استرد لبنان عافيته السياحية التى وصلت إلى ذروتها فى الستينيات وقبل الحرب الأهلية (1975 1990)، بعد أن استقرت الحالة الأمنية وتم انتخاب الرئيس ميشال سليمان فى 2008، فها هو البلد الذى يبلغ تعداده 4 ملايين نسمة، يستقبل هذا العام 2 مليون سائح منهم نصف مليون خلال فصل الصيف وهو رقم قياسى فى تاريخه. تهافت السائحون الخليجيون على مقاهى وسط المدينة، أو ما يعرف بمنطقة سوليدير، يجعل من الصعب أن تجد لك مقعدا فارغا فى ساحة النجمة منذ غروب الشمس، أو أن تتمكن من حجز منضدة فى أى مطعم من بين عشرات المطاعم التى تصطف على جانبى شارع الجميزة ذى الطابع التراثى، أو فى ملهى ليلى مثل سكاى بار المطل على البحر والذى يتسع لآلاف المرتادين كل ليلة. ندى سردوك، مدير عام وزارة السياحة اللبنانية، تتوقع أن يكون عدد السياح القادمين إلى لبنان خلال شهرى يوليو وأغسطس 500 ألف سائح... «وهذا الرقم يتضاعف تقريبا إذا ما أضفنا اللبنانيين المقيمين فى الخارج القادمين لقضاء عطلة الصيف». وتضيف سردوك: نسبة السائحين قد تزيد أو تنقص خلال شهر رمضان الذى يأتى فى الثلث الأخير من أغسطس، أى فى ذروة الموسم، فلم يتحدد بعد إذا كان السائحون الخليجيون سيقضون الشهر الكريم هنا هربا من الحر أم سيفضلون العودة إلى بلادهم لقضائه وسط الأهل». وتشير إلى أن السياحة العربية تمثل 40% من إجمالى الوافدين الذين يأتون وفقا لترتيب الأعداد من الأردن، والسعودية، والكويت والعراق بينما يمثل اللبنانيون المقيمون فى الخارج 30% وباقى الأعداد موزعة على الجنسيات الأخرى. وبحسب التوقعات فإن الدخل المتوقع من قطاع السياحة والسفر سوف يضيف 2،5 مليار دولار إلى اقتصاد لبنان فى عام 2009، أى ما يوازى 7 8 % من الدخل القومى وكان يعادل 12% من هذا الدخل قبل الحروب التى خاضها لبنان. وتؤكد سردوك أن حجم الإنفاق اليومى للسائح قد يصل إلى 20 ألف دولار فى بعض الحالات إذا ما حسبنا شراء المجوهرات أو السياحة التجميلية التى يشتهر بها لبنان. فخلال فترة الصيف تكتظ صالات انتظار عيادات أطباء التجميل اللبنانيين بالسائحين من الجنسين، ومن الطبيعى أن ترى السيدات يمشين فى الطرقات وقد حملت وجوههن آثار وخز إبر الكولاجين الذى ينفخ الشفاه أو رجال وعلى مناخيرهم ضمادات ما بعد عمليات التجميل. وكما قال يوما أحد أشهر هؤلاء الإخصائيين عن طالبى الجمال: «بييجى لنا يابانى ويطلع لبنانى». أما معدل الإنفاق العادى فيتراوح ما بين 15 و25 ألف دولار على مدة 12 إلى 15 يوما، بحسب سردوك. ويقول بول عريس، رئيس نقابة المطاعم والمقاهى اللبنانية إن «أكثر من 80% من السائحين يقيمون فى المناطق الجبلية، حيث برودة الجو والمطاعم ذات الطابع اللبنانى الأصيل، إذ يستمتعون بالأطباق اللبنانية من الكبة والتبولة والحمص وغيرها أو تدخين الأرجيلة العجمية وقد قامت معظم هذه الأماكن ذات الشرفات المطلة على أفق لبنان بالاستعانة بمطربين لجذب السياح وتسليتهم». إن السياح فى لبنان لا يفوتون الفرصة لتنويع نزهاتهم ما بين المطاعم والملاهى والسينمات، فضلا عن التسوق، بحسب عريس. وقال:«تردد أن المطاعم والمقاهى رفعت أسعارها عند قدوم أفواج الخليجيين ولكن الحقيقة أن بعض هذه الأماكن فرضت حدا أدنى للطلبات أو رسم دخول، قد يصل إلى خمسين دولارا، لأن الكثيرين كانوا يحتلون المناضد لساعات طويلة ولا يطلبون سوى زجاجة مشروب غازى مما يسبب خسارة للمقهى». ويضيف عريس أن «الأوروبيين لا يقصدون لبنان فى الصيف ويفضلون الذهاب إلى شرم الشيخ أو الغردقة فى مصر». ويواجه لبنان تحديا يتمثل فى أماكن الإقامة حيث إن البلد لديه 300 فندقا أغلبيتها من طبقة الخمسة نجوم ولا يكاد عدد الغرف يتعدى الخمسة ألاف. يقول عريس «الكثيرون من السائحين العرب يقيمون فى منازل عند قدومهم إلى لبنان، وهى إما شققا أو بيوتا يمتلكونها أو شققا مفروشة مستأجرة». وتبقى المناطق الأثرية مثل بعلبك المزار المفضل للغربيين، بينما لا يقبل عليها السائح العربى. لكن الترفيه الثقافى يحتل موقعا مميزا فى صيف لبنان بعد عودة المهرجانات الفنية عقب انقطاعها فى أثناء الحرب الأهلية أو إلغائها بسبب الحرب الإسرائيلية مع حزب الله فى يوليو 2006. واستضافت أهم ثلاث مهرجانات فى لبنان فى قلعة بيت الدين بمنطقة الشوف، ومعبد بعلبك الرومانى وقلعة بيبلوس على البحر فى جبيل لفيفا من النجوم الدوليين والعرب من أشهر فرق الروك آند رول ومطربى الأوبرا والجاز والغناء العربى الحديث والقديم. لكن إذا كانت ميزانيتك لا تسمح بالبذخ وكنت فقط من محبى «الروقان» وراحة البال فلبنان لن يخيب أملك. اشتر منقوشة أو سندوتش فلافل من أى بائع بألف وخمسمائة ليرة (دولار واحد) واجلس على الكورنيش أمام صخرة الروشة بينما هواء البحر يداعبك وصوت فيروز الملائكى يشدو «لبيروت.. فى القلب سلام لبيروت».