وزيرا التعليم العالي والتنمية المحلية يشهدان احتفالية انضمام 3 مدن مصرية إلى شبكة اليونسكو لمدن التعلم    البابا تواضروس يستقبل الأنبا باخوميوس بالمقر البابوي بوادي النطرون    ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 23 ديسمبر 2025    انخفاض أسعار النفط نتيجة ترقب قرار أمريكي بشأن الخام الفنزويلى    خالد أبو المكارم ممثلاً لغرفة الصناعات الكيماوية بمجلس إدارة اتحاد الصناعات    وثائق جديدة لجيفرى إبستين ورد فيها ذكر اسم ترامب مرارًا.. تفاصيل    ترامب: المحادثات مع روسيا وأوكرانيا تسير بشكل جيد    قافلة المساعدات ال100 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة في كأس عاصمة مصر.. والقنوات الناقلة    معروف وطه وعاشور يديرون مباراة بوركينا فاسو وغينيا الإستوائية بأمم أفريقيا    الأرصاد: سقوط أمطار خفيفة وأجواء شتوية على شمال البلاد    18 يناير أولى جلسات قضية مقتل زوجة على يد زوجها فى المنوفية    النيابة الإدارية تكشف تفاصيل التعدى على تلميذة فى مدرسة للصم    تصريح مفاجئ من دفاع المتهم بقتل عديله ب20 طعنة فى الإسكندرية    وزير الأوقاف: مشاهدات دولة التلاوة تجاوزت المليار مشاهدة    عصام عمر يقتحم ملفات الفساد في «عين سحرية»    وزير الثقافة يلتقى خالد الصاوى لبحث إنشاء المركز الدولى للتدريب على فنون المسرح    بالفيديو.. الحمصاني: منظومة التأمين الصحي الشامل وحياة كريمة تمسان الخدمات الأساسية للمواطنين    مدرب زيمبابوي: جودة لاعبي مصر حسمت النتيجة.. ونشعر بالإحباط    بعد وفاة الطفل يوسف| النيابة تحيل رئيس وأعضاء اتحاد السباحة للمحاكمة الجنائية العاجلة    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    رئيس الوزراء: مبادرة «حياة كريمة» أكبر مشروعات القرن الحادي والعشرين    سعر الريال القطرى اليوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 فى بداية التعاملات    أرقام قياسية تزين افتتاحية الفراعنة فى أمم أفريقيا.. صلاح يدخل التاريخ    القاهرة: السيطرة على حريق نشب بأحد مخازن الخشب بحى المرج وتشكيل لجنة هندسية لبيان مدى تأثر العقارات المجاورة    بعد قليل، نظر جلسة محاكمة سارة خليفة و27 آخرين في قضية المخدرات الكبرى    قافلة المساعدات ال100 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    وزيرة التخطيط تعقد جلسة مباحثات مع وزير الاقتصاد الأرميني لمناقشة الشراكة الاقتصادية بين البلدين    أسعار السمك اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة الأقصر    وفاة والد الفنان أحمد عبد الحميد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    عبد الغفار: مصر ملتزمة بدورها المحوري في دعم التعاون الصحي الإفريقي    وزير الصحة يناقش مع مدير المركز الأفريقي للأمراض تطوير آليات الاستجابة السريعة للتحديات الصحية الطارئة    قائد الجيش الثاني الميداني: لن نسمح بأي تهديد يمس الحدود المصرية    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    بدء الصمت الانتخابي في إعادة انتخابات النواب بالدوائر ال19 الملغاة    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    الرئيس الفنزويلي: الطاقة يجب ألا تتحول إلى سلاح حرب    "بسبب غاز السخان" النيابة تحقق في وفاة عروسين    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    مشروع قومى للغة العربية    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    أمم إفريقيا - مؤتمر حسام حسن: كنت أحمل هم الجماهير في مصر.. وصلاح يصنع الفارق    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    منتخب مصر يتفوق بصعوبة على زيمبابوي 2-1 في افتتاح البطولة الأفريقية    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشرطة الأمريكية فى معركة مع الغاضبين
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 08 - 2014

تشهد الولايات المتحدة هذه الأيام تطورات سريعة يصاحبها جدل كبير حول قضية مقتل المراهق الأمريكى مايكل براون برصاص ضابط شرطة. وقع الحادث فى ضاحية فيرجسون وهى جزء من مقاطعة سانت لويس بولاية ميتسورى، التى تحمل تاريخا قديما من العنف العنصرى. لا يدور الجدل حول السبب الذى دفع شرطيا إلى تصويب سلاحه وإطلاقه نحو شاب صغير السن، أعزل، مستسلم، فقط، بل حول مجموعة من الملفات والقضايا الشائكة التى قفزت لتتصدر مقالات الصحف ووسائل الإعلام فور وفاة براون؛ وكأنما كانت تنتظر الحدث المناسب كى تفرض نفسها، وتحتل نصيبا وافرا من الاهتمام.
