حواديت ألف ليلة وليلة وقصص التراث الشفهى التى لا تتقيد بأرض أو عهد. شخصية شوقى البهلوان (الفنان الرائع أحمد كمال) تلامس فى بعض ملامحها «الملك أوبو» بطل مسرحية ألفريد جارى التى قلبت الأعراف عند تقديمها فى نهاية القرن التاسع عشر بسبب سخريتها من السلطة والجشع والممارسات الشريرة.
• • •
هالة القوصى الفنانة ذات الخيال الخصب تربت على حواديت والدها وكتاب ألف ليلة وليلة الذى بدأت فى قراءته وهى فى الثامنة من عمرها. تتقاطع رؤيتها كذلك مع فيلم «شىء من الخوف» لحسين كمال وعبد الرحمن الأبنودى اللذين اعتمدا أيضا على الحكى والموسيقى وجعلا المكان والزمان مفتوحين على كل الاحتمالات، فالخوف من أهم وأعم المشاعر فى تاريخ الإنسانية وهو محرك رئيسى لسلوكيات البشر. ولكن هالة القوصى لجأت إلى لغة سينمائية مختلفة تماما مرتبطة بخلفيتها التشكيلية واحترافها للفنون البصرية المعاصرة. خلقت عالما أسطوريا واهتمت بكل تفاصيله حتى تلك التى قد لا يتوقف عندها المشاهد، لكنها تعرف أنها تؤثر فى الجو العام الذى أرادته لثانى أفلامها الروائية الطويلة.
ساعات لا تعمل أشكال وألوان، تليفون بقرص، أجهزة كاسيت، فساتين ودُمى صغيرة، ورود معلقة فوق «البانيو»، أدوات موسيقية ابتكرها حفيد «جلالة» لا وجود لها فى الحقيقة باستخدام المواسير وأوعية الطهى… الديكور بالنسبة لها هو رسم ثلاثى الأبعاد وتكوين تحرص على أن يظهر فى النهاية بشكل متناغم، فحين قررت الفنانة التشكيلية أن تقتحم عالم السينما كانت فى حوالى الأربعين من عمرها وبالتالى كان قاموسها البصرى قد تكون بالفعل. ولطالما رددت أنها إذا صنعت فيلما يجب أن يكون مختلفا عن غيرها من المبدعين الذين لم يأتوا من خلفية تشكيلية، خاصة وقد اختبرت العديد من الوسائط وقدمت أعمالا نحتية وتركيبات وفوتوغرافيا إلى ما غير ذلك. نحن إذا بصدد عالم ملىء بالرموز، اختارت المخرجة أن تصور الأحداث المرتبطة بواقع حياة الأفراد بالأبيض والأسود بواسطة فيلم 16 مللى، أما أحلام هؤلاء الناس والأجزاء التى تتعلق برغبتهم فى الخلاص من خلال البحر فكانت تنطق بالألوان، لأن البحر يشمل معانى التوق إلى الحرية والتطهر وغسل الهموم وإمكانية وجود حياة مغايرة على الضفة الأخرى.
• • •
اجتهد فريق العمل لنقل تصور الناس عن البحر الذى لم يعرفوه سوى من خلال الحواديت، تلك التى تساعدهم على احتمال سواد الأيام وتجعلهم يحمدون الله ويشكرونه على كل حال كما يلقنهم شوقى البهلوان فى برنامجه الترفيهى، فيرددون وراءه بانتظام أن «الرضا كنز». لكن فى الوقت ذاته الخيال الذى يشع من الحواديت هو الذى سيمكنهم من التصدى للطاغية والخروج إلى البحر. جموح الحفيد الذى يحب الموسيقى ويغنى أشعار أحمد فؤاد نجم ويرقص مع حبيبته «نونو» ويسعى لتغيير الواقع يؤكد ما تقوله «جلالة» فى مواضع مختلفة من الفيلم: «ليل وآخره نهار»، و«فى الحكاية البطل بيصارع الخوف، والخوف بهلوان، والجدع يحلم ببحر واسع»، سيصل إليه على أنغام موسيقى عذبة من تأليف أحمد الصاوى، تعزفها الأوركسترا فى مشهد أو لوحة الختام على شاطئ البحر، تختلف تماما عن المقطوعات السابقة التى عبرت عن تمرد الحفيد.
تأثرت مخرجة الفيلم ومؤلفته بشخصية منحة البطراوى، الممثلة والكاتبة الصحفية والمترجمة والمخرجة المسرحية. تربطهما صداقة وثيقة رغم فارق العمر، فالأولى فى بدايات العقد الخامس والثانية فى نهاية السبعين. استلهمت شخصية جلالة من طبيعة منحة وبَنَت عليها ما يخدمها دراميا. وضعت فى الاعتبار أن المصريين يحبون الميلودراما والسخرية والموسيقى، فكانت الخلطة السحرية التى جعلت المشاهدين يقارنون بينها وبين يوسف شاهين أحيانا، خاصة فيما يتعلق بالحيوية وجرأة الأسلوب. وأحيانا أخرى يدفعون بتأثرها بأفلام الموجة الجديدة فى الستينيات والسبعينيات، وتكون المقارنة هذه المرة بالمخرجة والفنانة التشكيلية الفرنسية - البلجيكية أنييس فاردا (1928-2019)، فكلتاهما منحازتان للنساء ولديهما أسلوب شعرى مبتكر فى تناول الموضوعات. نرى فى الفيلم «جلالة» تتحالف مع الشيطان لكى تنقذ حفيدها لكن حين تشك أن خطرا قد يصيبه تهدد بالانسحاب وغلق دكان الحواديت، أما «نونو» - الحبيبة - فتتأقلم مع الانتهاكات الجسدية التى تتعرض لها إلى أن تحلم بحياة أفضل للجنين الذى تحمله فى أحشائها، «هى زهرة الصبار» القوية المثابرة التى وصفتها هالة القوصى فى فيلمها الروائى الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.