صحيح أن الحكومة أكدت بأكثر من طريقة بأنه لا يوجد تغيير أو تعديل وزارى مرتقب، إلا أن الطريقة التى تصرف بها أكثر من وزير فى الأيام الأخيرة توحى أن هناك نارا تحت الرماد، وأن النفى القاطع لم يكن دقيقا، بل كان هناك حديث بهذا المعنى، وربما تأجل أو تغير فى اللحظة الأخيرة. لن أخوض فى جدل هل يتم تغيير أم لا ومتى؟ لكن سأحاول أن أركز على زاوية مختلفة، ربما تساعد فى النقاش العام. معظمنا مهموم بأشخاص الوزراء والمسئولين، أكثر من اهتمامه بآلية ومناخ العمل، وإذا استمر ذلك، فلن نحل أى مشكلة حتى لو غيرنا الوزراء كل أسبوع أو شهر. قبل ثلاثة شهور استمتعت من وزير الاستثمار الدكتور أشرف سالمان إلى قصة ذات مغزى عميق على رأى الصديق رسام الكاريكاتير المتميز عمرو سليم، تقول القصة: إن مستثمرا أجنبيا أراد أن يقيم مشروعا كبيرا، ونظرًا لأهمية المشروع فإن الوزير قام بمساعدته بنفسه على إنهاء بعض الإجراءات الروتينية فى 17 يوما فقط، وهى الإجراءات التى تستغرق شهورا طويلة وربما سنوات، تدخل الوزير شخصيا، كان بعلم الحكومة لكن لوبى الروتين الحكومى لم يعجبه الأمر، لأنه لم يستفد شيئا، ووصل الأمر إلى محاولة التشكيك فى نوايا الوزير، ولماذا قام بنفسه بمساعدة المستثمر، ولولا أن الحكومة كانت على علم بالقصة، لربما «لبَّسوا الرجل قضية تربح»! لماذا أسوق هذه القصة الآن؟!، لأنه قبل أن نفكر فى تغيير الوزراء كل شهر أو حتى سنة علينا التأكد أن المناخ صار طبيعيا، وأن جميع من هم تحت الوزير يقومون بأداء دورهم فعلا وليس تعجيز الوزير أو الحكومة. قبل شهور قال لى رجل أعمال كبير ومهم إنه وفى عز عدم وجود أى استثمار أجنبى بدأ فى إقامة مشروع مهم فى مجال الطاقة، لكنه فوجئ كالعادة بأن طبقة الموظفين البيروقراطيين تعطل المشروع وكأننا نصدر الطاقة للخارج؟. المستثمر قابل رئيس الوزراء والوزير المختص وكانا فى غاية الحماس للإسراع بإنهاء الأوراق. يومها اكتشف المستثمر أن المشكلة ليست فى رئيس الوزراء أو الوزير ولكن فى طبقة الموظفين الصغار التى اختطفت الاستثمار فى مصر وعطلته لكى تحصل على عمولة حينا أو لتطبق معايير وإجراءات بيروقراطية أحيانا كثيرة خوفا من المساءلة. السؤال ماذا سيحدث لو غيرنا وزير الاستثمار أو غيره غدا وأبقينا على كل هؤلاء الموظفين الذين يفسدون كل شىء؟. المشكلة ليست فى الوزير أو حتى فى الموظفين، المشكلة فى الذهنية التى تحكم عمل الحكومة وتجعل موظفا صغيرا يعرقل مشروعا بمليارات الجنيهات، معتقدا أنه بذلك يخدم مصر واقتصادها؟. لا أدافع عن وزير معين ولا أعرف حقيقة إنجازات هذا الوزير أو ذاك، لكن أشدد على ضرورة أن نبدأ فى إصلاح أصل المشكلة وليس مظاهرها. فى كثير من وسائل إعلامنا، ومن أجل إرضاء جزء من الرأى العام الهائج يتم التضحية ببعض الوزراء كل فترة من أجل امتصاص هذا الغضب، لكن هذه الطريقة قد تؤجل المشكلة، لكن المؤكد انها لن تقضى عليها. لا أنكر دور شخصية الوزير، وتأثيرها فى الإنجاز والأداء العام للوزارة، لكن ذلك وحده لا يكفى، علينا أن نحل المشكلة الجوهرية وهى بلادة وترهل الجهاز الحكومى الذى سينسف أى نوايا حسنة أو محاولات جادة للإصلاح. مرة ثانية، أكرر: السطور السابقة ليس معناها مهاجمة نوايا إجراء تعديل وزارى، فربما هناك فعلا بعض الوزراء الذين لا يؤدون عملهم جيدا، لكن أتحدث عن ضرورة أن نركز على المشكلات الحقيقية، التى تعرقل أى محاولات للتقدم أو الإصلاح ووقتها يمكن أن نعرف هل شخص الوزير جيد أم لا؟!.