كتب توماس فريدمان مقالاً نشر بجريدة نيويورك تايمز، يتحدث فيه عن سلسلة المقالات التى كتبها من إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين لاعتقاده أنه إذا كان وزير الخارجية جون كيرى قد أوصل مهمته الخاصة بالسلام إلى النقطة التى يتحتم عندها اتخاذ قرار ما ويقدم للطرفين إطارًا واضحًا للاتفاق، فسوف تواجه إسرائيل والشعب اليهودى واحدا من أهم الخيارات فى تاريخهما. وعندما يختاران فسوف يحدث قدر كبير من الفوضى والإثارة داخل إسرائيل. ومن المهم أن نفهم سبب ذلك. يطلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل باعتبارها «الدولة القومية للشعب اليهودى»، مؤكدا أنه إذا تنازلت لهم عن دولة فى الضفة الغربية فسوف تكون هناك دولتان لشعبين. لكن نتنياهو يرى أنه عند تلقيه إجابة عن هذا السؤال سوف يتعين عليه تقديم إجابة للإسرائيليين عن سؤال يتصارعون معه، منذ أن ربطتهم حرب 1967 من جديد بقلب إسرائيل القديمة فى الضفة الغربية. وهذ السؤال هو: «ما هى الدولة القومية للشعب اليهودى؟» وبذلك أدخل نتنياهو النظام السياسى الإسرائيلى كله فى جدل مزعج، حيث يهاجم بعض الوزراء كيرى بحدة، وانتقدوا نتنياهو لطرحه هذا السؤال للنقاش، وكأن الوضع القائم مستدام ويسير على ما يُرام. ••• ويشير فريدمان إلى تعليق كيرى مؤخرا فى مؤتمر عقد بميونخ قائلاً، إذا كانت محادثات السلام الحالية قد فشلت فإن «هناك حملة متزايدة لنزع الشرعية تتفاقم (ضد إسرائيل). والناس حساسون جدا حيالها». وانتقد وزراء إسرائيليون وزعماء يهود أمريكيون كيرى لما قالوا إنها محاولة منه لاستغلال حركة «م س ع» (مقاطعة، سحب الاستثمارات، العقوبات) كنادى للضغط على إسرائيل كى تقدم المزيد من التنازلات. واختلف الكاتب بقوة مع ذلك، موضحاً أن كيرى والرئيس أوباما يحاولان أن يوجدا للإسرائيليين مخرجًا آمنًا من الطريق السريع الذى يمضون عليه بسرعة كبيرة فى الضفة الغربية وينتهى فحسب فى بعض الأماكن السيئة بالفعل لإسرائيل والشعب اليهودى. ••• ويبدى فريدمان إعجابه بالطريقة التى وصف بها جيدى جرينشتاين، مؤسس معهد ريوت، (مؤسسة لا تستهدف الربح تعالج أكثر مشكلات المجتمع الإسرائيلى إثارة للجدل)، الأمر حين قال: «نحن فى لحظة حرجة من تاريخنا أكثر أهمية بكثير مما يدرك كثيرون». ومنذ عام 1936 «تسعى الحركة الصهيونية إلى خلق أغلبية يهودية وديمقراطية ذات سيادة فى صهيون، ولهذا السبب قبلت مبدأ دولتين وشعبين: دولة يهودية ودولة عربية». ومع أن هناك حركة مستوطنين قوية فى إسرائيل تود استيعاب الضفة الغربية الآن، فقد واصلت دولة إسرائيل إبلاغ العالم والشعب اليهودى أنه فى ظل شروط الأمن الصحيحة، سوف تتخلى عن السيطرة على تلك الأراضى المحتلة وما بها من 2،5 مليون فلسطينى وتصوع اتفاق الدولتين. ••• ويستطرد الكاتب، إذا فشلت مهمة كيرى، لأن أيا من الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو كليهما يرفض المضى قدما فسوف يعلن أن حل الدولتين هذا لم يعد خيارًا قابلاً للبقاء وأن «هذا سوف يدفع بإسرائيل إلى بارادايم مختلف تمامًا». كما قال جرينشتاين الذى ألف مؤخرا كتاب (المروجمود: سر القدرة اليهودية على التكيف)، «أود أن أدفع بإسرائيل إلى واحد من ثلاثة سبل سيئة: إما الانسحاب من جانب واحد من أجزاء من الضفة الغربية، أو ضم الفلسطينيين هناك ومنحهم الجنسية، وهو ما يجعل من إسرائيل دولة ذات جنسيتين. أو عدم القيام بأى منهما. وهنا يمكن أن تصبح إسرائيل نوعًا من دولة شبيهة بالفصل العنصرى تسيطر بشكل دائم على2،5 مليون فلسطينى. وليست هناك خيارات أخرى». لكن جرينشتاين أشار إلى أن الأمر الذى تشترك فيه هذه الخيارات هو أنها سوف تؤدى إلى «اندلاع ضخم لحركة «م س ع» والتى فى حقيقتها لا تتعلق بسياسات إسرائيل وإنما بوجود إسرائيل؛ فهم يريدون رؤية إسرائيل تختفى. وما يبقى على احتواء حركة «م س ع» هو أننا مازلنا فى بارادايم حل الدولتين». وأضاف أنه إذا استمر هذا الباراديم فلن تنطلق حركة «م س ع» بقوة دفع جديدة فحسب، بل إن الخط الذى يربطها بهؤلاء الموجودين فى أنحاء العالم المنتقدين لاحتلال إسرائيل للضفة الغربية سوف يصبح غير واضح. وعلاوة على ذلك، فإن كون إسرائيل «الدولة القومية للشعب اليهودي» يعنى أن قيمها لا يمكن تفريقها بشكل حاد عن قيم الشتات اليهودى أو عن قيم أمريكا حليف إسرائيل الحقيقى الوحيد. وأضاف جرينشتاين: «إذا حدث ذلك، فسوف تصبح العلاقة بين إسرائيل وأمريكا واليهود الأمريكيين مستقطبة حتمًا». ••• واختتم فريدمان مقاله بقول جرينشتاين لتجنب ذلك لا يتوقع أحد أن تتخلى عن شىء يطالب به الفلسطينيون أو تقبل الحدود غير الآمنة أو تعطى الفلسطينيين تصريحًا مجانيا لتجاوزاتهم. وليس هذا ما يطلبه كيرى. إذ ينبغى لإسرائيل أن تساوم بقوة وتحمى مصالحها. «لكن لابد من النظر إلى إسرائيل على أنها صادقة فى التزامها بإنهاء السيطرة على الفلسطينيين فى الضفة الغربية»، وإلا فإنه لن تكون لها مشكلة مع «م س ع» فحسب، بل فى نهاية الأمر مع أمريكا وشريحة متزايدة من اليهود الأمريكيين «وهو ما يحول إسرائيل من قوة موحدة لليهود إلى قوة شقاق.» وهكذا فإن الرد على خطة كيرى، عند ظهورها، يتعلق بحقيقة: ما هى الدولة القومية للشعب اليهودى وكيف ستكون علاقة اليهود فى الخارج وأقرب حلفاء إسرائيل، أى أمريكا، بها فى المستقبل؟