لكى ننجح فى صياغة أجندة اقتصادية واجتماعية وسياسية تعيد الاعتبار الشعبى للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والحقوق والحريات وتقدم بديلا للناس، علينا أن نلتفت وفورا إلى قضية الفقر وقضية الفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل فى مصر والتداعيات المجتمعية والسياسية المرتبطة بالقضيتين ونفكر فى حزمة السياسات والإجراءات اللازم تطبيقها على المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية للتغلب عليها. وعلينا قبل ذلك أن نتعامل بجدية مع الشق المعلوماتى ذى الصلة بالقضيتين وبتداعياتهما. فى الشق المعلوماتى: تخبرنا البيانات الرسمية عن أن نسبة الفقر فى مصر تتجاوز حاجز ثلث المواطنات والمواطنين، بينما تضع الأرقام غير الرسمية ذات النسبة فى حدود أعلى تصل إلى 50 بالمائة. تخبرنا البيانات غير الرسمية والمعلومات البحثية أيضا عن حقيقة سيطرة أقل من 20 بالمائة من المواطنات والمواطنين على أكثر من ثلثى الثروة فى مصر، بينما يتقاسم حول 80 بالمائة أقل من ثلث الثروة. تخبرنا البيانات الرسمية وغير الرسمية عن أن مستويات الخدمات الأساسية التى تدعمها الدولة ويحصل عليها الفقراء والأسر محدودة الدخل التعليم والصحة والضمانات الاجتماعية تدنت كثيرا خلال العقود والسنوات الماضية إن من حيث شمولها لأغلبية الفقراء ومحدودى الدخل أو لجهة الجودة. تخبرنا البيانات غير الرسمية والمعلومات البحثية عن أن التداعيات المجتمعية للفقر وللفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل تتمثل فى ظاهرة توارث الفقر المخيفة، وغياب الحراك الصاعد والهابط عن المشهد المجتمعى فى مصر، وتراجع التطبيق الفعلى لتكافؤ الفرص ولقواعد الترقى المهنى والاجتماعى، ومعاناة الفقراء ومحدودى الدخل من انتهاك كرامتهم الإنسانية وحقوقهم الأساسية فى الحياة اللائقة. تخبرنا البيانات غير الرسمية والمعلومات البحثية عن أن التداعيات السياسية لهذه الظواهر المترابطة تتعلق بعزوف قطاعات شعبية واسعة عن المشاركة فى الحياة العامة وابتعادها عن صناديق الاقتراع حين يدعى إليها المواطن لم تتجاوز نسب المشاركة الشعبية فى الاستفتاءات والانتخابات خلال السنوات الثلاثة الماضية حاجز ال50 بالمائة إلا قليلا وتدنت مع غياب التوافق العام وتصاعد الاستقطاب إلى دون ال40 بالمائة فى استفتاءى الوثائق الدستورية الأخيرين، وبقابلية للعنف وممارسته والتحريض عليه وتبريره أضحت واضحة فى الكثير من جوانب مجتمعنا، وبالقابلية لتوظيف المال السياسى والانتخابى لتحديد الاختيارات التصويتية والسياسية للفقراء ولمحدودى الدخل ولحسم نتائج الاستفتاءات والانتخابات على نحو يتناقض بالكامل مع جوهر حرية الاختيار الديمقراطى، وبالقابلية للنيل من وعى الناس العام ومن نزوعهم الطبيعى نحو الحرية عبر مقايضتهم على الأخيرة تارة بالأمن وتارة بالاستقرار وتحسن موعود فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأحوال معيشة الفقراء ومحدودى الدخل. يشكل تدقيق هذا الشق المعلوماتى والبناء عليه للتفكير فى السياسات والإجراءات المطلوبة لمواجهة الفقر والفجوة الواسعة بين ميسورى الحال ومحدودى الدخل خطوة ضرورية لصياغة أجندة اقتصادية واجتماعية وسياسية للديمقراطية وللعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.