تتبنى الحكومة الانتقالية استراتيجية مزدوجة لمواجهة إدارة الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، التى تصاعد موقفها من الأوضاع فى مصر من مجرد التصريحات إلى تجميد جزء من المساعدات العسكرية السنوية لمصر، بحسب خبراء أمريكيين فى العلاقات بين البلدين. وتبنى واشنطن موقفها على أساس أن أعمال العنف ومقتل مئات المدنيين، وفرض حالة الطوارئ، فى مصر تمثل إجراءات يراها الأمريكيون ردة فى سجل مصر الديمقراطى منذ أن أطاح الجيش، بمشاركة قوى سياسية ودينية، بالرئيس محمد مرسى يوم 3 يوليو الماضى، وفقا لتصور إدارة أوباما. ولمواجهة هذا الموقف الأمريكى، تتحرك الحكومة الانتقالية فى مصر على مسارين متزامنين، أولهما يسعى للتأثير على بعض الفاعلين داخل العاصمة الأمريكية، والآخر يتجه نحو العاصمة الروسية موسكو، إلا أن مردوده يؤثر مباشرة على واشنطن أيضا. مسار واشنطن يقوم على ثلاث طرق لاستثمار الانقسامات بين الأمريكيين بشأن مصر. الطريق الأول هو تعاقد الحكومة مع مجموعة «جلوفر بارك» للعلاقات العامة، الشهر الماضى، بعد أيام من تجميد جزء من المساعدات الأمريكية. تلك المجموعة تقدم لمصر «استشارات فى الاتصالات والدبلوماسية العامة، واتصالات مرتبطة بتنفيذ الحكومة لخارطة الطريق من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية». وتقوم المجموعة أيضا بتسهيل التواصل مع الإعلام الأمريكى وإصدار وتوزيع بيانات صحفية وتحليل العلاقات المصرية الأمريكية، وفتح قنوات اتصال بين أعضاء السفارة المصرية وأعضاء ومساعدى الكونجرس، والعاملين فى الإدارة الأمريكية والوزارات المختلفة. والطريق الثانى هو استقبال القاهرة لوفود أمريكية، ولا سيما من الكونجرس، ويوجد حاليا فى القاهرة أحد تلك الوفود للقاء مسئولين مصريين. وقبل أيام، قال أحد أعضاء وفد من الكونجرس، زار القاهرة فى وقت سابق، إن قرار تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر «لم يكن موفقا ووجه رسالة خاطئة إلى الشعب المصرى». وفى جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أحد مجلسى الكونجرس، مؤخرا دعا النائب الجمهورى، دانا روباتشر، إلى دعم جهود وزير الدفاع، الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ل«سحق جماعة الإخوان المسلمين وإبعادهم عن المشهد السياسى». روباتشر استغرب «كيف يمكن أن نعاقب شخصا يعادى أعداء الولاياتالمتحدة، علينا أن نساعده»، محذرا من أن «أخطار الإخوان ربما تصل إلى داخل الولاياتالمتحدة». أما الطريق الثالث، فهو حلفاء مصر الخليجيون، إذ يلعبون دورا كبيرا عبر استثمار علاقاتهم فى واشنطن للتأثير على القرارات الأمريكية المستقبلية بشأن بمصر. وتمثل دولتا الإمارات والسعودية نموذجا لهذه الدول التى لا تتوانى عن الدفاع عن الحكومة الانتقالية داخل دوائر صنع القرار الأمريكى. حتى إن الرياض، وعلى لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل الشهر الماضى، تحدت واشنطن وأبلغتها بأنها ستعوض مصر عن أى نقص، إذا أوقف الولاياتالمتحدة المساعدات. وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، تشكل السعودية والإمارات ضغطا على واشنطن لمواصلة تقديم مساعداتها العسكرية السنوية للقاهرة، معتبرتين أن إدارة أوباما فشلت فى فهم ما يمثله الإخوان من تهديد للشرق الأوسط، ولتلك الدولتين، وفقا للصحيفة. وبموازاة مسار واشنطن، تتحرك الحكومة الانتقالية فى مسار موسكو. ومثلت الأخبار عن زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين، سيرجى لافروف، وسيرجى شويجو، للقاهرة هذا الأسبوع، «صدمة» فى واشنطن، وفقا لخبراء أمريكيين. تلك الصدمة ترتبط بما تواتر عن اعتزام القاهرةوموسكو التباحث حول صفقة أسلحة روسية لمصر، بقيمة 4 مليارات دولار، فضلا عن تعاون آخر سياسى واقتصادى. وأعرب خبراء أمريكيون عن مخاوفهم من أن تملأ موسكو الفراغ الذى خلفته واشنطن عقب تدهور علاقاتها مع القاهرة، أملا من «الدب» الروسى فى «عودة التحالف الاستراتيجى مع المصريين، على غرار ما كان سائدا خلال فترة الحرب الباردة». وإدراكا من واشنطن لخطورة توجه مصر نحو موسكو، وفقا للخبراء، وحتى قبل الإعلان عن زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين إلى القاهرة، بدأ أوباما تخفيف موقفه الحاد، وهو ما تجلى بوضوح فى تصريحات وزير خارجيته، جون كيرى، فى القاهرة، الأسبوع الماضى، حين تحدث عن «مؤشرات على أن قادة الجيش المصرى مستعدون لإرساء الديمقراطية»، وأن «هناك ما يدعو للاعتقاد بأن مصر تتحرك لتحقيق خارطة الطريق الديمقراطية، ويجب أن يساعد الجميع على تحقيق ذلك».