من بين القضايا المطروحة للنقاش ما يسمى «عسكرة الشرطة»؛ وهو تعبير يشير إلى تحول مؤسسة الشرطة المدنية إلى تنظيم أشبه بتنظيمات الجيوش المحاربة. تؤكد بعض التقارير أن تسليح الشرطة الأمريكية فى الفترة الماضية يأتى من القوات العائدة من أفغانستان والعراق. تقوم هذه القوات بتجديد تسليحها وتحديثه، ومن ثم ترسل بالأسلحة والأدوات التى تم استخدامها إلى مراكز الشرطة المحلية، وقد أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن فيرجسون التى شهدت وفاة براون، كانت ضمن ضواحى ومدن لا حصر لها، تلقت أسلحة من الجيش عام 2013، والأمر فى مجمله جاد وخطير؛ فالآليات والأدوات المخصصة للحروب لا يمكن بحال أن تنتقل إلى أيدى الأشخاص المكلفين بحفظ الأمن داخل المدن، حيث يساء استخدامها.
تتبدى الشكوك حول أهمية وجود هذا النوع من التسليح، وأسباب احتياج قوات الشرطة إليه، خاصة أن تمويله يستقطع من دخول المواطنين، الذين يدفعون الضرائب تحت مسمى يبدو خادعا؛ «منع» أو «مواجهة» الإرهاب، ولم يكن براون إرهابيا بحال.
•••
القضية الثانية تتعلق باستخدام القوة المفرطة والعنف المبالغ فيه. ذكر سكان فيرجسون أن قوات الشرطة المدججة بالسلاح أخذت تستعرض عدتها وعتادها أمامهم كما لو كانت تستعد لمعركة، وتقوم بردود أفعال شديدة العنف تجاه أى فعل بسيط؛ قالوا إن مجرد اقتراب بعض المحتجين الذين يحملون اللافتات من ضابط أو جندى كان يقابل بإلقاءٍ مكثفٍ لقنابل الغاز، وبإطلاق الرصاص المطاطى، ويبدو أن التمادى فى التسليح وفى الحفز المعنوى، أدى إلى تصرفات شديدة المبالغة وغير منطقية، وأن الشعور بالقوة والقدرة على سحق الآخرين، قد انتقل بالتالى إلى حيز الفعل. بعض الكتاب الأمريكيين يربطون بين الوضع الحالى للشرطة وبين أحداث الحادى عشر من سبتمبر وما أعقبها من ذعر تمكن من الجميع، وعزز احتياجهم إلى الحماية. أظن أن هذا الذعر وما صاحبه من أجواء الشحن الإعلامى، أورث أفراد الشرطة قناعة داخلية بأن ثمة عدوا رابضا، وأن هذا العدو قد يكون فردا عاديا لا تظهر عليه بالضرورة علامات الشر. هذا الاعتقاد الذى ترسخ بمرور الوقت، جعل من المواطنين كلهم أعداء محتملين، وجعل من الشرطى الذى تضاعفت ثقته بنفسه جراء ما حصل عليه من مميزات، شخصا مستعدا للقتال وللقتل أيضا حين تتاح الفرصة، كما دعم شعوره بالفوقية والتعالى، خاصة فى مواجهة من يعتبرهم أقل شأنا وقيمة، وكلما وجدت لديه خلفية ثقافية تسمح بممارسة الاضطهاد تفاقم سلوكه العدائى.
•••
خرجت أصوات متعددة ومتباينة التوجهات، تنادى بإنهاء عسكرة الشرطة، وبوقف تسليحها بأسلحة الجيش كخطوة أولى للحد من الإفراط فى استخدام القوة. من بين هذه الأصوات يمينيون ويساريون، ومدافعون عن الحقوق المدنية والإنسانية؛ اتفقوا على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة فى هذا الشأن، فأفراد الشرطة راحوا يستخدمون القوة المميتة دون ضوابط، والمشاهد التى ظهرت فى الفيديوهات، والصور الفوتوجرافية التى التقطتها الكاميرات؛ تبرزهم فى زى مموه كزى جيوش الاحتلال، تختفى رءوسهم فى خوذات ضخمة، وتغطى وجوههم كمامات واقية من الغازات، وفى أيديهم وهو المأخذ الرئيس بنادق وأسلحة لا يمكن أن تظهر بحال فى ضاحية صغيرة مثل فيرجسون، قوامها واحد وعشرون ألف نسمة فقط، إلا إذا كانت فى حال الحرب.
