على الرغم من حداثة ما يسمى ب "تنظيم داعش" الذى لم يتم بعد عامين من عمره، إلا أنه بات له تاريخ فى الإرهاب.. تاريخ أسود فى التنكيل بالضحايا، حرقا وذبحا وقتلا رميا بالرصاص أو تفجيرا بالقنابل، ولم تقل أولى جرائمهم بشاعة أو فظاعة عن آخرها بث فيديو ل 21 كرديا عراقيا من قوات البشمركة فى أقفاص تمهيدا لحرقهم. على طريقة الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، وبعده ذبح 21 مصريا مسيحيا في ليبيا، وما بينهما من قتل صحفيين واعتقال مئات من الموظفين التابعين لمنظمات إغاثية كرهائن وورقات ضغط على بلادهم. وعلى الرغم أيضا من أن هذا التنظيم حديث الظهور على الساحة، إلا أن أصوله تعود إلى عام 2004، حين شكل أبو مصعب الزرقاوى تنظيما أسماه "جماعة التوحيد والجهاد" بزعامته، معلنا مبايعته لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سمى "تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين"، وبرز التنظيم على الساحة العراقية إبان الاحتلال الأمريكى للعراق، على أنه تنظيم جهادى ضد القوات الأمريكية، الأمر الذي جعله مركز إستقطاب للشباب العراقى الساعى لمواجهة الإحتلال الأمريكى لبلاده، وسرعان ما توسع نفوذ التنظيم ليصبح من أقوى الميليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية. وفي عام 2006، أعلن الزرقاوى في شريط مصور "على الملا" عن تشكيل "مجلس شورى المجاهدين" بزعامة عبدالله رشيد البغدادي، وقتل الزرقاوي في نفس الشهر، وعين أبي حمزة المهاجر زعيما لتنظيم القاعدة فى العراق، وحققت تلك الكيانات تراجعا كبيرا بين عامى 2008 و2009 بفعل مجالس الصحوات التي ظهرت، ولكن استهداف نورى المالكى للصحوات والقضاء عليها عام 2009 وسياساته في التمييز الطائفي أعطى لعناصر القاعدة في بلاد الرافدين فرصة كبيرة فى العودة وإحياء دولتهم، فعادت بقوة فى العامين الأخيرين 2013 و2014 بزعامة أبو عمر البغدادى. بدأ البغدادى نشاطه منطلقا من الجانب الدعوي والتربوي للتنظيم، إلا أنه ما لبث أن انتقل إلى الدور الجهادى، حيث ظهر كقطب من أقطاب السلفية الجهادية منشئا أول تنظيم تحت مسمى "جيش أهل السنة والجماعة" بالتعاون مع بعض الشخصيات الأصولية التى تشاركه نفس الفكر والنهج والهدف، مكثفا عملياته فى بغداد، وسامراء وديالى، ثم ما لبث أن انضم مع تنظيمه لمجلس شورى المجاهدين حيث عمل على تشكيل وتنظيم الهيئات الشرعية في المجلس وشغل منصب عضو فى مجلس الشورى حتى إعلان دولة العراق الإسلامية. ومنذ تولى أبو بكر البغدادى زعامة هذا التنظيم (وبعيدا عن ما نفذته القاعدة قبله في العراق فى عهد الزرقاوى ومن تبعه)، قام التنظيم بتنفيذ عدد كبير من العمليات والهجمات الإرهابية البربرية التي حصدت أرواح الآلاف من العراقيين، وأشهرها عملية مسجد أم القرى في بغداد التي أسفرت عن مقتل النائب العراقي خالدالفهداوى، وهجمات إرهابية أدت إلى استشهاد المئات من رجال الجيش والشرطة العراقية والمواطنين، إلى جانب استهداف الأقليات فقد أعدم التنظيم 500 من الأيزيديين ودفن أطفالا وهم أحياء، وخطف النساء واغتصابهن وبيعهن كسبايا. واستغل البغدادي الأزمة التي اندلعت في سوريا والفوضى ليعلن دخوله على خط المواجه، وكباقى التنظيمات التكفيرية المسلحة والمرتبطة بالقاعدة، وجد البغدادي وتنظيمه مساحة خصبة على الأراضى السورية لممارسة إجرامهم وتكفيرهم بالإضافة الى استغلال الفوضى لتحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ، ومن الحدود السورية الواسعة مع العراق، دخل تنظيم "الدولة" إلى الأراضي السورية، إلى شرق سوريا بالتحديد تحت شعار"نصرة أهل السنة في سوريا" معلنين الحرب على النظام السورى. تأسست النصرة من زعماء سوريين بينهم من كان معتقلا في السجون السورية واستفاد من العفو العام، وبينهم من كان يمارس الدعوة سرا في سوريا قبيل اندلاع الأزمة، وآخرين كانوا منضوين تحت لواء القاعدة وقاتلوا فى بلدان أخرى كالعراق وأفغانستان والشيشان وعادوا مع بداية الأزمة في سوريا، مع وجود عدد لا بأس به من الأجانب في صفوفها. حرصت "داعش" بعد ذلك على تأسيس مشروع دولة على الأرض ولو بشكل رمزي عبر تحويل المدارس والفيلات والبيوت التي هجرها أهلها إلى مقرات وزارية ومحاكم ومدارس للتنظيم ومعسكرات تدريب وجمع أموال، وعلى الأرض فرضوا أنظمتهم الاجتماعية المتطرفة التي من شأنها بث الذعر في نفوس الأهالي، فانتشرت في المناطق المحررة مقرات تحمل اسمه ورايته، وأقيمت الحواجز الجديدة داخل المدن والقرى وفى مداخلها وعلى الطرق الموصلة بينها.