ذهب عشرات المعلمين من عدة محافظات إلى مقر النقابة العامة للمعلمين بالجزيرة يوم الثلاثاء 31/12/2013مرددين شعارات يلخصها نداء لوزير التعليم بحل مجلس النقابة الذى يسيطر عليه "الإخوان – 38 من 40 عضواً". كان غالبية الحضور من المحسوبين على النظام السابق، ونقابيين قدامى ممن لم يشاركوا فى أية احتجاجات للمعلمين (بدأت فى الظهور الملحوظ منذ صدور القانون 155لسنة 2007 المعروف إعلامياً بقانون الكادر، وتمثلت فى وقفات ومسيرات فى أغلب محافظات مصر توجها إضرابان عامان بعد ثورة 25 يناير 2011 مطالبة بتحسين أحوال المعلمين الاقتصادية في الأجور والمعاشات، وتعيين أصحاب العقود المؤقتة). وأطلق بعض الحضورفي هذه الوقفة من خارج الحشدعلى المتجمهرين مسمى "الفلول". وقد أثار هذا الظهور شكوك المعلمين خاصة أنه سبق إلتفاف وزير التعليم على أحد مطالب المعلمين فى لقاءاتهم مع الوزراء بتخصيص عدد من المعلمين كحلقة اتصال بينهم وبين الوزارة، فتم استيعاب المختارين فى إطار الوزارة بالشكل الذى أثار حفيظة كثير من المعلمين ضد زملائهم وضد الوزير وطرح تساؤلات حول كيفية تعامل السلطة مع ملف نقابة المعلمين! ومن المعروف أن عددا من المعلمين لجأ للتقاضى لحل مجلس النقابة، كما أن هناك اتصالات من الوزارة تمت مع عدد منهم تضمنت عروضاً للاشتراك فى تشكيل مجلس مؤقت لقيادة النقابة بعد حل المجلس، وهو الأمر الذى رفضه بعضهم وتمناه آخرون! "المعلمين" والسلطة والأمن عملت أكثر من حكومة فى أنظمة متغيرة التوجهات على ربط نقابة المعلمين بالسلطة وأجهزتها خاصة الأمنية منذ نشأة هذه النقابة فى مطلع الخمسينات من القرن السابق. حدث هذا فى ظل حكومات بعد ثورة 1952 وحتى حكومة الإخوان بعد ثورة 25 يناير 2011. وتميزت – بالمعنى السلبى – عن كل النقابات المهنية فى أن جمعيتها العمومية – وفقاً لقانونها 79لسنة 1969 – لا تضم كافة أعضائها كما فى الأطباء والمحامين والصيادلة والصحفيين والتجاريين والمهندسين - .. الخ فالانتخابات تتم عبر مستويات تصل لثلاثة : اللجان النقابية ثم الفرعيات، ثم النقابة العامة والمجلس . وتحجج بعضهم بأن حجم عضوية النقابة المتضخم هو السبب وهي حجة شديدة العبثية لو عرفنا أن هذه المادة فى القانون الحالى هى نفسها مشروع القانون المقدم من حكومة الوفد 1951 وقت أن كان د. طه حسين وزيرا للمعارف. وقتها طالب المعلمون بالانتخاب المباشر رافضين هذه المادة، ومواد أخرى اقترحت آنذاك تفتت المعلمين وقت أن كان عدد المعلمين لا يتجاوز ال 70 ألف معلم!! وهو الأمر الذى يؤكده إصرار السلطات فى جميع العصور منذ 1951 وحتى الآن على تحجيم "المارد النائم" وتجميد حركته وإلحاقه ليس بالحكومة فقط – النقابة الوحيدة التى ترأسها وزير التعليم أكثر من مرة منذ كمال الدين حسين إلى د. مصطفى كمال حلمى وهو ما لايحدث فى أى مكان فى الكرة الأرضية حتى في بلاد الواق الواق!! الدور المخزى للنقابة :- لم تكتف مجالس النقابة بالتماهى مع سلطات الحكم منذ نشأتها فقط بل قامت بأدوار يخجل أى نقابى من القيام بها.. يذكر "د. محمد أبو الإسعاد" فى كتابه - تطور الحركة النقابية للمعلمين المصريين 1951 – 1981 واقعة يصفها بالمخزية: "حيث قام مجلس النقابة برئاسة السيد يوسف بالتآمر ضد حركة المعلمين فى عام 1964 بعد إلغاء مبلغ 800 ألف جنيه من ميزانية 1964 كانت مخصصة لتحسين أوضاع المعلمين بل وقامت بدور رجال المباحث وتجسست على المعلمين الثائرين وقدمت لجهاز أمن الدولة تقريراً عن تحركاتهم ومكنتهم من وضع أجهزة تسجيل داخل قاعة الاجتماعات بالنقابة لتنقل إلى جهاز إرسال أعد فى مكتب الأمن العام تفاصيل الحوار والمناقشات لكل مايدور فى القاعة من آراء. وأحضرت النقابة بعض المصورين لالتقاط صور بحجة نشر موضوع عن حركة المعلمين ومطالبهم فى مجلة الرائد. ووضعت هذه الصور