الأول "جامعيين": التحاقي بالقوات المسلحة كان حلم الطفولة وشرف العمر    وزير الاتصالات: تنفيذ عدد من المشروعات لتوظيف تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية    ترامب يغادر البيت الأبيض بعد قليل متجها إلى الشرق الأوسط    نتنياهو: الحرب لم تنته لأن جزءًا من أعدائنا يبني قدراته ويستعد للهجوم علينا    الخارجية الفلسطينية تؤكد أهمية ربط خطة ترمب للسلام بمرجعيات القانون الدولي    الصحفي الذي لم يغادر الميدان إلا شهيدًا.. من هو صالح الجعفري الذي اغتيل على يد ميليشيات مسلحة في غزة؟    منتخب مصر يتقدم على غينيا بيساو بهدف نظيف في الشوط الأول    تدريبات تأهيلية لثلاثي الزمالك خلال مران اليوم    تريلا تدهس توك توك أعلى كوبري بدمياط ومصرع شخص جراء الحادث    "السياحة": منصة رحلة تتيح زيارة 112 موقع أثري في مقدمتها الأهرامات والمتحف الكبير    عضو بالحزب الجمهوري الأمريكى: السيسي أنقذ الشعب الفلسطيني من التهجير    وائل جسار يُحيى حفلا غنائيا فى لبنان الأربعاء المقبل    وكيل صحة سوهاج: انطلاق الفحص الطبى الشامل لطلاب المدارس لمدة 3 أشهر    تعرف على تشكيل كرواتيا ضد جبل طارق بتصفيات المونديال    «مدبولي» يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الجزائري لمتابعة تحضيرات اللجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة    التحريات تكشف تفاصيل جديدة في حادث سقوط السقالة بمدينة السادات في المنوفية    أحمد موسي: كانت هناك محاولات لإفشال مفاوضات شرم الشيخ لكن ترامب ضغط لإجرائها    خطوات إضافة مواليد على بطاقة التموين 2025    نتائج اليوم الثاني لمنافسات الكبار ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    بيحبوا يصحوا بدري.. 5 أبراج نشيطة وتبدأ يومها بطاقة عالية    هل التدخين يبطل الوضوء؟ أمين الفتوى: يقاس على البصل والثوم (فيديو)    أسامة الجندي: القنوط أشد من اليأس.. والمؤمن لا يعرف الإثنين أبدًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أول الحذر..ظلمة الهوى000؟!    إصابة أولمو تربك حسابات فليك قبل مباراة جيرونا    قافلة طبية بجامعة الإسكندرية لفحص وعلاج 1046 مواطنًا بالمجان في الكينج مريوط (صور)    بسبب عدم مشاركته ضد بلغاريا.. حارس تركيا يترك المعسكر دون إذن    قيادات وأساتذة جامعات بقائمة المعينين بمجلس الشيوخ.. بالأسماء    بعد حادث الوفد القطري.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري يستقبل سفير مصر في الدوحة    تأجيل إستئناف المتهم الرئيسي ب " تظاهرات الألف مسكن "    أوسكار عودة الماموث.. فيلم يخطو نحو الإبهار البصري بقصة إنسانية مؤثرة    20 أكتوبر.. انطلاق جولة «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بإقليم القناة وسيناء    الخريف.. موسم الانتقال والحنين بين دفء الشمس وبرودة النسيم    تأجيل الدعوى المقامة ضد إبراهيم سعيد لمطالبته بدفع نفقة ابنه    رئيس وزراء لبنان يطلب من الخارجية تقديم شكوى ضد إسرائيل في مجلس الأمن    رئيس منطقة مطروح الأزهرية يكرم الطالبة هاجر إيهاب فهمي لتفوقها في القرآن والخريدة البهية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة الأقصر    دمياط: فصل المياه في بعض المناطق منتصف الليل حتى الثامنة صباحا    مصر تدين الهجوم على مركز لإيواء النازحين بمدينة الفاشر السودانية    الخريف موسم الانتقال... وصراع المناعة مع الفيروسات الموسمية    بالأسماء.. الرئيس السيسي يُصدر قرارا بتعيينات في مجلس الشيوخ    نجوم الأهلي في زيارة حسن شحاتة بالمستشفى للاطمئنان