السنوسي محمد السنوسي فيه نكتة سمعتها من الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله -وقد كان مشهورًا بنكته ونقده اللاذع الساخر- قال: الناس خارج السجن بتاكل الفول بالسوس، أما في السجن فبياكلوا السوس بالفول!! يعني السوس الذي هو "استثناء" في طبق الفول -أو هكذا يجب أن يكون!- إذ به يتحول إلى "أصل"، ويصبح الفول هو اللي غريب في الطبق. مصر الآن مثل هذا الوضع المقلوب داخل السجن، السوس نخر في كل شبر فيها وكل جزء منها.. فبدل أن يكون بها "مجرد مشاكل"، شأن بقية الدول التي لا تخلو واحدة منها من مشكلات، إذ بمصر الآن تصبح كلها مشاكل وأزمات، بحيث من الصعوبة أن تجد مؤسسة واحدة ولا قطاعًا واحدًا دون مشكلات!! وعلى سبيل المثال، كان من حظي التعيس أن أستمع للدكتور حسن البرنس -وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب- وهو يتحدث عن الوضع الصحي في مصر.. فأدركت بكل أسف أنه وضع أقل ما يقال عنه: إنه غير آدمي!! وما يقال في الصحة يقال أيضًا في الاقتصاد والتعليم.. وفي كل قطاعات الدولة التي سلمها لنا مبارك مجرد "كيانات" على الورق، لا أقول تحتاج إلى ترميم، بل إلى كيانات أخرى.. يعني زي اللي راح للميكانيكي اللي حب يجامله، فقال له: عربيتك حلوة وزي الفل، بس عايزة موتور وخمس فِرد كاوتش (لا تندهش، منهم واحدة استبن!) وعايزة كراسي وشكمان وبويه وزجاج وبس!! ولَمّا هي عايزة كل ده وبس، أمال اللي قدامك ده يبقى إيه؟! أكيد يبقى أي حاجة تانية، إلا أن يكون عربية!! فمؤسسات مصر الآن تحتاج إلى مؤسسات.. لا ينفع معها الترميم ولا الترقيع ولا التجميل.. هل الغرض من هذا الكلام، هو بث اليأس في النفوس، وزيادة جرعات الإحباط والتوهان اللي موجودة عند كثيرين؟! أكيد لا، لسبب بسيط هو أننا لا نملك إلا الأمل، فإذا فقدنا الأمل فلن يبقى لنا شيء.. الغرض هو أن ندرك بجد حجم الفساد والكارثة والحفرة التي أوقع النظام السابق مصر فيها، علشان تأتي الخطوة التالية وهي أن ندرك حجم الجهد الجبار المطلوب منا، من كل واحد فينا بلا استثناء، ما دام يحب مصر، أما اللي مابيحبهاش فده له كلام تاني ليس هذا مكانه. يجب أن ندرك ونحن ندير حواراتنا، مثلاً حول الدستور أو انتخابات الرئاسة أو أي قضية أخرى، أننا لا نملك "ترف" الجدال والنقاش والفلسفة والحوار اللي مالهوش آخر ولا فايدة.. لازم نكون عمليين مش سفسطائيين يتناقشون لذات المناقشة وليس بالضرورة للوصول إلى حلول عملية قابلة للتطبيق والتنفيذ. مع الأسف فيه ناس كتيرة خاصة في الفضائيات، عندما تسمعهم تشعر بأنهم يتناقشون في بلد أحواله متظبطة مية مية وكله تمام والدنيا ربيع (لكنهم ما بيقفلوش على كل المواضيع!!) تحس إنهم في الطراوة! يا عم الحاج إنت وهو: البلد بيغرق وانتم عمالين تتكلموا حوالين كلام لا يمتّ للواقع بصلة.. فين الكلام العملي والتصدي للمشكلات العاجلة التي لا تحتمل التأخير؟! فين صحة المواطن وضبط الأمن ووقف نزيف الاقتصاد ومحاربة البلطجة.. من مناقشاتكم.. صحيح أنه قد يكون ما تتناقشون فيه له أهمية، لكنها ليست عاجلة.. أين الإحساس بالمسئولية الوطنية، وبمعاناة الناس وآلامهم في حوارات المثقفين والسياسيين الذين يصرون على البقاء في أبراجهم العاجية الخيالية، حتى بعد الثورة التي فضحتهم وكشفت بُعدهم الكبير عن ملامسة هموم الوطن والمواطن. كان كلامهم صرحًا من خيال، فطرحته الثورة أرضًا، وقضت عليه بالضربة القاضية.. لكنهم في غيّهم يعمهون، ويفضّلون السير في طريقهم حتى لو كانت نهايته مزيدًا من الخراب والانفصال عن واقع الناس. من كان يحب مصر فليقل خيرًا أو ليصمت وينقطنا بسكوته.. وليرحل مع عصر مبارك، فمصر لا تحتاج إلا العاملين.