فى خدمة المباحث العامة". استمرت عملية إلحاق النقابة بتوجهات النظام سياسة ثابتة لكل الحكومات. وجندت المجلس وبالتالى إمكانيات النقابة والمعلمين لتكون ضد المعلمين لا معهم. وتحولت النقابة إلى نقابة لتقديم بعض الخدمات للمحظوظين من المعلمين أو لأشياع النقابيين فى مستوياتهم المختلفة. أما مشاكل المعلمين الحقيقية مثل تدنى الأجور والمعاشات وإلغاء تعيين معلمى التربية وحتى تدنى مستويات التعليم للحالة التى أصبحت مصر تتذيل فيها أى قائمة تضم الدول المتعثرة فى التعليم فلا دور أو رأى وكأن ما يتم مقصود و مخطط له! كما انتشر الفساد داخل النقابة وصولاً لمجلسها وآخرها قبل الثورة فى عهد كمال سليمان صاحب المدارس الخاصة الذى ورد ضد ممارساته ملاحظات عديدة فى تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات وسبق أن تقدم عديد من المعلمين المستقلين ببلاغات للنائب العام المستشار عبد المجيد محمود ضد هذه الوقائع ولا مجيب!! وهو الأمر الذى يؤخذ على مجلس الأخوان عندما تسلموا النقابة من شلة كمال سليمان الأمين العام الأسبق ولم يقوموا بمحاسبته ومجلسه على وقائع الفساد والتى شملت أموال النقابة والمستشفى والفندق ومجلة الرائد... الخ وكأن المسألة عند الإخوان هو مجرد التمكين من النقابة.. وهو الأمر الذى جعلهم يقفون ضد تحركات المعلمين بعد الثورة بل ونزلوا المدارس المُضربة ليثنوا المعلمين عن إضرابهم منذ تسلم المجلس العسكرى للسلطة. أى كرروا نفس سيناريو إلحاق النقابة والمعلمين بالسلطة التى تحالفوا معها أو سلطتهم هم فى فترة د. مرسى. وإلا فلا تميزت النقابة أيضاً نتيجة للتشوه فى نشأتها وقانونها المعطوب بأن تيار الاستقلال عن الحزب الحاكم (الوطنى / الإخوان) والسلطة والحكومة (الوزارة) تيار ضعيف جدا داخل النقابة (العامة والفرعيات واللجان النقابية). ولا نجافى الحقيقة لو قلنا أن الحركة المستقلة الناشئة داخل المعلمين تشكلت خارج النقابة عبر الاحتجاجات المهنية أمام مديريات التعليم بالمحافظات، ومبنى النقابة، والوزارة، ومجلس الوزراء وصولاً لإضرابين عامين بعد ثورة يناير. واُشهرت حركتان نقابيتان مستقلتان: اتحاد المعلمين المصريين ونقابة المعلمين المستقلة بالإضافة إلي عدد غير قليل من ائتلافات وحركات المعلمين التى فرضت وجودها فى الشارع. لكن تظل لنقابة المهن التعليمية (المعلمين) أهميتها رغم انفضاض الغالبية العظمى من المعلمين عنها لأن كل المعلمين أعضاء فيها رغماً عنهم بحكم القانون وبالتالى فلوس اشتراكاتهم والقيمة المدفوعة فى صندوق الزمالة المحصلة منهم إجباراً منذ عشرات السنين بالإضافة لمبانى النقابة العامة والفرعيات واللجان النقابية، والفندق والمستشفى والنادى تعد ملكاً لكافة المعلمين حتى ولو شكل بعضهم كيانات مستقلة عن النقابة. وبالتالى أصبح المطلوب الآن الوقوف ضد إجراء انتخابات متسرعة كما حدث منذ نحو العام مع الإخوان. فالتسرع لن يأتى إلا بالفلول (عذراً التعبير للاختصار) كما أتى بالإخوان من قبل. والدعوة لأن يتولى النقابة لعام بحد أقصى عامين مجلسً مؤقت لا يترشح أفراده للانتخابات بعدها، ويختار هذا المجلس من عناصر مشهود لها بالكفاءة والاستقامة والاستقلال والنضال وسط حركة المعلمين المطلبية، ويكونون – في الوقت- نفسه بعيدين عن الانتماء لأى من الفريقين (الإخوان أو النظام القديم "الوطنى" أو موظفى الوزارة "الديوان العام وملحقاته") سواء القدامى أو المحدثين! وتكون مهمة هذا المجلس خلال العامين تجهيز المعلمين لانتخابات حقيقية بعد طرح مشروع قانون جديد يتلافى عيوب القانون القديم المعطوب، وفتح ملفات: أموال النقابة، والفندق، والمستشفى... الخ. وإعطاء الأمل لجموع المعلمين فى حركة مستقلة حقاً عن السلطة التنفيذية. فهكذا نشأت النقابات فى العالم وهكذا ستكون نقابتنا وإلا فلا!!