بعض برامج التوك شو يتعامل بعقلية وأخلاق التوك توك «اخطف الزبون واجرى». المهم المكسب السريع وبأى وسيلة. ومن ثم بعض هذه البرامج يتعامل مع ماتنفرد به الصحافة المطبوعة على أنه كلأ مباح، من حق أى أحد أن يرعى فيه بلا حسيب أو رقيب. ولا غضاضة فى أن تتغذى هذه البرامج على ما تنتجه الصحافة، غير أن الأخذ منها دون الإشارة لها كمصدر، يعد عملا غير مهنى ولا أخلاقى بالمرة، والعكس أيضا صحيح تماما، فإن تستعين الصحافة بما يثار فى برامج التوك شو، فهذا أيضا عمل غير أخلاقى. أمس الأول الأحد انفردت «الشروق» بخبر لزميلنا الشاب محمد خيال عن مشروع قانون لتنظيم عمل الباعة الجائلين، وفى اليوم التالى تعامل مع الخبر اثنان من برامج التوك شو، الأول «صباح دريم» الذى تقدمه صاحبة الحضور الرائع دينا عبدالرحمن ويعده الزميل العزيز محمد البرغوثى، والثانى «الحياة اليوم» على قناة الحياة. فى «صباح دريم» عرض الخبر منسوبا لأصحابه، ثم دار حوله النقاش، وفى المساء لم يكلف أخواننا الذين فى «الحياة اليوم» أنفسهم الإشارة إلى المصدر الذى بنوا عليه حلقتهم كاملة، وكأن الخبر هبط عليهم من السماء، وتعاملوا مع الأمر بطريقة أقرب للفهلوة منها إلى القواعد المهنية المحترمة. ليس بعيدا عن ذلك ما فعلته قناة الجزيرة مع انفراد آخر للزميل محمد سعد عبدالحفيظ فى «الشروق» عن تفاهمات فى إطار صفقة بين الإخوان والحكومة، حيث عرضت الموضوع منسوبا إلى مصادر صحفية، دون أن تحدد هويتها، وهل هى مصادر فى صحافة الكونغو برازفيل أم أنها تنتمى لصحافة جزر القمر. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن برامج «التوك شو» أضفت كثيرا من الحيوية على العمل الصحفى فى مصر، بل إنها تحولت فى بعض الأحيان إلى مصادر لموضوعات وأفكار تشتغل عليها الصحافة الورقية، بنفس القدر الذى تمثل فيه الأخيرة مصدرا لما تعمل عليه البرامج التليفزيونية. كما أن أحدا لا ينكر على الطرفين الاستفادة من الآخر، لكن ما يؤخذ على هذا الطرف أو ذاك ألا يمتلك فضيلة نسبة الفضل إلى أصحابه، أو أن «يتشاطر» وينقل ويبيع بضاعة مجهولة المصدر. ومن أسف أن العديد من برامج «التوك شو» تكاثرت وانتشرت على نحو عشوائى مخيف فى محاولة لتقليد مجموعة من البرامج التى حققت نجاحا كبيرا لأسباب موضوعية يأتى فى مقدمتها أن وراءها أفكارا جديدة وجادة بالفعل. ولا يختلف منطق بعض أصحاب البرامج عن منطق محال الكشرى، فما أن يلمح أحدهم أن برنامجا نجح وأوجد لنفسه مساحة بين المشاهدين حتى يسارع إلى «فتح» برنامج شبيه، رغم أن أدواته لا تؤهله إلا لتشغيل «كشك» يبيع نغمات الموبايل. ووسط هذا الزحام الذى يكتم الأنفاس اختفت قواعد مهنية محترمة، وتسربت قيم أخرى سوقية تلهث وراء الربح السريع وبأى وسيلة.. اللهم احفظنا.