هل كنا سُذجا أو غارقين فى الأوهام أم أبرياء أكثر مما ينبغى، حينما تصور معظمنا مساء يوم الجمعة 11 فبراير 2011 أن أحوالنا وأحوال مصر سوف تصبح مثالية صبيحة اليوم التالى السبت 12 فبراير، لمجرد أن حسنى مبارك قرر أن يتنحى عن السلطة، ويركب طائرته ويغادر إلى شرم الشيخ. غالبيتنا تعامل مع الأمر بحسن نية شديد، وبطيبة قلب مبالغ فيها، وثبت أننا لم نكن نتمتع بالحد الأدنى من الوعى السياسى أو حتى الوعى العام لفهم الواقع السياسى المعقد، والأهم أننا جميعا لم نكن نعرف حجم الخراب والفساد والسوس والدود الذى سببه نظام مبارك فى كل مجالات الحياة المصرية ومرافقها بلا استثناء، وأكرر هنا بلا استثناء. تصورنا وقتها أن الأزمة فى شخص الرئيس فقط أو حتى فى مجموعة مساعديه وكبار رجال الدولة أو حتى الطبقة السياسية، ثم استيقظنا على كابوس أن الكارثة تتمثل فى أن هذا النظام تسبب بحسن أو سوء نية فى إفساد كل شىء حتى نفوس وضمائر وذمم غالبية المواطنين، من أول الموظف البسيط الذى يريد رشوة علنية يباركها المجتمع ويسميها إكرامية أو «اصطباحة» إلى كبار حيتان الفساد الذين نهبوا ثروات مصر بصورة ممنهجة. لم يفلت مرفق أو مؤسسة أو قطاع أو وزارة أو هيئة من الإفساد والتخريب، ومن لديه عكس ذلك فليدلنا عليه. انظروا إلى حال التعليم والصحة والطرق والمواصلات والمرور والمرافق والبحث العلمى ومستوى الغذاء والدواء، وحالة المياه، والبيئة.. وكل شىء. للأسف أيها السادة نحن نعانى كارثة حقيقية شاملة، ولم نكتشف ذلك إلا عندما تم رفع الغطاء ووجدنا كل هذا العفن الذى تفنن نظام مبارك فى إخفائه، ووقتها أدركنا أيضا جريمة مبارك الحقيقية وهى قتل الحياة السياسية والمجتمع المدنى ومحاصرة وإفساد القوى والأحزاب المدنية، مما سهل تسليم كل البلد للتيار الظلامى المتطرف. هل ما سبق هو دعوة لليأس والتشاؤم؟. العكس هو الصحيح تماما.. لكن من المهم أن نعرف واقعنا جيدا ونشخص المرض بصورة صحيحة حتى يمكننا أن نُشفَى من هذا المرض اللعين الذى صار يشبه للأسف السرطان. من المهم أن يصل لكل فرد فى هذا البلد حقيقة الوضع المأساوى الذى نعيشه، والفارق الأسطورى بيننا وبين الأمم التى تقدمت. والأهم أن ندرك أن اللحاق بالأمم المحترمة ليس مستحيلا، بل يتطلب الالتزام ببعض الشروط الجوهرية وأهمها أن نتوقف عن «الفهلوة والبلطجة وشغل الثلاث ورقات» الذى نمارسه ليل نهار فى كل مناحى حياتنا.. وأن ندرك أنه لا تقدم من دون عمل ومن دون علم ومن دون جهد ومن دون التعلم من الذين تقدموا، وأن نتوقف عن الدجل والشعوذة والسحر الذى يظن بعضنا أنه كاف للتقدم. نظام مبارك ونظام الإخوان كانا وجهين لعملة فاسدة واحدة، حتى لو اختلفا فى اللافتة والقشور السطحية، كلاهما لا يؤمنان بالعلم أو المساواة ولا بالقيم الإنسانية السائدة، وكلاهما لعب دورا فى الكارثة التى نحياها، وإن كان نظام مبارك يتحمل المسئولية الكبرى