«الدستورية» ترفض الخضوع لجهاز الكسب بعد نقل تبعيته إلى «القضاء الأعلى» المحكمة تطلب «لجنة داخلية» لفحص إقرارات الذمة المالية لأعضائها بعيدا عن الجهاز مجلس الدولة ينتظر وصول المشروع.. ومصادر: الرأى السائد يعارض المشروع بدعوى استقلال كل هيئة قضائية بشئونها يحيط الغموض بمصير التعديلات الجديدة التى أقرتها حكومة إبراهيم محلب وأعدتها وزارة العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب على قانون الكسب غير المشروع، بسبب معارضة جهات قضائية لإخضاع أعضائها لسلطة جهاز الكسب غير المشروع التابع حاليا لوزارة العدل والذى ستنتقل تبعيته إلى مجلس القضاء الأعلى وفقا للتعديلات الجديدة. وتعثر إصدار مشروع التعديلات منذ وافق عليه مجلس الوزراء فى 11 مارس الماضى، رغم أن وزارة العدالة الانتقالية حصلت على موافقة اللجنة العليا للإصلاح التشريعى عليه فى 3 مارس الماضى، كما عرضته على مجلس القضاء الأعلى الذى وافق عليه فى 10 فبراير الماضى، ثم وافق فى 16 مارس على تعديلات نهائية أدخلت على المادتين 5 و46 من القانون. ويعود سبب التعثر إلى أن قسم التشريع بمجلس الدولة خلال مراجعته للمشروع، اكتشف عدم استيفاء الشروط الدستورية لإصداره، حيث لم يتم أخذ رأى الجهات والهيئات القضائية المختلفة فيما تضمنه مشروع القانون من «سريانه على أعضاء الجهات والهيئات القضائية من القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعضاء مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا وهيئة مفوضيها، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية أيا كانت درجاتهم» وذلك وفقا للمادة 185 من الدستور التى تشترط «أخذ رأى الجهات والهيئات القضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها». وأرسل القسم برئاسة المستشار مجدى العجاتى إلى مجلس الوزراء فى 28 مارس الماضى خطابا يؤكد فيه ضرورة أخذ رأى الجهات القضائية فى مشروع القانون، وفى 4 أبريل الحالى أرسل المستشار إبراهيم الهنيدى، وزير العدالة الانتقالية، خطابا إلى المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، يطلب فيه رأى المحكمة فى مشروع القانون، مرفقا به مذكرته الإيضاحية. وعقدت المحكمة الدستورية جمعيتها العامة التى ارتأت رفض المشروع فيما تضمنه من «فحص إقرارات الذمة المالية لرئيس المحكمة ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين بواسطة هيئات الفحص بجهاز الكسب غير المشروع، والتى تكون مشكلة من أعضاء القضاء العادى (القضاة العاديين) باعتبار هذا الأمر انتهاكا لحصانة أعضاء المحكمة وهيئة مفوضيها». وقالت المحكمة فى رأيها إنها تؤيد سريان قانون الكسب غير المشروع بصفة عامة على رئيسها ونوابه وأعضاء هيئة مفوضيها، إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة، وتلازم المسئولية مع السلطة والشفافية، تطبيقا لنصوص المواد 4 و5 و68 من الدستور. لكنها عارضت أن «تتولى هيئات الفحص بجهاز الكسب غير المشروع فحص إقرارات الذمة المالية لأعضائها، حيث يستلزم هذا التحقيق فى البلاغات والشكاوى المتعلقة بهذا الشأن طبقا للمادتين 9 و10 من المشروع الجديد للقانون، باعتبار أن تقديم إقرار الذمة المالية وفحصه يهدف إلى