"وفا": إسرائيل تطرح 6 عطاءات لبناء 4 آلاف وحدة استيطانية في سلفيت والقدس    انفجارات في وسط إسرائيل وجيش الاحتلال يتحدث عن صاروخ حوثي    توب وشنطة يد ب"نص مليون جنيه"، سعر إطلالة إليسا الخيالية بمطار القاهرة قبل حفل الساحل (صور)    أصيب بغيبوبة سكر.. وفاة شخص أثناء رقصه داخل حفل زفاف عروسين في قنا    شقيقة زعيم كوريا الشمالية ترفض مبادرات السلام مع كوريا الجنوبية.. ما السبب؟    حساب تشيلسي يسخر من فوز باريس سان جيرمان على تشيلسي في السوبر الأوروبي    "سيدير مباراة فاركو".. أرقام الأهلي في حضور الصافرة التحكيمية لمحمد معروف    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    بأكياس الدقيق، إسرائيليون يقتحمون مطار بن جوريون لوقف حرب غزة (فيديو)    تأخر عن زيارتها واستفزها في الرد، سيدة تنهي حياة ابنها ب"شومة" في كرموز بالإسكندرية    ب3 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق داخل شقة في منطقة النزهة    وزير خارجية فرنسا: ترامب وعد بالمساهمة في الضمانات الأمنية ل أوكرانيا    مصر ودبلوماسية السدود فى دول حوض النيل    طقس المنيا اليوم.. العظمى 43 وموجة شديدة الحرارة تجتاح المحافظة    انطلاق بطولتي العالم للشباب والعربية الأولى للخماسي الحديث من الإسكندرية    تفاصيل استقبال وكيل صحة الدقهلية لأعضاء وحدة الحد من القيصريات    وداعًا لرسوم ال 1%.. «فودافون كاش» تخفض وتثبت رسوم السحب النقدي    مجلس الأمن يرفض حكومة "الدعم السريع" الموازية ويحذر من تهديد وحدة السودان    بدائل الإيجار القديم.. فرصة ذهبية قبل الطرد و90 يومًا فاصلة أمام المستأجرين    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    محافظ قنا ووزير البترول يبحثان فرص الاستثمار التعديني بالمحافظة    محافظ الغربية يعلن حصول مركز طب أسرة شوبر على شهادة «جهار»    طريقة عمل كفتة داود باشا أكلة لذيذة وسريعة التحضير    موعد مباراة الترجي ضد الاتحاد المنستيري في الدوري التونسي والقنوات الناقلة    عيار 21 يتراجع لأدنى مستوياته.. أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة (محليًا وعالميًا)    نائب محافظ الجيزة تتابع استعدادات استقبال المهرجان الدولي للتمور 2025    وزير السياحة يوقع مذكرة تفاهم مع عمدة سراييفو لتعزيز التعاون بين البلدين    رئيس الأركان الإسرائيلي: اغتلنا 240 من عناصر حزب الله منذ وقف إطلاق النار مع لبنان    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    تحديد هوية المتهمين بمضايقة فتاة على طريق الواحات.. ومأمورية خاصة لضبطهم (تفاصيل)    القمر الدموي.. موعد الخسوف الكلي للقمر 2025 (التفاصيل وأماكن رؤيته)    رسميًا الآن.. بدء تسجيل رغبات تقليل الاغتراب 2025 لطلاب تنسيق المرحلتين الأولى والثانية (الرابط الرسمي)    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    اختبار في الثبات على المبادئ.. برج الجدي اليوم 14 أغسطس    أبرز أخبار الفن على مدار الساعة.. تعرض ليلى علوى لحادث سيارة بالساحل الشمالى.. نقابة المهن التمثيلية تحول بدرية طلبة للتحقيق لما صدر منها من تجاوز.. والفنانة الكويتية حياة الفهد تدخل العناية المركزة    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    شيخ الأزهر يدعو لوضع استراتيجية تعليمية لرفع وعي الشعوب بالقضية الفلسطينية    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    ذروة الارتفاع بالحرارة.. نصائح جمال شعبان لتجنب الجلطات    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    د.حماد عبدالله يكتب: دور الدولة المتعدد فى الإقتصاد الحر !!    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    صبا مبارك تنشر جلسة تصوير من كواليس "220 يوم".. ونجوم الفن يعلقون    ياسين السقا يكشف تفاصيل مكالمة محمد صلاح: "كنت فاكر حد بيهزر"    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    السفير محمد إدريس: العلاقات مع إفريقيا استراتيجية ويجب تفعيلها    الرياضية: بسبب أمم إفريقيا.. أهلي جدة يسعى لضم حارس سعودي    العثور على جثة شخص مجهول الهوية مخبأ داخل جوال بقنا    رياضة ½ الليل| إنجاز فرعوني جديد.. مصر تحصد الذهب.. مكافأة استثائية.. استلام المسار السريع.. وباريس سوبر أوروبا    حدث بالفن | أزمة نجمة واحالتها للتحقيق ووفاة أديب وفنانة تطلب الدعاء    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث المذبحة
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 02 - 2015

لا يوجد سبب واحد يبرر مذبحة استاد الدفاع الجوى والجريمة مكتملة الأركان بأى معنى قانونى أو سياسى.
