فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وبعد أن أعمل الاحتلال الأمريكى معاول الهدم فى مؤسسات وأجهزة الدولة العراقية وأفسح المجال للنفوذ الإيرانى المستند إلى الأجندة الطائفية والمذهبية لتفتيت العراق والتورط فى القضاء على سلمه الأهلى، لم تطور لا حكومات الخليج ولا الحكومات العربية الأخرى المعنية بالشأن العراقى وقضايا الأمن فى الخليج رؤية بديلة متماسكة تنتصر لفكرة الدولة الوطنية ومجتمع مواطنة الحقوق المتساوية فى العراق وتقاوم بهما طائفية ومذهبية إيران وحلفائها وتواجه عبرهما عبثية الدور الأمريكى. بل وعلى النقيض من ذلك تماما، تورطت بعض الحكومات والحركات غير الدولاتية العربية مدفوعة أيضا بأجندات طائفية ومذهبية وبحسابات البقاء السياسى لحكام لا قبول شعبيا لهم فى مجاراة أجندة التفتيت الإيرانية فى العراق كما ثبت بشأن أدوار نظام بشار الأسد وحزب الله وغيرهما. أيضا، وعلى النقيض تماما من الانتصار لفكرة الدولة الوطنية ومجتمع مواطنة الحقوق المتساوية فى العراق، تورطت بعض حكومات الخليج وحكومات أخرى فى تبنى خطاب طائفى ومذهبى معكوس يدعى دعم «السنة» فى مواجهة «الشيعة» المدعومين من إيران ويسقط أولوية السلم الأهلى والتعايش والدمج لكافة مكونات الشعب العراقى لكى يبتعد وطنهم عن التفتيت والهدم والدمار. بل إن بعض الحكام كملك الأردن عبدالله الثانى صاغ خطابا طائفيا ومذهبيا عن مجمل أوضاع بلاد العرب والشرق الأوسط بعد 2003 حين تحدث عن «الهلال الشيعى» الممتد من إيران إلى العراقوسورياولبنان بفعل نفوذ حزب الله، خالطا بين تنامى قوة إيران وحلفائها وبين الهويات المذهبية التى كان لابد من تجنب الزج بها فى أتون صراعات عالمنا، خاصة أن العديد من المجتمعات العربية تعرف تنوعات مذهبية كثيرة ومجموعات السكان السنة والشيعة وغيرهم يتواجدون ويتعايشون معا كمواطنين لبلدان عربية فى الخليج واليمن والمشرق إن فى العراق أو سوريا أو لبنان. خلال السنوات الماضية، استمر عجز الحكومات العربية عن صياغة أجندات تنتصر لفكرة الدولة الوطنية ومجتمع مواطنة الحقوق المتساوية فى مواقع مختلفة وتواصل تصاعد نيران الطائفية والمذهبية والقبلية ووقعت مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية كما سلم المجتمعات الأهلى ضحايا لها فى المشرق وفى البحرين وفى اليمن، والتهمت القبلية وحروب الكل ضد الكل وعصابات الإرهاب إلى الغرب منا ليبيا. والآن، والحرب الدائرة رحاها فى أجواء وعلى أرض اليمن تسقط ضحاياها من المدنيين وتعمل معاول الهدم والدمار فى بلد عربى تتواصل معاناة شعبه منذ عقود، يتورط العرب مجددا فى التماهى وعيا أو بدون وعى فى أجندة طائفية ومذهبية معدة بدقة لتسليم اليمن بالكامل لدينامية التفتت الصومالى، ويستسلمون للصياغة الطائفية والمذهبية للحرب فى اليمن كحرب الدول العربية والإسلامية السنية ضد إيران الشيعية وحلفائها من الشيعة المنتشرين فى بلاد العرب، ولا يقدمون للصياغة هذه بديلا حقيقيا جوهره رؤية سياسية واضحة تنتصر لفكرة الدولة الوطنية ومجتمع مواطنة الحقوق المتساوية فى اليمن وتعترف بحدود استخدام القوة العسكرية وبأولوية التفاوض للوصول إلى حلول سلمية فى المواقع الأخرى التى أصبح لإيران بها نفوذ مؤثر ولكى نطور ترتيبات سلم وأمن إقليميين جديدة. سنكتوى جميعا بنيران الطائفية والمذهبية والقبلية ما لم نواجهها بالفكرة الوحيدة القادرة على نزع فتيلها، الدولة الوطنية الحديثة ومجتمع السلم الأهلى المستند إلى الديمقراطية والعدل وسيادة القانون والحرية.