التحقق من مصدر الثروة وإثبات شبهة الكسب غير المشروع أو نفيها، ولا يرتبط هذا باتهام جنائى قائم». وأضافت المحكمة أن «مهمة الفحص مسألة وثيقة الصلة بالواجبات الوظيفية لأعضاء المحكمة واستقلالهم، وتتعارض مع قيام المحكمة – دون غيرها على شئونها وشئون أعضائها، ويمثل نيلا من قوامتها الذاتية، وانتهاكا لحصانة أعضائها وهيئة مفوضيها بالمخالفة للمادتين 191 و194 من الدستور»، مؤكدة أن «مباشرة هذه الإجراءات الماسة برئيس المحكمة وأعضائها ومفوضيها ينطوى حتما على تسليط جهة قضاء على جهة قضاء أخرى»، قاصدة بذلك تسليط القضاء العادى على المحكمة الدستورية. واقترحت المحكمة بديلا عن ذلك أن «يستعاض عن إخضاع أعضائها لسلطة جهاز الكسب مباشرة، أن يتم تشكيل هيئة فحص وتحقيق داخلية من الجمعية العامة للمحكمة تكون لها ذات اختصاصات وصلاحيات هيئات الفحص بالجهاز، فإذا تبين لها من الفحص وجود أدلة كافية على ارتكاب جريمة كسب غير مشروع، أحالت الأمر إلى الجمعية العامة للمحكمة لطلب الإذن بتحريك الدعوى الجنائية ضد العضو المقصود». وأكملت المحكمة اقتراحها بأن «تتولى النيابة العامة أو قاض منتدب للتحقيق إجراءات التحقيق وفقا لأحكام الفصل الثالث من الباب الأول من مشروع قانون الكسب غير المشروع، فإذا رأى المحقق أن الأدلة كافية والواقعة تمثل جناية أو جنحة يعاقب عليها قانون الكسب غير المشروع، فيجب عليها عرض الأمر على الجمعية العامة للمحكمة، تمهيدا لإقامة دعوى جنائية ضد القاضى المتهم، فإذا أذنت الجمعية العامة بذلك ورفعت عنه الحصانة، فيكون تمثيل الادعاء للنيابة العامة وحدها، وهى التى يكون لها أيضا حق الطعن على الأحكام الصادرة فى هذه القضايا». ويترتب على رأى المحكمة المعروض حاليا على مجلس الوزراء إجراء تعديلات على المشروع، مفادها إخراج أعضائها من سلطة جهاز الكسب غير المشروع، وإسناد الفحص والتحقيق إلى لجنة داخلية بالمحكمة تختارها جمعيتها العامة (المشكلة من رئيسها ونوابه) وأن يحال الأمر فيما بعد إلى النيابة العامة لتباشره بذاتها أو بواسطة قاض منتدب للتحقيق، بمعزل عن جهاز الكسب. ومن المنتظر، بحسب مصادر قضائية، أن تستطلع الحكومة أيضا رأى المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة، فى المشروع ذاته، حيث لم ترسله إليه بصفة رسمية حتى الآن، ولم يدل المجلس برأيه فيه. وأوضحت المصادر أن «الرأى السائد بين قضاة مجلس الدولة يتطابق مع رأى المحكمة الدستورية، خاصة أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع قد سبق وأكدت فى يناير 2014 عدم خضوع قضاة مجلس الدولة أو أعضاء أى جهة أو هيئة قضائية أخرى لسلطة جهاز الكسب، وعدم جواز تسليط أى جهة إدارية أو قضائية على شئون جهة قضائية أخرى». وكانت هذه الفتوى قد أكدت فى حيثياتها أنه «لا يجوز أن تكون حصانة القضاة وسيلة لحمايتهم من المسئولية عن عثراتهم التى تخل بشروط توليهم القضاء وقيامهم برسالتهم، وليست عاصما من محاسبتهم عما قد يصدر عنهم من أعمال تؤثر فى هيبة السلطة القضائية» وناشدت المشرع أن يضع وسيلة دستورية وقانونية مناسبة للتحقق من سلامة الذمة المالية للقضاة بشرط «عدم الإخلال بقيام كل جهة قضائية على شئونها، وبمعزل عن تدخل أى سلطة إدارية».