على حالته الصحية    سويلم يلتقى نائب وزير البيئة والزراعة السعودى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه    "سلامة الغذاء" تنفذ 51 مأمورية رقابية على السلاسل التجارية في أسبوع    إصابة 5 فى تصادم سيارة ملاكى وتوك توك وتروسكيل بطريق برج نور أجا بالدقهلية    مستشفيات مطروح تقدم 38 ألف خدمة طبية وتجرى 206 عمليات جراحية خلال أسبوع    رئيس الضرائب: التعامل بالفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني يعزز الشفافية    تنفيذ ورش تدريبية مجانية لدعم الحرف اليدوية للمرأة في الأقصر    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    الداخلية تضبط أكثر من 106 آلاف مخالفة مرورية في 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    مدارس التكنولوجيا تعيد رسم خريطة التعليم الفنى    محمود ياسين من نادى المسرح فى بورسعيد إلى ذاكرة الوطن    مراكز خدمات «التضامن» تدعم ذوى الهمم    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    غدًا.. عرض أفلام مهرجان بردية السينمائي في ضيافة المركز القومي للسينما بالهناجر    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    استبعاد معلمي الحصة من حافز ال 1000 جنيه يثير الجدل.. خبير تربوي يحذر من تداعيات القرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار مافيا الباعة الجائلين فى نصف البلد

حملة «ليلية» لإجلاء الباعة من «الإسعاف».. اتهامات للداخلية ب«العودة للعنف»
سيطرت حالة من الغضب على الباعة الجائلين فى محيط منطقة الإسعاف بوسط القاهرة بالتزامن مع الحملة الأمنية التى يشنها الأمن لإعادة الانضباط للعاصمة منذ مساء أمس الأول.
وعلمت «الشروق» عن خطة يعدها حى بولاق أبوالعلا لنقل الباعة من هذه المنطقة على مرحلتين تستهدف المرحلة الأولى إخلاء الشوارع نهائيا من اى معوقات تعطل حركة سير السيارات ثم تأتى المرحلة الثانية بالاهتمام برصيف المارة الملىء بالباعة الجائلين وقد أمهل رئيس الحى الباعة وقتا لترك الرصيف. وقد أخلت الحملة شارع رمسيس ومحيط مبانى الإسعاف ودار القضاء العالى من أى تواجد للباعة الجائلين لكنهم ظلوا يفترشون الأرصفة ببضاعتهم.
كان اللواء على الدمرداش مدير أمن القاهرة يرافقه مأمور قسم الأزبكية، وعابدين قاد حملة أمنية موسعة لإزالة اشغالات الطريق الموجودة بمنطقة وكالة البلح مساء أول من أمس وقال الصغير إن قوات الأمن استطاعت إزالة الاشغالات المعطلة للطريق، وسيتم استكمال إزالة باقى الاشغالات فى الطريق خلال الأيام القادمة.
يأتى هذا الإجراء، فى إطار إعادة تهيئة الشوارع وإزالة التعديات على الطريق حملة أمنية موسعة لإزالة اشغالات الطريق بميدان الإسعاف الموجود بوسط البلد. وقال الدمرداش إنه تم التعامل مع الباعة بدون عنف لتفادى أية مشادات مع الباعة. مؤكدا أن إيجاد اماكن بديلة لهم مسئولية الحى وقد وعد مسئوليه بسرعة التحرك لإيجاد أمان بديلة خلال فترة وجيزة.
من جهته، قال اللواء إبراهيم الزيات، مدير شرطة مرافق القاهرة، إنه الحملات الأمنية المكبرة ستشمل أيضا شبرا، مرورا بالساحل، ومدينة نصر، وعباس العقاد، ومصطفى النحاس ومنطقة المعادى، مؤكدا وجود استمرار الحملات بمنطقة الإسعاف، لإزالة التعديات الموجودة فى نهر الطريق. وأضاف الزيات: «قمنا بإزالة التعديات، ولم نواجه أى مقاومة من الباعة، فهم يعلمون ان هناك إجراءات قوية وشديدة ضد من يخالف القانون». وتابع «ننسق مع اللواء على الدمرداش، مساعد الوزير لقطاع أمن القاهرة، لنقل البائعين بوسط البلد إلى منطقة الجلاء، ما سيوفر انفراجة مرورية كبيرة».
