أوصيك يابنى بالقمر والزهور أوصيك بليل القاهرة المسحور وإن جيت فى بالك.. اشترى عقد فل لأى سمرا.. وقبرى اوعك تزور هكذا أوصى صلاح جاهين، ونفذ وصيته على بعد ما بينهما الكاتب «أحمد محفوظ» الذى كتب لنا كتابا ممتعا عن ليالى القاهرة وخفاياها. يبدو اسم أحمد محفوظ مجهولا لدى معظم القراء، وقد التفت لهذا الأمر كاتب مقدمة الكتاب الأستاذ يوسف الشريف الذى قال «هذا كتاب مجهول الهوية والنسب، فحتى مؤلفه الأستاذ أحمد محفوظ لا نعرف له مهنة أو عنوانا أو عمرا، كما لا نعرف له إنتاجا أدبيا أو معرفيا سابقا أو لاحقا، إذ إن كل ما وصلنا عنه من معلومات، عنايته بالتنويه عن عزمه على طبع الكتاب فى دار النشر العربى عام 1958». الحنين إلى الشباب كلام الشريف عن محفوظ دفعنى لسؤال المؤرخ الأستاذ صلاح عيسى الذى قال: أحمد محفوظ من المؤرخين الهواه، كان دائم الكتابة فى مجلة «مجلتى» التى كان يصدرها «أحمد الصاوى محمد» ومحفوظ شأنه شأن كثير من الكتاب كان يحن إلى أيام شبابه لذا برع فى كتابة وصف تفصيلى للقاهرة كما رأها أيام الشباب. سكت عيسى لحظة ثم قال: عليك بسؤال المؤرخ «أحمد حسين الطماوى» فهو متخصص فى الكشف عن خبايا الكتابة فى الزمن الماضى. من ناحيته، قال الطماوى: الذى أعرفه عن أحمد محفوظ إنه كان يعمل موظفا بدار الكتب، وله كتابان عن أحمد شوقى، وحافظ إبراهيم، كتب مقدمتهما عزيز باشا أباظة، بجانب كتاب «خبايا القاهرة» وكان صديقا مقربا لشوقى ولحافظ ولأدباء مرحلة العشرينيات والثلاثينيات. الملك والسميط فى مقدمته قال أحمد محفوظ: «يسعدنى أن أقدم ليالى القاهرة وملاهيها ونواديها ومقاهيها، وفنادقها، وحياة التمثيل، والغناء، والحياة الاجتماعية، والعادات، والمعاش، والأعراس والظرفاء والشحاذين، والثورات والحياة النيابية». إذن نحن أمام سجل حافل لكل ما هو قاهرى نسقه المؤلف بطريقة طريفة للغاية، فما إن تبدأ فى قراءة فصل حتى تأتى عليه فى دقائق معدودة وذلك لأن أسلوب المؤلف سهل بسيط، إضافة إلى النوادر التى يذكرها، ومنها أن الملك فؤاد كان دائم الجلوس فى بار «أكاتوس» الذى كان قائما فى شارع «وش البركة» نجيب الريحانى حاليا، وفى إحدى الليالى لم يعجب الملك بالخبز المقدم إليه فنادى ببساطة بائع السميط وابتاع منه ذلك الخبز المملح! ومن سميط الملك إلى فن المونولوج الذى يقول عنه المؤلف: إن أول من غنى المونولوج فى القاهرة هما «ليلى» و«قمر» وهما يهوديتان كانتا تغنيان: عصفورى يا مه عصفورى ... أرقص وأورى له أمورى ومنهما انطلق فن المونولوج الذى برع فيه الأستاذ «عبدالقدوس» والد الأديب الكبير «إحسان عبدالقدوس» و«حسن فايق» الذى شن حملة شعواء على تجار المخدرات فى مونولوجه المعروف «شم الكوكايين خلانى مسكين». ديمقرطية جروب يذكر محفوظ العديد من مقاهى وبارات القاهرة ولكنه يتوقف طويلا أمام جروبى فيقول: كان الارستقراط يجلسون فى مقهى جروبى بشارع عدلى يتحدثون عن سباق الخيل والنساء ويحتقرون الشعب، وفجأة داهمت ثورة 1919 هذا المكان، فكان الطلاب المنتمون للثورة يجتمعون فيه ويخطبون ويوزعون منشوراتهم الثورية الملتهبة، فلم يلبث زواره من الارستقراط أن انسلوا من أبراجهم العاجية واندسوا فى غمار الشعب، يهتفون للشباب الثائر ليصبح الجميع سواء فى كراهية الإنجليز. شؤم عزيز عيد وعن المخرج المسرحى الكبير عزيز عيد يقول أحمد محفوظ: كان عزيز عيد فنانا حقا، يحاول ثم يخفق، وقد لازمه شؤم عجيب كالذى عانى منه الشاعر القديم ابن الرومى، ورغم أن عزيز عيد كان من أنبغ مخرجى المسرح فإنه كان شديد الغرور، لذا ضاق به كل الذين عملوا معه، من الشيخ سلامة حجازى مرورا بجورج أبيض ويوسف وهبى بل إنه هو نفسه كان يضيق بنفسه! وقد أهدى عزيز عيد إلى المسرح المصرى والعربى ثلاثة من أكابر الممثلين وهم: نجيب الريحانى وبشارة واكيم وروزاليوسف، فقد اكتشف الثلاثة وأحسن تقديمهم، إلا أن طبائعه جعلت الريحانى ينفر منه ويؤسس لنفسه فرقة خاصة به.