تشهد علاقة الحكومة المصرية الانتقالية بالإدارة الأمريكية فاصلا جديدا، إثر وقف مساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية مهمة، كنوع تراه أمريكا عقابا على طريقة إدارة الأزمة المصرية، خاصة ما شابها من أعمال عنف وقتل المدنيين، إضافة لفرض قانون الطوارئ ضمن إجراءات أخرى تراها واشنطن عودة للوراء في سجل مصر الديمقراطي منذ عزل الرئيس محمد مرسي. وتتبنى الاستراتيجية المصرية الجديدة مسارين متزامنين؛ الأول يتحرك ويؤثر في بعض الفاعلين داخل العاصمة الأمريكية، والثاني يسير نحو العاصمة الروسية موسكو، إلا أن تأثيراته المباشرة ترسل وتؤثر في واشنطن أيضا. مسار واشنطن: يتبنى مسار واشنطن ثلاثة طرق للتحرك لاستغلال الانقسامات الموجودة داخل العاصمة الأمريكية فيما يتعلق بمصر. الطريق الأول جاء من خلال تعاقد الحكومة المصرية وشركة مجموعة "جلوفر بارك" Glover Park الشهر الماضي، بعد أيام قليلة من تجميد الادارة الأمريكية قسم من المساعدات العسكرية التي تخصصها سنويا لمصر. ووفقا للعقد تقدم الشركة لمصر "استشارات في الاتصالات والدبلوماسية العامة، وتشمل كذلك الاتصالات المرتبطة بتنفيذ الحكومة لخارطة الطريق، من أجل بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة من خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية". وإلي جانب الخدمات المذكورة في العقد ستقوم الشركة بعدة أنشطة علاقات عامة، وتخطيط استراتيجي، وتواصل مع الإعلام الأمريكي، وإصدار وتوزيع بيانات صحفية. كذلك تقدم تلك الشركات تحليلا للعلاقات المصرية الأمريكية، وتحليلا للقضايا الأمريكية المهمة للحكومة المصرية، وتقوم الشركات أيضا بفتح قنوات اتصال بين أعضاء السفارة المصرية وأعضاء ومساعدي الكونجرس، والعاملين في الإدارة الأمريكية والوزارات المختلفة. الطريق الثاني بدأ مع وصول وفود من العاملين والأعضاء بالكونجرس للقاهرة. فقد شهدت مصر عدة زيارات حملت عددا كبيرا من الكونجرس، التقوا في زياراتهم مع عدد من المسؤولين والشخصيات العامة، لبحث آخر تطورات الوضع على ضوء خريطة المستقبل، إضافة لبحث سبل دعم علاقات التعاون بين مصر والولاياتالمتحدة خلال الفترة المقبلة. وقال أحد أعضاء وفد الكونجرس منذ يومين إن قرار تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر "لم يكن موفقا"، ووجه رسالة خاطئة للشعب المصري، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية لا تتبنى استراتيجية قائمة على دعم تيار سياسي معين في مصر والمنطقة. وسبق ذلك، كما دلت جلسة مجلس النواب الاسبوع الماضي بخصوص مصر، هجوم كبير وغضب بين أغلبية أعضاء مجلس النواب على سياسة أوباما تجاه مصر منذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي. وعبر أعضاء لجنة العلاقات الخارجية عن غضبهم تجاه سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه مصر، والتي تمثل تخليا عن نفوذ أمريكي في دولة مهمة بثقل وحجم مصر. وتحدث ديريك كولت، مساعد وزير الدفاع لشئون التعاون الأمني الدولي، وذكر أن العلاقات العسكرية مع مصر تعد موضوع شديد الأهمية لواشنطن، فهي علاقات عمرها يزيد على 30 عاما، وتم الاستثمار فيها من الطرفين. وأكد أن واشنطن لا تريد فقط تحافظ على مستوى العلاقات المرتفع، بل نسعى لتقوية هذه العلاقات لنؤكد على المصالح المشتركة على المدى الطويل. وعرض كولت الفوائد والمصالح التي تقدمها مصر لوزارة الدفاع الأمريكية، مثل السماح باستخدام المجال الجوي المصري، وتسهيل المرور في قناة السويس، إضافة للقيمة الكبيرة لمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل. مطالب بدعم السيسي وخلال الجلسة طالب العضو الجمهوري من وولاية كاليفورنيا دانا روباتشر دعم الجهود التي يقوم بها ووزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي، لسحق جماعة الاخوان ولإبعادهم عن المشهد السياسي المصري، واستغرب كيف يمكن