من جانبه، أكد نقيب الباعة الجائلين، أحمد حسين، اعتزامه تقديم شكوى إلى كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، احتجاجا على الحملة التى شنتها شرطة المرافق على الباعة فى منطقة الإسعاف والأزبكية، مساء أمس الأول، معتبرا أنها تمثل «عودة للتعامل الأمنى العنيف مع الأزمة».
وأوضح النقيب فى تصريحات ل«الشروق»، «تدخلنا لاحتواء الازمة مع كبار الباعة الجائلين، لاحتواء غضبهم من التعامل الأمنى معهم، ما أدى إلى تجنب وقوع أعمال عنف واسعة فى المنطقة»، مؤكدا «رفض العودة لتلك الممارسات الأمنية، والتعامل مع الباعة باعتبارهم مواطنين درجة ثالثة».
وأضاف «لن نلتزم بأية حلول أمنية لمشاكلنا، خاصة أننا تقدمنا على مدى السنوات الثلاث الماضية بالعديد من المقترحات أكثر من مرة، لحل المشكلة دون اللجوء إلى الحلول الأمنية، ومنها مقترحات بأماكن أسواق بديلة، كما قدمنا الرسومات الخاصة بها». وأشار إلى إلقاء أجهزة الأمن القبض على 3 بائعين فى منطقة الإسعاف خلال حملة المرافق، بعد اعتراضهم على إزالة بضائعهم، وأكدنا لمدير أمن القاهرة، أن النقابة ستتولى تنظيم وقوف الباعة لحين إنشاء أسواق بديلة، بحيث يلتزموا جميعا بالأرصفة، دون التعدى على حرم الشارع».
وسط القاهرة، أو وسط البلد، كما يعرفها أهلها، هى القلب التجارى والحضارى للعاصمة المصرية العريقة، بناها الخديو إسماعيل عقب افتتاح قناة السويس لتكون واجهة مشرفة لمصر، وتم تخطيطها وتصميمها على أحدث الطرز الأوروبية المعمارية، وأدخلت الإضاءة إلى شوارعها قبل أن تدخل شوارع باريس، وظلت من يومها مزارا سياحيا ومنطقة يفخر بها المصريون أمام العالم.
الآن تحولت تلك المنطقة إلى مصدر إزعاج لكل من يقطنها، وكل من يجد نفسه مجبرا للذهاب إليها لقضاء مصلحة أو شراء أى من مستلزماته، بسبب الباعة الجائلين الذين احتلوا أرصفتها وشوارعها وافترشوا مداخل عماراتها التاريخية، وتسببوا فى زحام شديد، بسبب إغلاق الشوارع الرئيسية ببضائعهم مجهولة المصدر، وشوهوا مظهرها الحضارى بمخلفات تجارتهم، وأصبحوا سببا لامتناع السائحين عن النزول للمنطقة بسبب إلحاحهم عليهم للشراء أو المعاكسات والتحرش.
وظلت قضية الباعة الجائلين أزمة تؤرق الحكومات المتعاقبة قبل ثورة يناير وحتى الآن، وكان الحل الأوحد الذى تتخذه الحكومة هو «الحل الأمنى» عن طريق حملات تصادر بضائع الباعة ومطاردتهم فى الشوارع، وبعد دقائق من انصراف الحملات يعاود الباعة افتراش المناطق التى يحتلونها، ليثبتوا عمليا فشل الحل الأمنى، ولم تبحث الحكومات عن حلول أخرى على بعد تفاقم أزمة الباعة وتضاعف أعدادهم بسبب زيادة الفقر والبطالة، وساهم فى ذلك غياب الأمن لمدة تقترب من 3 أعوام عقب ثورة يناير.
