انتظام الكشف الطبي على طلاب كليات السياحة والآثار والتصميم واللغات والترجمة بجامعة الأقصر الأهلية    وزير الرى: إدارة وتوزيع المياه بالذكاء الاصطناعي.. وإنهاء إجراءات تراخيص الآبار الجوفية خلال شهر    مدبولي: وضع سيناريو متشائم ومتحفظ للتعامل مع التطورات الإقليمية    بعد صعودها لأعلى مستوى في 14 عامًا.. كيف تستثمر في الفضة؟    بتكلفة 300 مليون جنيه.. تنفيذ 10 مشروعات تعليمية جديدة في البحيرة    رئيس الوزراء: التضخم انخفض ل 12%.. ونجني ثمار الإصلاحات الاقتصادية    مصر تلزم شركات البترول الأجنبية بخمسة تعليمات لتقنين أوضاعها الضريبية (خاص)    الجيش الإسرائيلي يتوقع أن يستغرق احتلال مدينة غزة شهورا    وزير الخارجية يُتابع التحضيرات الجارية للنسخة الخامسة لمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة    جمل خططية وفنية من فيريرا تجهز الزمالك لمواجهة الإسماعيلي    «ماذا يحدث حال التعادل».. «فيفا» يخطر بيراميدز بلائحة مباراة الأهلي السعودي    الأهلي يعلن ترتيبات خاصة لأعضاء الجمعية العمومية    رونالدو خارج قائمة مباراة النصر و استقلال دوشنبه ضمن منافسات الجولة الأولى من بطولة دوري أبطال آسيا للنخبة    إصابة 6 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي في قنا    شن حملات تفتيشية على المستشفيات للوقوف على التخلص الآمن من المخلفات في مرسى مطروح    مقتل شاب طعناً على يد آخر في الشرقية    طرح إعلان فيلم فيها إيه يعني وعرضه بالسينمات 1 أكتوبر.. وماجد الكدواني يستعد لمسلسل سنة أولى طلاق    أكرم حسني يوجه رسالة مؤثرة لابنته :«أحلى يوم في حياتي يوم ما شوفتك»    هناء ثروت تكتب... ورحل الغالي    عمرو عبدالله يقدم ماستر كلاس عن فلسفة السينوغرافيا في مهرجان الإسكندرية المسرحي (صور)    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    رئيس الوزراء: مخصصات الدعم لا تزال هي الأكبر في الموازنة    مراسل "القاهرة الإخبارية" من النصيرات: غزة تباد.. ونزوح جماعى وسط وضع كارثى    جماهير مارسيليا ترفع علم فلسطين وتدعم غزة ضد حرب الإبادة قبل مباراة الريال    الشيخ خالد الجندى: أبو هريرة كان أكثر الصحابة رواية للسنة النبوية    واشنطن تفرض عقوبات جديدة على شبكة مالية مرتبطة بإيران    "حياة كريمة" تنظم قافلة طبية شاملة لخدمة أهالي القنطرة غرب بالإسماعيلية    افتتاح المؤتمر السابع للشراكة من أجل المبادرات الدولية للقاحات (PIVI) فى القاهرة    رابط الاستعلام عن مخالفات المرور وطرق سدادها إلكترونيًا    طريقة تجديد بطاقة الرقم القومي إلكترونيًا 2025    رئيس هيئة النيابة الإدارية يلتقي معاوني النيابة الجدد    أم كلثوم على مسرح العرائس بساقية الصاوي.. وهذه شروط الحضور    حسام البدري: الأهلي يمر بمرحلة صعبة.. واستمرار الخطيب ضروري    بينها قطر.. 16 دولة تطالب بحماية "أسطول الصمود العالمي"    برشلونة يعلن مواجهة خيتافي على ملعب يوهان كرويف    8 صور ترصد استقبال زوجه وأبناء حسام حسن له بعد مباراة بوركينا فاسو    جنايات فوه تؤجل محاكمة 8 متهمين بقتل موظف سابق بينهم 5 هاربين لنوفمبر    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    انتبه.. تحديث iOS 26 يضعف بطارية موبايلك الآيفون.. وأبل ترد: أمر طبيعى    وزير الدفاع الإسرائيلي: سندمر غزة إذا لم تسلم حماس سلاحها وتطلق سراح المحتجزين    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    11 طريقة لتقليل الشهية وخسارة الوزن بشكل طبيعي دون أدوية    السكك الحديدية: إيقاف