مدبولي: نعمل مع الوزارات المعنية على تسهيل إجراءات التسجيل العقاري للوحدات السكنية    تعاونيات البناء والإسكان تطرح وحدات سكنية ومحلات وجراجات للبيع بالمزاد العلني    برنامج الأغذية العالمي: الوضع الإنساني بقطاع غزة كارثي.. ومخزوننا الغذائي بالقطاع نفد    بيروت ترحب بقرار الإمارات بالسماح لمواطنيها بزيارة لبنان اعتبارا من 7 مايو    رئيس حزب فرنسي: "زيلينسكي مجنون"!    فاركو يسقط بيراميدز ويشعل صراع المنافسة في الدوري المصري    سيل خفيف يضرب منطقة شق الثعبان بمدينة طابا    انضمام محمد نجيب للجهاز الفني في الأهلي    أوديجارد: يجب استغلال مشاعر الإحباط والغضب للفوز على باريس    زيزو يخوض أول تدريباته مع الزمالك منذ شهر    إسرائيل تدرس إقامة مستشفى ميداني في سوريا    التموين: ارتفاع حصيلة توريد القمح المحلي إلى 21164 طن بالقليوبية    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    حرس الحدود بمنطقة جازان يحبط تهريب 53.3 كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    استشاري طب شرعي: التحرش بالأطفال ظاهرة تستدعي تحركاً وطنياً شاملاً    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    البلشي يشكر عبد المحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين والجمعية العمومية    ترامب يطالب رئيس الفيدرالي بخفض الفائدة ويحدد موعد رحيله    الهند وباكستان.. من يحسم المواجهة إذا اندلعت الحرب؟    حادث تصادم دراجه ناريه وسيارة ومصرع مواطن بالمنوفية    التصريح بدفن جثة طالبة سقطت من الدور الرابع بجامعة الزقازيق    ضبط المتهمين بسرقة محتويات فيلا بأكتوبر    تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال    مفتي الجمهورية: نسعى للتعاون مع المجمع الفقهي الإسلامي لمواجهة تيارات التشدد والانغلاق    23 شهيدًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    مديرية العمل تعلن عن توفير 945 فرصة عمل بالقليوبية.. صور    رسميًا.. إلغاء معسكر منتخب مصر خلال شهر يونيو    مورينيو: صلاح كان طفلًا ضائعًا في لندن.. ولم أقرر رحيله عن تشيلسي    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    نائب وزير الصحة يُجري جولة مفاجئة على المنشآت الصحية بمدينة الشروق    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    الداخلية تعلن انتهاء تدريب الدفعة التاسعة لطلبة وطالبات معاهد معاونى الأمن (فيديو)    رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025 ونظام الأسئلة    رغم توقيع السيسى عليه ..قانون العمل الجديد :انحياز صارخ لأصحاب الأعمال وتهميش لحقوق العمال    في السوق المحلى .. استقرار سعر الفضة اليوم الأحد والجرام عيار 925 ب 55 جنيها    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    كندة علوش: دخلت الفن بالصدفة وزوجي داعم جدا ويعطيني ثقة    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    إعلام الوزراء: 3.1 مليون فدان قمح وأصناف جديدة عالية الإنتاجية ودعم غير مسبوق للمزارعين في موسم توريد 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : انت صاحب رسالة?!    تقرير المعمل الجنائي في حريق شقة بالمطرية    بالفيديو.. كندة علوش: عمرو يوسف داعم كبير لي ويمنحني الثقة دائمًا    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    غدا.. الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" للموهوبين بالبحيرة    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون بين البلدين    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يموتوا لنحيا
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 09 - 2014

أهاتف صديقتى لأحدد معها موعدا لتناول العشاء فتخبرنى أنها لن تستطيع لأنها ستبدأ إضرابا عن الطعام! صديقتى زوجة وأم لطفل شقى وجميل اسمه «شيكو» وعليها مسئوليات كثيرة ما الذى يدفعها للإقدام على مثل هذا الفعل؟ أخاف عليها فأحادث صديقة أخرى طبيبة وأستاذة جامعية فتخبرنى أن ابنها «حسام» وصديقنا المهندس الاستشارى الذى تخطى الستين مشاركين أيضا فى هذا الإضراب مع العشرات ممن لا أعرفهم. تعلمنا فى السياسة أن الإضراب عن الطعام هو وسيلة أخيرة للمساجين والمعتقلين للتعبير عن مطالبهم بعد أن يفقدوا كل سبيل آخر للنضال السلمى. ولما كانوا مسلوبى الحرية تصبح أجسادهم وهى فى حوزة السجان مساحتهم الوحيدة للفعل. ولكن حتى بالنسبة للمساجين فالإضراب عن الطعام هو آخر ما يلجأون إليه بعد المفاوضات والمناشدات والعرائض وكل أدوات النضال السلمى، لأنه بحكم التعريف «سلاح خطير» من الممكن أن ينتهى بموت مستخدمه وليس سجانه. إذا ماذا يدفع هؤلاء وهم ليسوا مساجين أن يقدموا على هذا الفعل؟
الإجابة باختصار هى الظلم ومصادرة كل الوسائل الأخرى لدفع هذا الظلم عمن سلبت حريتهم بدون سبب داخل السجون. المهندس عادل وحسام وأم شيكو وآخرون بدأوا إضرابا تضامنيا مع محمد سلطان المحبوس منذ أكثر من عام دون صدور حكم ضده وبعد أن فقد 45 كيلو من وزنه منذ بدء إضرابه عن الطعام داخل السجن احتجاجا على تلفيق التهم إليه، ورشا وهند منير الأمهات اللاتى حكم عليهن بالمؤبد تاركات ورائهن أطفالا لم يتجاوزوا العاشرة من العمر لمجرد أنهن شاركن فى مظاهرة. أعداد المضربين عن الطعام داخل السجون المصرية تتزايد كل يوم ولكل منهم قصة تتخطى كونه أو كونها رقما داخل زنزانة، قصة تدفعهم للمخاطرة بحياتهم فى محاولة أخيرة لدفع ظلم بيِن وقع عليهم ولم يجدوا وسيلة لإزاحته، بدءا من تلفيق التهم مرورا بالأوضاع السيئة والتعرض للتعذيب داخل الحجز وانتهاء بمعاقبتهم بفترات طويلة من الحبس الاحتياطى دون وجه حق أو محاكمتهم بموجب قانون التظاهر غير الدستورى. الجديد الآن أن ينضم لهم مضربون ممن هم خارج السجون ولم يقع عليهم هذا الظلم بشكل مباشر.
