من أجل شارع مهيأ للمواطنين ولمرور السيارات، ومن أجل تحسين وضع البائع، كان قرار الحكومة في أغسطس 2014 بنقل الباعة الجائلين من مناطق (وسط البلد، الإسعاف، بولاق أبو العلا) إلى جراج الترجمان الذي يقع خلف منطقة الإسعاف. إلا أنه بعد 6 أشهر من نقل الباعة إلى الترجمان، عبر الباعة عن استياءهم قائلين إن "رزقهم انقطع وتكاثرت ديونهم لقلة الزبائن في تلك المنطقة"، مطالبين الحكومة بتنفيذ وعدها لهم بنقلهم إلى «أرض وابور الثلج»، وهي المنطقة الأكثر قربا من وسط البلد والمطلة على شارع رمسيس. بعد أن كان يفترش الباعة الشوارع الرئيسية في وسط البلد واضعين بضاعتهم أمام أعين المارة، مما يسهل عليهم عملية البيع والشراء، أصبحوا الآن يفترشون أرض الترجمان بعد قرار نقلهم، ومن الوهلة الأولى قبل أن نستطلع أراء الباعة، يتضح أن ثمة أزمات يعاني منها الباعة؛ أولها قلة الزبائن، وإحاطة المكان بالمخلفات. من «وابور الثلج» إلى «الترجمان» قال عبد الرحمن محمد الأمين العام لنقابة الباعة الجائلين المستقلة، إنه منذ أن تم نقل الباعة إلى منطقة الترجمان وهم يعانون من قلة الزبائن التي ترتب عليها تعثر عملية البيع والشراء والتي تأزمت أكثر بمرور الوقت، وتكاثرت ديونهم. وأضاف: "الناس مش لاقية تأكل، في ناس مننا عرضت أعضائها للبيع، مفيش احترام لأدميتنا، واحنا في كثير مننا معاهم مؤهلات عليا، لكن الحالة صعبة". وتابع: "بعد قرار نقلهم إلى منطقة الترجمان، وعد مجلس الوزراء الباعة بأن نقلهم للترجمان سيكون مؤقتا لمدة 6 أشهر، على أن يتم نقلهم بعد ذلك إلى أرض «وابور الثلج» المطلة على شارع رمسيس الرئيسي، والتي سيقام عليها مول تجاري سيكون لكل منهم فيه مساحة صغيرة لعرض بضاعته. ووصف «الأمين» وعد الحكومة ب"الفانكوش"، موضحا: "الحكومة بتضحك علينا، بقالنا 7 أشهر ومفيش حاجة، ومفيش حاجة اتعملت في أرض وابور الثلج".. عرض الباعة على محافظة القاهرة تأجير أماكن لهم في وابور الثلج، إلا أن المحافظة أكدت وقتها أنها تريد مساعدتهم"، وهو ما قابله الباعة بالسخرية لأن "أوضاعهم من وقتها في تدهور". الترجمان.. البحث عن زبون تم نقل الباعة الجائلين إلى منطقة الترجمان في أغسطس 2014، وتقسيمهم إلى منطقتين، الأولى التي نقل إليها باعة بولاق أبو العلا، والثانية التي تبعد عنها بضعة أمتار لباعة وسط البلد والإسعاف، وكل بائع له رقم يحمله، وهذا الرقم يفيد بحقه في الوقوف على مساحة من الأرض ليفترش بضاعته. إبراهيم كامل أحد الباعة الجائلين المتواجدين في منطقة الترجمان، قال إن أوضاعهم ساءت كثيرا بعد نقلهم وتكاثرت ديونهم.. "تقريبا لا يوجد زبائن إلا قليل جدا". فالرجل الذي يصرف على 6 أبناء أوضح أنه لا يجد المال ليسد حاجة أبناءه.. فبعد أن كان يعمل لديه 4 عمال يبيعون الملابس أسفل كوبري 15 مايو، يدرون دخلا يقدر بحوالي 3000 آلاف جنيه في اليوم، أصبحوا لا يحصلون حاليا نحو 300 جنيه. ويضيف: "الصنايعية مشيتهم، وبقيت