الحساب الصارم مع كل الأطراف التى تورطت فى المذبحة ضرورات دولة، فللتسهال عواقبه الوخيمة.
وأيا كانت الأخطاء التى ارتكبها «الوايت نايتس» فإنها لا تسوغ لأحد أن يقتل ويتوسع فى القتل وأن يشتم ويفحش فى القول رغم صور الدماء الغزيرة فى المكان والجثث الملقاة على الأرض وبقايا اللافتات والأعلام والأحذية لشباب صغير للغاية فى مقتبل العمر تماما أغلبهم دون العشرين.
كان يمكن تجنب المذبحة بالتدخل المبكر لتمكين «الوايت نايتس» من الحصول على تذاكر المباراة التى حُجبت عن عمد من إدارة نادى «الزمالك».
لا الأمن تدخل ولا السياسة جرؤت على الكلام، فهذا الجمهور «بلطجية» و«صيع» بالوصف الذى استخدمه رئيس النادى فى أعقاب المذبحة.
بدت الدولة بلا هيبة أو احترام وتفتقد كل قدرة على التصرف بالطريقة المناسبة فى الوقت المناسب، وهذه مأساة بذاتها.
فى أية حسابات سياسية فإن عودة الجماهير إلى مدرجات كرة القدم شهادة بالاستقرار والأمن قبل المؤتمر الاقتصادى.
حيث كان الرهان على أن يكون هذا اليوم عرسا فإنه تحول إلى مأتم وألغيت فكرة إحياء المدرجات بجماهيرها إلى أجل غير مسمى، فمن يتحمل المسئولية.. ومن يستقيل.. ومن يصحح الأسباب التى تفضى مرة بعد أخرى إلى مثل هذه الحوادث الدموية؟
وكان يمكن تجنب المذبحة بقدر من المرونة السياسية تسمح للجمهور أن يدخل بترتيب ونظام إلى المدرجات شبه الخاوية غير أن الرءوس تعطلت أفكارها وبدت بدورها شبه خاوية.
لا إدراك بأية درجة للمشكلة التى تفاقمت بسرعة متناهية إلى مذبحة دموية قوضت صورة الأمن فى مجتمعه وعمقت فى لحظة حرب مع الإرهاب فجوات الكراهية المتبادلة معه.
فى هذه الأزمة تجسدت مخاطر تنحية السياسة، فلا الحكومة مؤهلة لأن تلعب أية أدوار سياسية وأغلب وزرائها بيروقراطيون أو تكنوقراطيون مدى علمهم بالسياسة أنها «وجع دماغ»، وعندما أراحوها دخلنا إلى أزمة تكاد تدخل البلد المنهك فى الحائط وتسد أمامه أى أمل فى المستقبل.
بسوء أداء سياسى وأمنى ارتبك المشهد السياسى وجدول أعماله فى توقيت حرج.
فالمذبحة استبقت زيارة الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، وأهميتها من رهاناتها فى إحداث شىء من التوازن الضرورى فى العلاقات الدولية بالتشويش عليها بأكثر مما تحتمله أية مصلحة مصرية لبناء صورة جديدة.
كما تداخل نزيف الدماء مع إجراءات التقدم بأوراق الترشيح فى الانتخابات النيابية المقبلة، ورغم الفوضى التى تضرب الحياة السياسية كلها من جراء قوانين الانتخابات التى لم تخضع لأى حوار ولا لأى توافق فإن استكمال مؤسسات الدولة له أثره على أى نجاح محتمل فى التعافى الاقتصادى وجذب الاستثمارات الأجنبية لمصر.
وهذا مؤشر سلبى آخر يسحب من الثقة العامة بأكثر من أى توقع، فما كان تململا يكاد أن ينقل مواضعه بالقرب من كتل النار دون أن تكون هناك سياسة تدرك المخاطر حولها وتتصرف وفق مسئوليتها.