يحدثنا أحمد حسين، نقيب الباعة الجائلين، عن العالم الخفى للباعة الجائلين بوسط العاصمة، فيقول: غالبية الباعة الذين يفترشون منطقة وسط البلد من الشباب، من مختلف محافظات مصر، قدموا إلى القاهرة بعد أن ضاق بهم الحال بحثا عن فرصة عمل، وسط إهمال من الحكومات المتعاقبة، فوجد ضالته فى أن يفترش «مترا» من الأرض ويقوم ببيع أى شىء يكتسب منه القليل من المال الذى يساعده فى العيش والزواج وغيره، وكانوا يظنون أن الأمر سهلا، وأن كل ما يحتاجه هو قطعة من الخشب، وقليل من البضاعة يبدأ به مشواره، ولكن كان يفيق على كابوس، وهو أنه لا يستطيع افتراش «أرض الحكومة» إلا بموافقة 5 من التجار الذين يسيطرون على منطقة وسط البلد، ولا يستطيع أحد أن يفترش «شبرا» من الأرض دون موافقتهم، ولن يسمح لأحد ببيع بضائع لحسابه الخاص، فهؤلاء التجار يقومون بتسليم كل بائع «قطعة من الخشب وبرميل يضعها عليه، ومعهم البضاعة التى يحددونها له سواء (ملابس أو أحذية أو أدوات كهربائية وغيره).
ويضيف حسين: وهؤلاء التجار يستوردون بضاعتهم من «الصين» ويحددون لكل منطقة مسئول عن جمع الإيراد يوميا، والتدخل للتصدى لكل من يحاول افتراش الأرض دون الرجوع إليهم، وغالبا ما يكون هؤلاء المسئولين من المسجلين خطر المعروفين بالمنطقة، حتى يخشاهم الباعة، وتتراوح قيمة إجار الفراشة الواحدة التى هى عبارة عن مترين من الأرض من (50 إلى 150 جنيها يوميا) حسب المنطقة، ويتم تسليم الباعة البضاعة بسعر معين وتحديد سعر البيع ليكون موحدا بين الجميع.
ويواصل النقيب: بعد بيع البضاعة وتسليم قيمتها لهؤلاء التجار مع قيمة إيجار الأرض، يحصل الباعة على نصيبهم المتفق عليه، فمثلا يتسلم البائع قطعة الملابس من التاجر ب20 جنيها، ويحدد له التاجر سعر البيع ب30 جنيها، أى يكسب فى القطعة 10 جنيهات، وهو مكسب جيد جدا خاصة أن تلك المنطقة أصبحت جاذبة للزبون الشعبى بعد أن كانت مقصد «كريمة المجتمع» لارتفاع أسعار البضائع التى تباع فى محالها.
ويوضح حسين: يحقق البائع مكسبا يوميا لا يقل عن 400 جنيه، وربما ضعف ذلك المبلغ، إضافة إلى الأرباح الطائلة التى يحققها التجار الخمسة المسئولون عن المنطقة، حيث يدخل خزائنهم يوميا مئات الآلاف من الجنيهات سواء من قيمة إيجار الأرض، أو من الأموال التى يسلمها له الباعة يوميا، دون أن يتكلفوا أى مشقة.
محمد جبر، بائع، يقول: «أنا حاصل على بكالوريوس تجارة، ومنذ تخرجى أبحث عن عمل، ولم أجد إلا فرصة للعمل «كاشير» فى أحد محال وسط البلد، قبل ثورة يناير، وكنت أتقاضى راتب 500 جنيه شهريا، وبعد الثورة وجدت فرصة لإيجار فراشة فى شارع 26 يوليو ب100 جنيه يوميا، وتواصلت مع أحد التجار لتسليمى البضاعة وسداد قيمتها نهاية كل يوم، مثل كل الباعة الموجودين فى الشارع، ووجدت أن مكسبى يوميا يعادل ما كنت أتقضاه فى الشهر من عملى «كاشير»، وغالبا كل الباعة الموجودين بالمنطقة ظروفهم مثلى، وربما يختلف الأمر حسب نوع المؤهل سواء عاليا أو متوسطا أو بدون مؤهل، فى النهاية «الرءوس تساوت».