مديون، التاجر اللي بأخد منه فلوس رفض يديني ملابس الصيف لأن عليا فلوس كتير مش متسددة". وجهة نظر أخرى، يحملها إبراهيم كامل وجاره البائع محمد أبو سريع، اللذين لا يمانعان البقاء في الترجمان، ولكنهما أكدا أن "الأزمة تكمن في أن عدد كبير من الباعة اضطروا بسبب ضيف الرزق أن يعودوا للوقوف في الشارع.. هما وحظهم مع البلدية، ولما بيعرفوا بوجودها بيطلعوا يجروا ببضاعتهم"، مضيفين: "وجود هؤلاء الباعة في الشارع يضعف من إقبال الزبائن، كما أن المنطقة مليئة بالتلوث الذي يعثر الإقبال على الشراء، بالإضافة إلى عدم تركيب بلوكات لحماية بضاعتهم من المطر والجو السيء، وهو ما تغلب عليه الباعة بتركيب حديد ووضع أقمشة وبلاستيك". كان هناك اثنان من الباعة الذين رفضوا الإفصاح عن أسميهما، والذين لم يختلف رأيهما عن الباعة الأخرين في الخسارة المالية الناتجة عن نقلهم. وقالا: "لو البلد ماشية بالقانون فالمفروض الباعة كلهم يتجمعوا في مكان واحد يكون مهيأ لهم، عشان محدش يضطر يفرش في الشارع ويوقف رزقنا احنا"، وطالبا بأن تهتم الحكومة بأمرهم بتوفير مكان مؤهل لعرض البضاعة وعمل إعلانات ثابتة للأماكن المتواجدين بها. لم يختلف الحال كثيرا في المنطقة الأخرى من الترجمان، والتي نقل إليها الباعة الجائلين من منطقة وسط البلد والإسعاف، بل الأمر أكثر سوءا، فالمساحة المخصصة لهم تكاد تكون خالية تماما من الزبائن، وعدد كبير من منافذ البيع بلاستيكية خالية من الباعة، إلا أن العدد المتواجد من الباعة المتواجدين أبدوا استياءهم الشديد من وضعهم وقالوا: "عايزين نوصل صوتنا لرئيس الجمهورية ولرئيس الوزراء، لأن محافظة القاهرة مش بتعبرنا". وسط الساحة التي يفترش بها الباعة بضاعتهم من الملابس، كانت سيدة تضع أمامها "فرشة" للشاي والقهوة والتي قالت إن وضعهم سيء جدا بعد نقلهم للترجمان وأنها بالأساس تبيع ملابس، إلا أنها قررت أن تضع "فرشة" للشاي والقهوة لتبيع للباعة الآخرين والمارة بالشارع لأن "بيع الملابس أصبح لا يدر أي دخل لها". الباعة يشبهون الترجمان ب«المدفن» قال هشام عز الدين ومحمد سعيد إنهما كانا يعملان بمنطقة الاسعاف لأكثر من 20 سنة، مؤكدين أن جميع الباعة يعانون من قلة الرزق بعد نقلهم لمنطقة الترجمان.. "يهمنا مظهر البلد، لكننا نطالب الحكومة بتنفيذ وعودها بنقلنا إلى «أرض وابور الثلج» أو أي سوق حضاري كمنطقة الزاوية الحمراء، أو موقف أحمد حلمي، لأنها مناطق تصلح لسوق لبيع الملابس". واعتبر «هاشم»، أن منطقة الترجمان شبيهة ب«المدفن»، وقال: "عايزين نلاقي نأكل، أو يرجعونا الشارع وندفع إيجار عن وقفتنا". فيما قال محمد سعيد إنه بعد نقلهم لمنطقة الترجمان، إن الحي طلب منهم الإمضاء على إقرار يفيد بأنهم لن ينزلوا إلى الشارع لمدة 6 شهور، والالتزام بالتواجد اليومي في الترجمان، مشيرا إلى أنهم يوميا يوقعون في كشوف بما يفيد حضورهم، وأنه في حالة التغيب لأكثر من 3 أيام، يسحب من البائع الرقم الذي منح له.