تشغيل القطارات الصيفية بين القاهرة ومرسى مطروح    وزيرة الخارجية البريطانية: الهجوم الإسرائيلي على غزة متهور    الأرصاد: انخفاض طفيف فى درجات الحرارة.. وبدء الخريف رسميا الإثنين المقبل    وزير التعليم: المناهج الجديدة متناسبة مع عقلية الطالب.. ولأول مرة هذا العام اشترك المعلمون في وضع المناهج    مهرجان الجونة يكرم منة شلبي بجائزة الإنجاز الإبداعي في دورته الثامنة    بالصور- محافظ أسيوط يتفقد مدارس ساحل سليم والبداري استعدادا للعام الدراسي    أمين الفتوى: الشكر ليس مجرد قول باللسان بل عمل بالقلب والجوارح    مصر تتسلم جائزة الآغا خان العالمية للعمارة عن مشروع إحياء إسنا التاريخية    "أحدهم سيرحل".. شوبير يكشف تفاصيل جلسة مصارحة لاعبي الأهلي بسبب العقود    الغلق لمدة أسبوع كامل.. بدء تطوير نفق السمك بشبين الكوم -صور    99.1% لفني صحي طنطا.. نتيجة تنسيق الثانوية التجارية 3 سنوات كاملة    نائبة وزير الصحة: استراتيجية لدمج "القابلات" تدريجيًا في منظومة الولادة الطبيعية    بلدية غزة: اقتراب موسم الأمطار يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية بالمدينة    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    كامل الوزير: حددنا 28 صناعة وفرصة واعدة لجذب الاستثمارات لتعميق التصنيع المحلي وسد احتياجات السوق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتحوا الشارع
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 01 - 2014

يمشي المواطن في شارع قصر العيني باتجاه ميدان التحرير. يصل إلى مجلس الشورى ليصطدم بجدار أسمنتي ضخم، رمادي اللون، يسد الطريق أمام عينيه. يرفع المواطن رأسه أكثر فلا يرى من الميدان سوى لافتة ضخمة للغاية معظمها باللون الأخضر، الذي يشير دائمًا إلى طريق السلامة المريح، وإلى الاستقرار والمضي قدمًا، تحمل كلمة "نعم" كبيرة وتحتها بخط أصغر "للدستور" وعلامة "صح" مجاورة.
في نهاية الشارع، يقبع الجدار الأسمنتي المكون من كتل خرسانية ضخمة كئيبة متصلة ببعضها البعض من خلال قضبان حديدية، ولا يحمل سوى جملة واحدة صغيرة، مكتوبة بحروف سوداء حادة "افتحوا الشارع".
تبدو كلمة "نعم" الصغيرة تلك ضخمة للغاية فوق لافتة أنفق عليها مئات الآلاف من الجنيهات، في حملة أغرقت شوارع مصر العامرة بالفقراء. يستطيع المواطن بلا أي جهد وهو قادم من بداية الشارع أن يراها قوية واضحة مستفزة ومخترِقة، كأن هذا في الحقيقة هو كل ما تبقى من ميدان التحرير، وتحتها على النقيض، تبدو "افتحوا الشارع" صغيرة، مُحاصَرة، لا يراها سوى من يقف أمام الجدار مباشرة، وبطبيعة الحال، سيمنعك الضابط الواقف هناك بلا داع من تصويرها.
•••
مع كثرة الجدران والحوائط والشوارع ذات النهايات المسدودة وحواجز التفتيش التي لا تفضي إلى شيء، وغالبًا ما تتحول وظيفتها في النهاية إلى منعك من المرور، لا يبقى أي خيار أمامنا سوى أن نخبط رؤوسنا فيها. هل كنت تفكر في التصويت ب"لا" على الدستور؟ هل مثلا كنت تظن إن الاستفتاءات بعد ثورة يناير ستفتح المجال أمام الاختيار الحر للمواطنين؟ أو أن العملية الانتخابية ستتضمن ربما حرية الاختيار بدلا من الانسحاق بين رحى "السيء والأسوأ منه"؟
اتضح أننا عندما كنا نغني "الشارع لنا" كانت أجهزة الأمن في مصر ترد دائمًا "انسوا"، وعندما كنا نقول "حرية"، كان بعض ممثلي نخبتنا السياسة يردون "في إطار الاختيارات الضيقة السوداء المتاحة"، واتضح أننا عندما كنا نقول "كرامة"، كان مومياوات النظام وحراس بيروقراطيته البالية يردون "على النحو الذي ينظمه القانون".
