قبل أن تبدأ موجة المشروعات القومية الكبرى، عاش المصريون حلم صندوق «تحيا مصر» لمدة أسابيع، ثم انتهى كل شىء. تم تدشين صندوق «تحيا مصر» لدعم الاقتصاد، فى بداية يوليو، وتحمس كثير من رجال الأعمال للمبادرة، وقدموا المليارات الخمسة الأولى فى حساب الصندوق دفعة واحدة، خلال مأدبة إفطار مع الرئيس فى منتصف يوليو، ثم توالت التبرعات. وتحمس الإعلام لحث القادرين على التبرع، تحت شعار «حتدفع يعنى حتدفع». وقال أحمد موسى إن الرئيس «مش حيبطل كلام عن الصندوق إلا لما يوصل إلى 100 مليار جنيه». وأباح د. أحمد عمر هاشم، العالم الأزهرى، إخراج الزكاة للصندوق لصالح مشروعات خيرية لأن «ثوابها مستمر بعد الموت»، وعلى لسان قيادى بحزب النور وصفت الدعوة السلفية التبرع للصندوق بأنه «واجب شرعى». ووصل العنفوان ببعض شباب الأحزاب والحركات الشبابية إلى الحديث عن «قائمة سوداء» لرجال الأعمال الذين لا يتبرعون. تداولت الصحف أرقام تبرعات ضخمة لرجال الأعمال، وأخرى رمزية لمواطنين بسطاء. وتسابق المسئولون فى إصدار قرارات تخلق مصادر متنوعة للصندوق، مثل التبرع بحصيلة بيع لوحات السيارات المميزة، وعائدات الحفل الأعلى دخلا فى الأوبرا شهريا. واستجاب مواطنون للفكرة فى لفتات مؤثرة. سيدة تنازلت عن قرطها أو ثلث معاشها. طفلة الإسماعيلية هنا إبراهيم، 5 سنوات، أرسلت حصالتها. شاب فيومى، 24 سنة، عرض فى برقية للرئيس التبرع بأعضائه البشرية للصندوق. على مائدة الإفطار مع رجال الأعمال، قال الرئيس إن لجنة إدارة أموال «تحيا مصر»، يرأسها شيخ الأزهر، وبابا الإسكندرية وعضوية الوزراء الثلاثة، للاستثمار، والمالية، والصناعة والتجارة، بالإضافة إلى «بعض» رجال الأعمال، فمن يقود سياسات الصندوق؟. لا إجابة رسمية. التقارير الإعلامية التى تابعت الحملة تحدثت عن «تحديات» تواجه الفكرة، منها غياب الآليات القانونية والمصرفية المحددة، وعدم إخضاع التبرعات لإشراف رسمى مباشر من الدولة، وعدم الإعلان بشفافية عن أسماء المتبرعين والمبالغ التى دفعوها، بالإضافة إلى تاريخ سلبى لحملات جمع الأموال لمصر: لدعمها، لسداد ديونها، لإنقاذها من المعونة الأمريكية، وغيرها. كم جمع الصندوق؟ لا إجابة رسمية، لكن بوابة «فيتو» نقلت فى 15 يوليو عن مسئول بالبنك المركزى، أن الصندوق « فرض السرية على حساباته لعدم الكشف عن إجمالى ما توصل إليه، والإعلان على الحسابات سيكون من خلال الأطراف المتبرعة». بحثت عن إجمالى ما دفعته «الأطراف المتبرعة» على جوجل ساعات طويلة. عثرت أولا على تصريح وحيد لمصدر مسئول، فيتو فى 27 يوليو، بأن الإجمالى اقترب من 9 مليارات جنيه فى شهر واحد». أعددت من جوجل قائمة التبرعات المالية، ولا أملك دليلا على أنها «كل» التبرعات. أهملت المبالغ أقل من مليون جنيه. أهملت تبرعات العاملين والموظفين وحفلات الأوبرا والتبرعات العينية، مثل اللمبات الموفرة من أبو هشيمة. أهملت المجوهرات وحصالات الأطفال وقيمة أسهم بالشركات، كما فى حالة رجل الأعمال أحمد بهجت. أصبحت القائمة تضم المبالغ المالية الأعلى من مليون جنيه، واكتشفت أن الإجمالى يقترب فعلا من 9 مليارات جنيه. بالضبط: 8.420 مليار جنيه. هذه المليارات هى الحد الأدنى لحصيلة صندوق «تحيا مصر» وهى كافية لأن تحيا مصر بصورة أفضل، ولأن تصنع المستقبل كما يتمناه أصحابه. الحماس دفع الشاب الفيومى إلى التبرع بكل أعضاء الجسم لكى يشترى المستقبل، فأين المستقبل؟