وعادت مصر للمشاركة فى أنشطة الاتحاد الأفريقى بعد حوالى عام من الغياب عن المنظمة القارية. وقد توجت المشاركة المصرية فى قمة الاتحاد الأفريقى التى عقدت فى مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، الأسبوع الماضى نشاطا مكثفا للدبلوماسية المصرية للتواصل مع الحكومات الأفريقية لضمان عودة مصر إلى الاتحاد بعد الانتخابات الرئاسية التى جرت فى مايو الماضى. وعلى قدر ما مثلت فترة الغياب المصرى عن الاتحاد الأفريقى تحديا للدولة والمجتمع المصرى، فإنها أيضا وفرت فرصة للتعلم والتفكير فى علاقاتنا مع القارة التى أهملناها على مدى أربعة عقود. فمن المثير للتأمل أن الفترة التى انقطعت فيها مصر عن العمل الأفريقى الجماعى كانت من أكثر الفترات نشاطا على مستوى الزيارات الرسمية والاتصالات الدبلوماسية والتحركات الشعبية، وكأننا كنا بحاجة إلى هزة قوية تضرب علاقتنا بالقارة حتى نتعلم ألا نأخذ دول القارة ومواقفها وعلاقتنا بها كأمور مسلم بها. ••• وكما كان متوقعا فقد صاحب العودة المصرية للمشاركة فى أنشطة الاتحاد الأفريقى اهتمام من الإعلام المصرى الذى بشر بحقبة جديدة فى سياسة مصر الخارجية تجاه أفريقيا. ولكن حتى تكون هذه العودة بالفعل حقبة جديدة للتعاون وليس مجرد اهتمام موسمى يشبه تشجيع المصريين للفرق الأفريقية فى منافسات كأس العالم، فإن هناك عددا من الأمور يجب الالتفات إليها. الأمر الأول، أن النشاط الرئاسى بحضور القمة الأفريقية ولقاء عدد من القادة الأفارقة، وانتهاز الفرصة للوصول إلى بيان مشترك لتهيئة الأجواء لعودة التفاوض بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، ثم الزيارة الرسمية للسودان قد أعطى مؤشرا واضحا بالاهتمام المصرى بأفريقيا بصفة عامة، وبدول حوض النيل بصفة خاصة. ولكن استغلال زخم العودة المصرية يحتاج إلى أن ينعكس هذا النشاط فى مؤسسات الدولة الأخرى، وإلا سينحسر التركيز على القارة تدريجيا مع انشغال الأجندة الرئاسية بقضايا الداخل والدوائر الأخرى لسياسة مصر الخارجية. بعبارة أخرى، فإن العودة لأفريقيا يجب أن تنتقل من كونها توجها للرئاسة واستجابة لأزمة فى العلاقات مع دول القارة لتصبح مشروعا للدولة المصرية يستجيب للمصالح الحيوية لمصر فى القارة. ••• ولتحقيق ذلك فإن الأمر الثانى الذى يجب أن تلتفت إليه الدولة المصرية هو تقييم دور المؤسسات المسئولة عن تنفيذ السياسة الخارجية المصرية فى أفريقيا. وعلى سبيل المثال، فقد أعلن فى سبتمبر الماضى مشروع قرار مجلس الوزراء بإنشاء الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية لتحل محل الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا الذى أنشأته الخارجية المصرية فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى لدعم الدول الأفريقية بالخبرة المصرية فى مختلف المجالات. وحتى لا يصبح التغيير مجرد تغييرا فى الأسماء، فإن هناك حاجة للتعلم من خبرة الصندوق المصرى، وتحليل أثر الخبراء المصريين وبرامج التدريب التى وجهت للدول الأفريقية على مدار العقود الثلاثة الماضية، ومدى استدامة علاقات الخبراء المبعوثين إلى أفريقيا بدولها وشعوبها بعد عودتهم منها. والأمر ذاته ينطبق على دور بعثاتنا الدبلوماسية فى أفريقيا. فمصر لديها، وفقا للبيانات المتاحة على موقع الخارجية المصرية، ما يزيد على أربعين سفارة فى القارة. وإذا كان التمثيل المصرى المقيم فى معظم دول القارة ضرورى، فإن هناك حاجة لتقييم دور هذه البعثات فى دعم علاقات مصر الثنائية مع الدول الأفريقية. وهناك قوى إقليمية أخرى، أبرزها جنوب أفريقيا، قد طورت نظم ومؤشرات لرصد وقياس مدى تحقيق علاقتها الخارجية لمبادئ وأهداف محددة. ••• ويعنى ذلك أن مصر بحاجة ابتداء إلى تعريف دورها وأهدافها فى القارة التى أصبحت ساحة لتنافس سياسى واقتصادى من قوى دولية وإقليمية شتى، وتحديد المجالات التى يمكن أن تسهم بها فى تحقيق المصالح المشتركة مع الدول القارة. فإذا كان حجم تجارتنا مع القارة الأفريقية قد وصل إلى حوالى 2 مليار دولار عام 2013 (فى حين وصل حجم تجارة تركيا مع دول القارة إلى حوالى 23 مليار دولار فى نفس العام)، فما هو حجم تجارتنا المستهدف مع القارة؟ وكيف يمكن الوصول إليه؟ وإذا كانت مصر تواجه، مثل العديد من دول القارة، عنفا مسلحا، فهل تستطيع أن تقدم نموذجا ناجحا للتعامل معه، أم إنها فى الواقع تكرر نموذجا للتعامل الأمنى ثبت فشله فى الدول الأفريقية الأخرى؟ وكيف تستطيع مصر أن تتعاون مع الدول المحورية فى القارة (الجزائر فى شمال القارة، جنوب أفريقيا فى الجنوب، نيجيريا فى الغرب، وإثيوبيا وكينيا فى الشرق) لمواجهة هذه التحديات المشتركة؟ هذه القضايا وغيرها تحتاج أن تعبر عنها ورقة سياسات، أو ما يطلق عليه فى العديد من الدول الأخرى بWhite Paper، توضح أهداف ومبادئ السياسة الخارجية المصرية بصفة عامة، وسياستها فى أفريقيا بصفة خاصة، ويسترشد بها من يريد تقييم هذه السياسة. فهل آن الأوان للتخطيط لسياستنا الخارجية فى القارة أم أننا سنستمر فى تبنى سياسة رد الفعل وإدارة الأزمات؟