السؤال هنا والآن: كيف تطلب من مواطن الإدلاء بصوته في استفتاء على الدستور، بينما كل وسائل الإعلام تحرضه على التصويت لاختيار بعينه وأجهزة الأمن التي شعرت فجأة مؤخرًا بالتهديد من كل شيء، حتى لو كان ذلك الشيء مجرد عروسة لعبة، تصادر كل من يضبط وبحوزته ما يشير من قريب أو بعيد إلى الخيار الذي لا تريده "الدولة"؟
دعنا إذن من الحديث عن مسودة دستور جديدة، ففي كل الأحوال سيأتي صباح على الدولة المصرية العزيزة تلعلع فيه ب"زغروطة"، وهي تقول إن ال"نعم" اكتسحت، وقتها ستصبح "نعم" لا لثورتي يناير ويونيو فقط، وإنما لكل ممارسات الأجهزة الأمنية الآن، وللفريق السيسي طبعا، ولقوانين ال"سيد الطيب" عدلي منصور أثناء منحه حق التشريع، ستصبح نعم لكل شيء، وأي شيء، لذا من الممكن اختصار الكثير من الكلام والدخول مباشرة في أحد الكوابيس اليومية، التي بالتأكيد لن يتضمنها الدستور.
أريد أن أفهم فقط لماذا احتلت وزارة الداخلية شوارع وسط البلد وباب اللوق وعابدين هكذا؟ أفهم أن هناك ضرورات أمنية، رأينا عدم جدواها في تفجيرات الدقهلية التي أطاحت بمديرية الأمن، لكن إذا كانت الداخلية بميزانيتها التي تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات بعد الثورة، بالعاملين فيها وضباطها وقياداتها، بالقوانين التي تصدر خصيصًا لرفع الحرج عنها في حالات قتل المتظاهرين والقبض عليهم في أي مكان وأي وقت لأي سبب، إذا كانت نفس هذه الوزارة تخشى على نفسها إلى الدرجة التي تجعلها تغلق في وجوهنا كل الشوارع الحيوية تلك بصفاقة، فلماذا لا تنتقل إلى أي مكان في المدن الجديدة المنتشرة في الصحراء المحيطة بالقاهرة؟ لماذا يجب علي الدوران حول نفسي، بينما يقبع ميدان التحرير أمامي مباشرة، ولا يفصل بيني وبينه سوى جدار "افتحوا الشارع" إياه؟
تحاول الداخلية منذ سنوات حماية نفسها، بالجدران الخرسانية وحواجز التفتيش وغلق كل الشوارع المؤدية وغير المؤدية إليها، حتى تحولت المنطقة إلى شوارع لا تفضي إلى شيء بل إلى نهايات مسدودة بجدران. أصبح الأمر كما لو أن الداخلية قد عُزلت عما حولها، أو ربما أصبحت مبانيها هي المحبوسة، وليس المواطنون الموجودون في المنطقة.
عندما أسير هناك، وأنا أتجاهل همز ولمز العساكر والضباط وتحرشاتهم السرية منها والعلنية، أفكر أن الداخلية لا ينقصها الآن إلا أن تغلق الشارع الوحيد المفتوح المؤدي إلى باب اللوق، وترسم حدودًا جغرافية حولها، مع الأسلاك الشائكة الموجودة أصلا، وتستعير بعضًا من حرس الحدود، ثم ترفع لافتة "ادخلوها بسلام آمنين".
أحب أن أتذكر أنه في لحظة ما من تاريخ القاهرة في السنوات الثلاث الأخيرة، كان هناك ما يقرب من 18 حاجزًا وجدارًا، يلتف حولهم الناس للوصول إلى وجهاتهم، يتسلقونهم أحيانًا، يتأففون ويتذمرون لكنهم لا يفعلون شيئًا. وعندما طلب رئيس البرلمان السابق، عضو الإخوان، سعد الكتاتني، بشكل ودي من وزارة الداخلية إزالة الجدار الذي يعيق أعضاء مجلس الشعب والشورى من الوصول إليهما، أزيل جدارًا واحدًا، هكذا، لأن مصالح المواطنين لا تعني شيئًا، لأن التفافنا حول الشوارع التي تقبع أمامنا مباشرة للوصول إليها لا يعني شيئًا، هكذا لأن المنطقة تحولت بعقد غير مكتوب إلى ملكية وزارة الداخلية، وتعاملت معها الوزارة كأنها أراضٍ محتلة!
إن انتصار لافتة ال"نعم" بملايين الجنيهات التي أنفقت عليها، وبمباركة أجهزة الدولة لها، على الشارع الذي يرغب المواطن فقط في أن يكون مفتوحًا أمامه، ويا لها من رغبة باهظة الثمن الآن، هو المشهد الأوسع المعبر عن مصر. ربما ليس أمامنا سوى أن نكتب على جدار أصم "افتحوا الشارع"، في انتظار أن يكفل الدستور الجديد حقوقنا البديهية في الشوارع، وحريتنا الأساسية في ألا تصبح حياتنا اليومية كابوسًا مقيمًا "لدواعٍ أمنية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.