أرست محكمة القضاء الإدارى مبدأ قضائيا جديدا بإلزام الدولة بجميع تكاليف علاج المواطنين الذين تصدر لهم قرارات علاج على نفقة الدولة، سواء كان هذا العلاج في الداخل أو الخارج، وأيا ما كانت تكلفته وطريقة سداده، ما دامت التقارير الطبية تؤكد أنه لا سبيل للشفاء من المرض إلا بهذا العلاج. صدر الحكم برئاسة المستشار عبدالمجيد المقنن، وعضوية المستشارين محمد حازم البهنسي ومحمود فؤاد عبدالعزيز، وسكرتارية سامي عبدالله، لصالح المواطن (م.ح.م) بإلزام الدولة بتحمل تكلفة علاجه من ورم بالمخ والغدة النخامية بمستشفى جامعة كيل بألمانيا، وبإلغاء قرار وزير الصحة رقم 3 لسنة 2013 بالمساهمة في نفقات علاجه بمبلغ 12 ألف يورو فقط، لعدم كفاية المبلغ لتغطية تكاليف العلاج أو حتى دخول المستشفى. ذكر المريض في دعواه أن الإدارة العامة للمجالس الطبية بوزارة الصحة والسكان قررت أنه يعاني ورما بالمخ والغدة النخامية، وبتاريخ 31 مارس 2013 وافق مدير عام الإدارة على استكمال علاجه على نفقة الدولة بقسم «جاما نايف» بالمركز الطبي العالمي للقوات المسلحة لمدة 30 يوما، لكن وبتاريخ 24 أبريل 2013، أي قبل مضي فترة العلاج، أوصى المركز الطبي العالمي بإجراء جراحة للمريض، نظرا لوجود ورم بقاع المخ ملاصق تماما للعصب البصري. وبناء على ذلك أصدر وزير الصحة قرارا بالموافقة على علاجه بألمانيا والمساهمة بمبلغ 12 ألف يورو فقط شاملة تكاليف العلاج ومصاريف السفر ورسوم التحويل وبدل السفر بواقع 50 يورو في الليلة، رغم أن تكاليف دخول المستشفى وحدها تبلغ 25 ألف يورو، وهو ما لم تنكره وزارة الصحة أثناء التقاضي. قالت المحكمة إن «دساتير مصر المتعاقبة، وآخرها دستور 2014 وضعت التزاما دستوريا على الدولة بعلاج مواطنيها بالمجان، خاصة غير القادرين منهم» مشددة على أن «هذا الالتزام لا تستطيع الفكاك منه بحجة عدم توافر الاعتمادات المالية أو تحت أي ذريعة أخرى». وأضافت المحكمة أنه فى هذا الإطار صدر قرار رئيس الجمهورية بتنظيم علاج المواطنين على نفقة الدولة، وأوجب تشكيل مجالس طبية متخصصة فى فروع الطب المختلفة تختص بفحص الحالة الصحية لطالبي العلاج فى الخارج، وأن تقدم تقريرا بحالة طالبى العلاج وتحدد توصياتها عن حالاتهم المرضية، وتوصي بعلاج المريض في الخارج إذا لم تتوافر إمكانية علاجه داخل مصر واقتضت حالته ذلك. وانتقدت المحكمة سلوك وزارة الصحة بالاكتفاء بدفع جزء من مبلغ العلاج قائلة: «التكفل بالعلاج بالداخل أو الخارج هو التزام دستوري لا يمكن إنكاره، خصوصا أن المدعي غير قادر على تحمل نفقات العلاج لأنه لا يعمل ويعول أسرة مكونة من زوجة و3 أولاد». كما أصدرت المحكمة حكما آخر لصالح المواطن (ح.أ.غ) بإلزام هيئة التأمين الصحى بعلاجه داخل مصر من مرض الفشل الكبدي والتليف الكامل بفيروس «ب» وذلك على نفقة الدولة، بعد أن أجمع الأطباء على أنه لا علاج لحالته المتردية إلاّ بإجراء عملية زرع كبد، حسبما ورد بتقريرين من المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة ومستشفى دار الفؤاد الخاصة. أكدت المحكمة أن «الدولة ملتزمة من خلال أجهزتها وهيئاتها ومن بينها العامة للتأمين الصحى بالعلاج والرعاية الطبية لجميع المواطنين بما فى ذلك إجراء العمليات الجراحية، وهذا الالتزام لا يسقط عن الدولة إلا باستقرار الحالة المرضية أو الشفاء، وأن هذا ليس هبة من الدولة تمنحها لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء، ولكنه من أقدس واجباتها التي لا تستطيع بأي حال التنصل منها تحقيقا لخير الوطن ونشرا للأمن والسلام الاجتماعي بين جميع طبقات الشعب». وقررت المحكمة عدم الاعتداد بتوجيهات رئيس الوزراء عام 2001 بتحديد مبلغ المساهمة بخمسين ألف جنيه، لما فى ذلك من تعارض مع حق العلاج والرعاية الطبية المنصوص عليها في الدستور، موضحة أنه «لا يجوز التذرع بقلة الموارد لأن صحة المواطن أهم وأغلى من المال، وهي من أعلى مراتب الأولوية التي يتعين على الدولة الاهتمام بها».