•••
هؤلاء قرروا كما قرر غاندى من قبلهم فى الهند أنه بعد مصادرة كل وسائل النضال السلمى من المجتمع سواء كان الحق فى التظاهر أو الاحتجاج على قانون أو نظام حكم، وبعد أن أصبحت أحكام الإعدام أسهل وأسرع فى إصدارها من استخراج بطاقة الرقم القومى وبعد أن أصبح الإعلام يجرم أى مختلف على أنه خائن أو عميل، قرروا أن المساحة الوحيدة التى مازالوا يملكونها بشكل نسبى هى أجسادهم. وضع حزين أن يصبح من هو داخل السجن كما من خارجه فى انحسار القدرة على الفعل والتعبير حتى لا يبقى لهم إلا استخدام أجسادهم ولكنه أيضا وضع خطير لأن فى مقابل من سيستخدم جسده بشكل سلمى عن طريق الإضراب عن الطعام هناك آخرون سيدفعهم انسداد الأفق السياسى لاستخدام أجسادهم كقنابل موقوتة بالمعنى الحرفى.
لا أعلم إذا كان النظام أو حتى قطاع كبير من المجتمع سيدرك فداحة وخطورة الوضع ويرى هذه النذر أنه علامات لوضع مترد وخطير أم أن موجة الفاشية الزائفة الفرحة بقتل قطاعات من المصريين والمصرة على أنه لا سبيل «للتقدم» وبناء الوطن إلا على أجساد جزء من أبنائه ستظل سائدة حتى تبلغ بنا نقطة النهاية. ولكن ما علمنا إياه التاريخ أن باستثناء حالات قليلة لم يكن هناك نضال أو قضية وصل بمدافعيها أن يتبنوا الإضراب عن الطعام إلا وانتصرت قضيتهم فى النهاية، حدث هذا فى الهند وإيرلندا فى نضالهما ضد الاحتلال البريطانى وفى أمريكا وبريطانيا فى نضال النساء للحصول على حقهم فى التصويت. كان الثمن فادحا فى بعض الحالات وفقد البعض حياتهم فى هذا النضال ولكنهم انتصروا فى النهاية.
•••
ما أعلمه كذلك أن الجزء الأكبر من الإعلام لن يهتم بحياة هؤلاء مثلما أهتم بمن طلب التبرع بأعضاء جسده لصندوق تحيا مصر أو لمصر شخصيا (لا أعرف ما هو المنطقى أو المفيد أو حتى معنى أن يطلب أحدهم التبرع بأعضائه لمصر)، وربما حتى يرى البعض أن هذا المتبرع هو الوطنى والمضربين عملاء وخونة أو حتى مضحوك عليهم لأن النظام على مر سنين طوال نجح فى تصدير أكذوبة أن هناك كيانا منفصلا اسمه مصر أو الوطن مفصول عن أحوال مواطنيه وظروفهم والظلم الواقع عليهم. هؤلاء المضربون اختاروا ألا يصدقوا الأكذوبة وأن يروا أن مصر هى المصريون فإن وقع ظلم على مواطنين مصريين حتى وإن لم يعرفوهم تصبح نصرتهم هى السبيل الوحيد لنصرة الوطن. فتحية لأكثر من ستين مضربا داخل السجون كلهم محبوسون على خلفية قضايا سياسية وتحية لكل من تضامن معهم ولم يعرفهم ولكنه آمن بعدالة قضيتهم وحقوقهم فصام عن الطعام مثل أى عابد. وللقطاع الأكبر الذى أصبح يعتقد أن كل من لا يطبل للحاكم هم نشطاء «سبوبة» أو عملاء وأن ما بدأ فى ثورة يناير لا يعدو كونه مؤامرة، أدعوكم لمعرفة قصص المضربين أدعوكم للتعرف على معركة الأمعاء الخاوية ونموت لنحيا وقصص بشر غيبتهم السجون لأنهم آمنوا بمسئوليتهم عن بناء وطن أفضل. أخيرا، أقول كما قالوا وسموا حملتهم «الحرية للجدعان».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.