هناك إشارات فى الأيام والاسابيع الأخيرة قد تعطى لنا الحق فى الإحساس ببعض التفاؤل. قرار النائب العام يوم الأحد الماضى بالإفراج عن 130 من الطلاب وصغار السن كانوا محبوسين احتياطيا على ذمة قضايا عنف. قبلها بأيام كان حكم الاستئناف بتخفيف الحكم إلى عامين على المحكوم عليهم بالسجن ثلاث سنوات فيما عرف بناشطى الاتحادية وعددهم 23 شابا وشابة. وصباح الخميس الماضى قررت محكمة النقض قبول الطعن المقدم من صحفيى قناة الجزيرة فى القضية المعروفة إعلاميا بخلية الماريوت، وإعادة محاكمتهم أمام دائرة أخرى بمحكمة الجنايات التى سبق لها أن أصدرت أحكاما بسجنهم فترات ما بين ثلاثة إلى عشرة أعوام. وبعد القانون الذى صدر منذ أسابيع قليلة ويعطى رئيس الجمهورية الحق فى العفو عن بعض المحكوم عليهم أو الذين تجرى محاكمتهم وترحيلهم إلى بلدانهم ليتم التحقيق معهم غيابيا أو استكمال محاكمتهم فى بلدانهم بعد هذا القانون فإنه يحق للرئيس الإفراج عن صحفيى الجزيرة وكذلك ناشطى الاتحادية. وهناك تخمينات واسعة النطاق بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد يستخدم هذا الحق القانونى ويفرج عن المحكوم عليهم فى قضية مسيرة الاتحادية وترحيل الأجانب فى قضية خلية ماريوت قبل 25 يناير الجارى. إذا حدث ذلك فربما تكون تلك أقوى إشارة ولفتة رمزية من مؤسسة الرئاسة إلى الشباب من جهة والمهتمين بقضية حريات التعبير من جهة أخرى بأن هناك أملا فى المستقبل. السؤال الجوهرى لم يعد هل اخطأ الناشطون وخالفوا القانون فى مسيرة الاتحادية أم لا، ولم يعد أيضا هل خالف أعضاء خلية ماريوت القانون حينما أرسلوا معلومات صحفية إلى قناة الجزيرة من دون حصولهم على ترخيص. ربما يكونون قد فعلوا ذلك، لكن نحن الآن نتحدث عن الأثر والتداعيات السياسية لهذه القضية. لا أتحدث أو أعلق على أحكام القضاء، لكن أتحدث عن الآثار السياسية.. وهنا نقول إن الدولة طبقت القانون بغض النظر عن رأينا فيه حينما سجنت الناشطين فى قضية الاتحادية منذ 21 يونية الماضى. وهى حاكمت وسجنت من كانوا متهمين فى خلية ماريوت منذ أكثر من عام، وبالتالى فإن حق الدولة قد تم الوفاء به ولو بصورة نسبية. فى المقابل فإن الحكومة والنظام وصورة مصر، ربما يكونون قد تحملوا ثمنا باهظا من جراء هاتين القضيتين وأمثالهما. نعود إلى المؤشرات الإيجابية التى تعطى الأمل فى انفتاح الدولة على فئات وأصوات جديدة، ونقول إن مؤسسة الرئاسة فعلت خيرا حينما دعت العديد من الشباب إلى لقاءات الرئيس خصوصا الإعلاميين، وأخص بالذكر دعوة الزملاء والأصدقاء محمد فتحى ومحمد الدسوقى رشدى وآخرين ليسوا محسوبين على المؤيدين للرئيس. لم يخسر الرئيس حينما تمت دعوة هؤلاء وغيرهم، بل ظنى أنه كسب كثيرا، لانه رئيس لكل المصريين، وليس للمؤيدين فقط. أحسنت الرئاسة أيضا حينما دعت الكاتب وحيد حامد بعد أيام قليلة من انتقاده لبعض تصريحات الرئيس. الدول القوية والصحية والحيوية هى التى تسمع وتجلس وتتحاور مع معارضيها طالما أنهم يعملون تحت لافتة القانون والدستور. وحتى مؤسسة الشرطة تصرفت بحكمة بالغة مع بعض المقبوض عليهم من الشباب الذين اعترضوا على أحكام براءة حسنى مبارك وكبار مساعديه يوم 29 نوفمبر الماضى وما بعده. غالبية من تم القبض عليهم لم يتم إحالتهم إلى النيابة بل جرى الإفراج عنهم تباعا. وأعتقد أن الطرفين كسبا. الشباب عبروا عن غضبهم المشروع ضد براءة مبارك، والداخلية لم تتسرع فى إحالتهم إلى النيابة والقضاء وبالتالى وفرت علينا فتح بؤرة جديدة للتوتر. تحسن الدولة وأجهزتها صنعا حينما تغلق كل ما يمكنها من دمامل انتشرت فى جسد المجتمع المصرى خلال الفترة الأخيرة فى حفظ حقها بالكامل فى إجراء العمليات الجراحية أو استئصال بعض الأورام السرطانية.