بائع آخر، رفض ذكر اسمه، خشية تعرضه للإيذاء أخبرنا، أن هناك «مافيا» تدير الباعة بالعاصمة، مكونة من التجار الخمسة، الذين ذكرهم نقيب الباعة فى البداية، إضافة إلى تعاونهم مع ضباط المرافق بالمنطقة، حتى يتم السماح لهم بالوقوف دون مضايقات، وإعادة البضائع فى حال مصادرتها، كما أنهم يتعاملون مع مسئولين من الأحياء يتقاضون منهم مبالغ مالية، مقابل استخراج تصاريح للوقوف فى الشارع، ليصبح البائع يمارس عمله ويحتل الشارع بتصريح خارج من جهة حكومية، وأن قيمة التصريح الواحد تتراوح ما بين 5 آلاف و10 آلاف جنيه».
طارق، أحد الباعة، والمتحدث باسم نقابتهم، يقول: قضية الباعة الجائلين متشعبة، خاصة أن محاولة إنهاء تلك الظاهرة، سيتسبب فى مشكلات اجتماعية خطيرة، لأن تلك المهنة تفتح ملايين البيوت، وتنفق على أكثر من 25 مليون مواطن، لو اعتبرنا أن متوسط الأسرة 5 أفراد، وأن عدد الباعة 5 ملايين بائع، وإنهاء تلك الأزمة، مستحيل، لأنه من أين يأكل هؤلاء بعد أن يتركوا تلك المهنة؟
«الشروق» قضت يوما كاملا بصحبة الباعة، بشارع طلعت حرب، ورصدت إقبالا كبيرا من الشباب على شراء البضائع المعروضة، خاصة أن جميعها تقليد عالى الجودة لماركات عالمية، كما أن أسعارها تناسب الجميع، لا يوجد فصال على البضائع المعروضة، يأتى الزبون ويسأل عن سعر «التى شيرت» أو «الحذاء» نخبره السعر ولا يحاول الفصال، فقط يقوم باختيار اللون أو الشكل الذى يريده من بين مئات القطع الموجودة.. كل ساعة يحضر شابان يجران «سيارة حديدية» يضعان عليها كميات من البضائع ويجوبان بها على كل الفراشات، ويتم توزيعها، ويخبران الباعة بالسعر الذى يبيعون به «30 جنيها للقطعة»، ويسلمان كل بائع 100 قطعة، ثم يقوم الباعة بفتحها وعرضها.. بعد قليل يمر شخصان على الباعة المتواجدين بالشارع ويقول لهم أحدهما نصا: «الحالة نايمة ليه كدا.. سخنوا المسائل شوية»، فيعتلى كل بائع الفراشة التى يقف عليها بصحبة 2 أو 3 آخرين من الباعة، ويصيحون بالعبارات الترويجية والغناء بأصوات مرتفعة فى وقت واحد «قرب يا باشا قرب يا بيه كل الماركات ب30 جنيه».
تمر الساعات وينتهى أصحاب الفروشات من بيع البضائع التى تسلموها من رجال التاجر الذى يمدهم بها، وتتبقى فقط البضاعة التالفة أو التى يوجد بها عيوب، فيتم جمعها ووضعها فى «كيس بلاستيك» وحساب المبلغ المستحق للتاجر قيمة البضاعة التى تسلموها منه، حيث تم بيع 87 قطعة، قيمتها 2610 جنيهات، حيث إن القطعة بيعت ب30 جنيها، ويتبين أن نصيب التاجر 20 جنيها عن القطعة الواحدة، حيث أصبح نصيبه الإجمالى 1740 جنيها، يضاف إليها 120 جنيها قيمة إيجار الفراشة والسماح لهم بالوقوف.
