«وجوه مبتسمة.. أسماء رسمت بألوان مختلطة بدموع الفقدان.. صريخ ونحيب أهالي وأصدقاء في انتظار توصيل ذويهم لمثواهم الأخير.. عيون حائرة ما بين جسد غلفته الدماء وصور مرفوعة في السماء». مشهد لن تراه عينك إلا في مشرحة زينهم بحي السيدة زينب بالقاهرة، والذي أصبحت جدرانه شاهدًا ومرجعًا للأحداث السياسية في مصر، من عهد مبارك مرورًا بمرسي ووصولًا للسيسي. «أحمد بسيوني.. محمد سيد.. جيكا.. محمد الجندي.. سعيد الشحات.. أحمد تامر.. باسم محسن..» قوس يحمل أسماء الشهداء لا يزال مفتوحًا، تزاحمت الأسماء على الجدران، واختلفت توجهات أصحابها السياسية، بين من ينتمي إلى الإسلاميين أو اليساريين، أو مات دون أن يكون له انتماء سياسي، فقط "حلم بوطن أفضل" قالها الشاب محمد السويسي أمام المشرحة وهو ينتظر خروج جثمان صديقه باسم محسن، الذي قتل على أثر إصابته بثلاث رصاصات في مواجهات وقعت الجمعة الماضية في مدينة السويس. فمنذ أن بدأت موجة الاحتجاجات السياسية في الشارع المصري في 25 يناير 2011 والتي تنتهي في أحيانٍ كثيرة بأعمال عنف يروح ضحيتها شباب من المحتجين، امتلأت حوائط وجدران المدن المصرية بصور وأسماء من قتلوا في الشوارع خلال تلك الاحتجاجات، تكون أحيانًا الصور في أشكال فنية ملونة (الجرافيتي)، وأحيانًا لا تتعدي صورة مفرغة مرسومة باللون الأسود أو الأحمر تعرف باسم (استنسل)، ومرات لا يتجاوز الأمر كتابة اسم الشهيد بخط كبير على الجدران. صديق آخر لباسم ينتظره أمام المشرحة يدعى سيد المنسي، يمسك في يديه التي لوثها الأسود والأحمر قطعة كرتون رسمت عليها صورة باسم مفرغة، يثبتها على الحائط، ويلون الحائط بالألوان، ثم ينزع الكرتونة، لتبقى صورة الشهيد على الجدران. ويقول سيد المنسي ذو ال17 عامًا «نصنع من شهدائنا أبطالا، لنذكر كل من يأتي إلى هنا بالقضية التي ماتوا لأجلها»، ثم يواصل حديثه متذكرًا صديقه باسم «في أحداث محمد محمود، بعهد الرئيس المعزول محمد مرسي، كنا نتشاجر من منا يمسك قنابل الغاز المسيل للدموع، ويعيد إلقاءها على قوات الأمن». بصعوبة يحاول إخفاء دموعه ويقول بصوت مختنق «كل من مات في الشارع أو مات لأجل قضية، سنظل نكتب أسماءهم على الحوائط حتى يتحقق الحلم الذي ماتوا لأجله». يلتقط طرف الحديث محمد السويسي من جديد قائلًا «نكتب أسماءهم حتى لا تجبرنا كثرة أسماء الشهداء على نسيان أحد، أغلب من كُتبت أسماؤهم على الجدران أصدقاؤنا، وكلما جئنا لتوديع صديق سنكتب اسمه، حتى يحاكم القتلة، وتتحقق أهداف الثورة أو تكتب أسماؤنا نحن إلى جوارهم». مضيفًا «نعلم أننا سنقدم شهداء جددًا، فالطريق للحرية ما زال طويلًا». تحمل جدران مشرحة زينهم عبارات ترصد الصراع السياسي المستمر في مصر منذ ثلاث سنوات، فبداية من كلمة "يسقط حكم العسكر" التي تصف فترة حكم المجلس العسكري، إلى جوارها جملة "شرعيتك باطلة يا مرسي"، ثم جملة "سيسي قاتل" لتكون بذلك جدران المشرحة شاهدًا على ثلاثة أعوام من الصراع السياسي في مصر مر خلالهم على المشرحة كل الفصائل السياسية المتصارعة. ويقول عمر ياسين ذو ال18عامًا: "من سنة أولى ثورة ونحن نرسم صور أصدقائنا على الحائط، ونكتب أسماءهم لتخليد ذكراهم، نطبع الصور على برنامج الفوتوشوب، ونتشارك في ثمن الألوان وأدوات الرسم، ونكتب على الحوائط حتى لا ننسي أسماء أصدقائنا الشهداء، لن نسمح بأن يكونوا مجرد أرقام في تعداد الموتى داخل كشوف المشرحة".