أريد أن أقول بوضوح إن المسئولية السياسية تلازم المسئولية الأمنية فى حديث المذبحة وأن هذا ما يستحق المراجعة الجدية لأوجه الخلل فى البنيتين السياسية والأمنية معا.
«القفص الأخير» الذى حشر فيه الضحايا قبل أن يموتوا خنقا بالغاز المسيل للدموع يلخص كل الخلل الفادح والمنذر.
عندما يقال لك ادخل إلى القفص لتمر منه إلى المدرجات ثم تمنع عن الحركة، فهذا خداع لا يليق بأية سلطة تحترم كلمتها.. وعندما تقصف بالقنابل المسيلة للدموع وأنت لا تملك أن تهرب فهذا قتل عمدى.. وعندما تعتمد السلطات الأمنية نظرية «التدافع» لتفسير الوفيات ب«كسور متفرقة فى الجسد والعنق» وفق تقارير الطب الشرعى فإنها على نصف حق إذا أرادت أن تثبت أنه لم يطلق رصاص لكنها تثبت المسئولية على قوة التأمين والذين أصدروا إليها التعليمات.
ليس مهما كيف كان القتل إذا كانت الجثث فى المكان.
أسوأ ما قد يحدث أن تتوغل السلطات فى نظريات المؤامرة لإلغاء أية مسئولية ونفى أى قصور، فطالما أن هناك مؤامرة على مصر فإن كل دم مباح وكل فشل مبرر وكل شتم بطولة.
بحسب تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء «إبراهيم محلب» فإن الحادث «مؤامرة تستهدف عرقلة التنمية وزعزعة الاستقرار» دون أن يقول من هم الضالعون فيها وما هى الأدلة والقرائن التى تؤكد ما ذهب إليه.
هناك باليقين من يطلب تقويض الدولة لكن السياسات المتبعة تساعده فى طلبه.
المسئولية فى المعلوم لا المجهول، فى السياسة لا الجماعة، فى الذين قتلوا لا الذين شمتوا.
بصراحة كاملة يصعب الآن أن يستبعد أحد احتمال عودة الجماعة للسلطة مرة أخرى، لا لاستحقاق تمتلكه بل لأخطاء قاتلة تكاد تصيب الرأى العام بالإحباط الكامل.
إذا كان هناك ما يمنع عودتها فى أى مدى منظور فهو الشعب المصرى الذى يمقت عنفها وإرهابها ولا يريد أن يراها تحكم مرة أخرى، لكن الرهان على الإرادة الشعبية دون سند من سياسة تنحاز إليها يضع البلد أمام مجهول.
من غير المعقول أو المقبول أن ترتفع فى كل أزمة أصوات تزعق وتصرخ وتنسب أسبابها إلى الجماعة كأنها قوة كونية لا قبل لأحد بمؤامراتها وتتوسع فى سبابها لتنال من كل من له قيمة فى هذا البلد وكل ما له معنى فى ثورتى «يناير» و«يونيو».
فى اصطناع الفجوات بين الثورتين مشروع عودة للماضى وضخ دماء جديدة فى شرايين جماعات العنف والإرهاب.
بصياغة أخرى فإن بعض الدعايات شبه البدائية المدعومة أمنيا التى وصلت إلى حد الشماتة فى ضحايا «الوايت نايتس»، تسحب من رصيد الشرعية وتمهد للإرهاب أن يتوحش وللجماعة أن تأمل فى عودة جديدة للسلطة.
بقدر ما تبدو الدولة مهزوزة فى خطابها وتصرفاتها فإن ترويع المجتمع بالعبوات الناسفة سوف يتزايد.. وبقدر عمق الفجوات بين الشرطة وشعبها فاستهداف ضباطها وجنودها سوف يأخذ مدى أخطر.
إذا كان هناك من يتصور فى هذا البلد أن عودة «الدولة البوليسية» ممكنة فإنه يحلق فى أوهامه، فمثل هذه العودة بالظروف المصرية المستجدة بعد ثورتين مشروع تقويض جديد للمؤسسة الأمنية.
ما نحتاجه دولة قانون لا دولة خوف، أن نتقدم بثبات دون صراخ ونصحح الجهاز الأمنى وفق القيم الدستورية وأن نصالحه على شعبه وفق شعاره، فالمصريون العاديون من حقهم الكرامة الإنسانية وهم الرصيد الاستراتيجى فى دحر الإرهاب.
ما نحتاجه أن نستمع إلى الأنين الشعبى من تجاوزات أمن وافتقاد عدل، فغض السمع يؤدى إلى نزيف متصل فى الثقة والشرعية وفرص المستقبل لا تحتمله مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.