هانى مراد، أحد الباعة الذين وقفنا معهم اليوم بأكمله لنشاهد عن قرب عملية البيع والشراء: «فى فصل الصيف تكون حركة البيع أفضل بكثير من الشتاء، ويكون الشارع مزدحما حتى الساعات الأولى من الصباح، ولذلك تكون أعداد الباعة أضعاف الموجودين حاليا، فكل بائع يصطحب أشقائه أو أصدقائه للعمل معه فى الصيف لمواجهة ضغط البيع، بسبب الزحام وكثرة الزبائن، خاصة على الملابس الرياضية، وملابس البحر».
طوال اليوم، يمر باعة آخرون بوجبات سريعة، وسندوتشات وعلب كشرى، ويعتبر هؤلاء المصدر الرئيسى للغذاء بالنسبة لباعة الشارع، وبعدها بفترة يمر آخرون يبيعون الشاى والعصائر، يستخدم الباعة حمامات مول طلعت حرب، وحمامات المقاهى الموجودة بالمنطقة، وطوال اليوم تنشب المشاجرات مع بعض سائقى السيارات، بسبب توقف الباعة فى وسط الطريق لعرض بضائعهم ما يساهم فى زيادة الزحام المرورى، فى ظل غياب تام للأجهزة الأمنية، حتى رجال المرور الذين يقفون على بعد خطوات لتنظيم حركة السير لا يتدخلون، كأن الأمر لا يعنيهم.
سائق تاكسى تشاجر مع بائع، وتجمع حوله بعض الباعة وأشبعوه ضربا، بعد دقائق حضر السائق وبحوزته بعض الرجال، وتحول الشارع لساحة قتال، تتطاير البضائع فى كل مكان، ويعلو صراخ الفتيات خوفا من تعرضهم لأذى، تتوقف حركة السير تماما، بعض أصحاب المحال يسرعون فى إنزال الأبواب الحديدية خشية تحطم المحال، يحضر الشخص المسئول عن جمع وتوزيع البضاع والأموال، وبصحبته 4 آخرين، تظهر على وجوههم ملامح البلطجة، وبحوزتهم جميعا «شوما» ويبدأون فى تفريق المتشاجرين بضربهم جميعا دون تمييز، ثم يصطحبون السائق ومن حضر معه من رجال والبائع صاحب المشكلة، ويقول لهم «اللى له حق هنجيبهوله.. مش عايزين دوشة علشان الحكومة ما تنطش فى الشارع».. ويصطحبهم ويغادر.
فى جولتنا، رصدنا أيضا التباين بين العاملين بالمهنة، حيث هناك حملة المؤهلات العليا، والمتوسطة، ومن لا يمتلك أى مؤهل، كما أن هناك بعض من صدر ضدهم أحكام قضائية مسجلين خطر ومنهم من اتخذها مهنة شريفة تبعده عما كان يقوم به من أفعال خارجة عن القانون كلفته سنوات خلف القضبان، وآخرون يتخذونها ستارا لتجارة المواد والأقراص المخدرة.
من جانبه، أكد أحمد حسين نقيب الباعة، على ضرورة أن تتخلى الدولة عن التعامل مع ظاهرة الباعة باعتبارها مجرد مخالفات قانونية، مقترحا أن تلجأ الحكومة لمشروع إقامة الأسواق البديلة، ويضيف: هناك مقترح تقدمنا به لمحافظ القاهرة الأسبق، أسامة كمال شمل اختيار عدة مناطق لإقامة أسواق بديلة عليها، منها «أرض وابور التلج» ببولاق، وأرض تابعة للبريد بالأزكية، وأرض خلف سنترال رمسيس، وغيرها من الأماكن التى يمكن أن تحل المشكلة نهائيا بنقل الباعة إليها، وتحمل كل بائع إنشاء «باكية» على حسابه الشخصى، ولا تتكلف الدولة شيئا سوى مد المنطقة بالمرافق، ويقوم كل بائع بسداد مبلغ شهرى تحدده المحافظة، اقترحنا أن يكون 300 جنيه، بدلا من انتفاع بعض التجار بتلك الأموال دون وجه حق، ولكن لا نعرف سبب تباطؤ الدولة فى تنفيذ المشروع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.