استفز المواطنين مرأى المدرعات التى تقتحم الشوارع، والبنادق المرفوعة فى وجوههم، ونشرت الصحف الأمريكية صورا لجندى متجهم يعتلى مدرعة وأمامه شىء يشبه المدفع، وتوجتها بتعليق ساخر، يؤكد أن الجندى ينتمى إلى الشرطة الأمريكية فى فيرجسون، لا إلى القوات المقاتلة فى العراق. وصل عدم الاستيعاب وعدم التصديق لأن علق بعض الكتاب على المشاهد المنقولة من فيرجسون بأنها لا يمكن أن تكون قادمة من قلب أمريكا؛ وأنها على الأرجح تنتمى إلى منطقة تعج بالفوضى فى شرق أوروبا؛ أو ربما هى مأخوذة من كييف أو القاهرة. ذكر تعليق آخر أن الصور تبدو منقولة رأسا من «ميدان التحرير».
على كل حال، حاولت الشرطة منع التصوير، واعتقلت بعض المراسلين ومنهم مراسل صحيفة الواشنطن بوست، لكن المنع والاعتقال لم يؤديا إلا إلى مزيد من الغضب والحنق، ومزيد من الاحتجاج والتنظيم.
•••
قضية أخرى أثارها مقتل براون هى قضية العنصرية التى ما انفكت تصعد إلى السطح يوما بعد يوم فى مجتمع ظن، وظن به العالم، أنه تخلص تماما من كل أثر للاضطهاد والتمييز، خاصة وقد وصل إلى أرفع مناصبه رجل داكن البشرة أفريقى القسمات. صار أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، لكن الظنون المتعلقة بإرساء المساواة والعدالة وعدم التمييز لا تزال تتبدد مع كل حادث يروح ضحيته شاب أو رجل أسود، على يد آخر أبيض، دون ذنب أو جريرة، ودون مبرر مقبول. الجدل الدائر حول قضية العنصرية دفع بأسئلة كثيرة استفاضت فى الرد عليها أقلام لكتاب ومفكرين مختلفى المشارب، كما دفع إلى الواجهة بأرقام ونسب وإحصاءات، تظهر مدى تجذر التفرقة القائمة على اللون والعرق، وتلوح أمام الجميع بأن المجتمع ذا القشرة البراقة، المستقرة ظاهريا، يخفى تحت سطحه توترا حقيقيا قابلا للانفجار فى أى وقت.
وردت فى مقالة شارلز بلو إشارات لتقارير وبيانات حول الحقوق المدنية للسود. أشار أحدها إلى أن الطلاب الملونين وأصحاب الأصول اللاتينية يحظون بمعلمين أقل كفاءة وخبرة وأجرا من أقرانهم البيض، وأشار تقرير آخر إلى أن معدل تسرب الذكور أصحاب البشرة السوداء من التعليم يعادل مرة ونصف المرة مثيله لدى الذكور البيض، بل وورد مؤشر فى عام 2013 يفيد أن سكان ضاحية ميتسورى السود أصبحوا أكثر عرضة للتوقيف عن طريق الشرطة بنسبة 66% مقارنة بالسكان البيض، وهى نسبة مخيفة. السؤال الذى لم أتمكن من معرفة إجابته هو: كيف تكون لضاحية يتركز فيها المواطنون أصحاب البشرة السمراء، شرطة يتكون أغلبها من ضباط ذوى بشرة بيضاء وشعر أشقر؟
لا شك أن عملية التمييز التى يختبرها الشخص طيلة حياته تترك أثرا لا ينمحى فى عقله وعلى مسلكه. يتساءل تشارلز بلو فى مقالته وهو بالمناسبة رجل داكن البشرة عن كنه العطب النفسى الذى قد يصيب «العقل الأسود» حين يتوجب عليه التعامل مع مخاوفه من امتلاك «جسد أسود». توقفت أمام الوصف القاسى، وكذلك أمام التساؤل الذى لا تصادفه قطعا إجابة مرضية، فالدراسات تنبئ عن استجابات عنيفة وأخرى منطوية منعزلة وكلاهما يفضى إلى حصاد شديد المرارة والسلبية.
•••
على كل حال أدت وفاة براون لاحتجاجات بدأت صغيرة ثم اتسع نطاقها، وصارت تبشر بحركة منظمة تطالب بتحقيق العدالة والمساواة بعيدا عن الشعارات الجذابة السطحية، ووعود الحملات الانتخابية. المطالب المرفوعة حتى اللحظة تتلخص فى إنهاء احتلال قوات الشرطة لضاحية فيرجسون، وانسحابها بكامل عتادها وقنابلها ورصاصها المطاطى وذخيرتها الحية، وتوقيف الضابط الذى أطلق النار على مايكل براون واتهامه بالقتل، وكذلك العفو غير المشروط عن هؤلاء الذين اعتقلوا منذ يوم الأحد الموافق للعاشر من أغسطس، أى مع اندلاع الاحتجاجات. المطالب حتى الآن متواضعة، والتطورات المتسارعة تشير إلى ما قد يصبح أكبر وأعمق من عريضة، يوقعها مئات أو آلاف المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.