أن نعاقب شخص يعادي أعداء الولاياتالمتحدة، علينا أن نساعده. وحذر من أن أخطار جماعة الإخوان يمكن لها ان تصل لداخل الولاياتالمتحدة. الطريق الثالث يلعب فيه حلفاء مصر الخليجيون دورا كبيرا من خلال استغلال علاقاتها وقوة تواجدها في العاصمة الأمريكية للتأثير على القرارات الأمريكية المستقبلية فيما يتعلق بمصر. وتمثل دولتا الإمارات العربية المتحدة والسعودية، نموذجا لهذه الدول التي لا تتوانى عن الدفاع عن الحكومة الانتقالية المصرية بين دوائر صنع القرار الأمريكي. وتحدت السعودية واشنطن، وأبلغتها بأنها ستعوض مصر عن أي نقص، إذا تجرأت الولاياتالمتحدة وأوقفت المساعدات. وقال وزير الخارجية السعودي الشهر الماضي "من أعلن وقف مساعدته لمصر أو يلوح بوقفها فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكانياتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر". وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن السعودية والإمارات تشكل ضغطا على الولاياتالمتحدة لمواصلة تقديم مساعداتها العسكرية السنوية لمصر، وذكرت الصحيفة على لسان مسؤولين أمريكيين أن مسؤولين عربا أعلنوا خلال لقائهم مع نظرائهم في الولاياتالمتحدة أن إدارة أوباما فشلت في فهم التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون للشرق الأوسط واستقرار بلدانهم. مسار موسكو: جاءت أخبار زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين سيرجي لافروف وسيرجي شويجو، للقاهرة هذا الأسبوع، للقاء نظيريهما المصريين نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي، من أجل تعزيز التعاون بين البلدين كخبر صادم لواشنطن. ويرتبط بالصدمة الأمريكية ما توارد من اعتزام الجانبين إجراء مباحثات حول صفقة أسلحة روسية لمصر، تبلغ قيمتها 4 مليارات دولار، إضافة إلى البحث في عدد كبير من القضايا الإقليمية والدولية، وكذلك في تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي. وأعرب عدد من الخبراء الأمريكيين عن مخاوف من أن روسيا تسعى لملء الفراغ الذى خلفته واشنطن عقب تدهور علاقاتها مع القاهرة، على أمل عودة التحالف الاستراتيجي بين القاهرةوموسكو، على غرار ما كان سائدا خلال فترة الحرب الباردة. وتم إبراز تصريحات نبيل فهمى، وزير الخارجية، لشبكة سي إن إن التي قال فيها، إن مصر ستعثر على مصادر أخرى لتلبية احتياجات أمنها القومي، مؤكدا أن تجميد المساعدات الأمريكية سيؤثر بالضرورة على مصالح واشنطن. نتائج مبدئية إيجابية خلال زيارته للقاهرة يوم الأحد الماضي، أعاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التأكيد على أن هناك مؤشرات على أن قادة الجيش المصري مستعدون لإرساء الديمقراطية. وأن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن مصر تتحرك لتحقيق خارطة الطريق الديمقراطية ويجب أن يساعد الجميع على تحقيق ذلك. وأكد التزام واشنطن بالمساعدة ومواصلة التعاون مع الحكومة المؤقتة، داعيا إلى انتخابات حرة وعادلة وتشمل الجميع. وأيّد كيري خطوات الحكومة المؤقتة لإعادة الديمقراطية في مصر، قائلا إن "خارطة الطريق يتم تنفيذها بشكل جيد بحسب ما نراه.. وإننا نؤيدكم في هذا التحول الهائل الذي تمر به مصر، ونحن نعرف أنه صعب، ونريد المساعدة، ونحن مستعدون لذلك". وأضاف أنه بحث القرارات الأخيرة المتعلقة بالمساعدات لمصر، واتفق مع نظيره المصري على أن "العلاقة المصرية- الأمريكية لا تعرف فقط من خلال المساعدات، وأن هناك أمورا أخرى تحدد العلاقة". وسارع وزير الخارجية المصري في الإشارة إلى أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إيجابية في مجملها، وذكر أن جون كيري لديه فهم واضح ودقيق لتطور الأوضاع في مصر من المنظور السياسي، ومثلت هذه الزيارة إعادة تأكيد من الطرفين على أهمية كل منهما للآخر، مدللاً على ذلك بالإعلان عن إجراء الحوار الاستراتيجي بين مصر والولاياتالمتحدة.