ذكرت وكالة "أنباء موسكو" الروسية أن التأييد الشعبي في المجتمع المصري للجهود المبذولة لاستعادة طبيعة العلاقات مع روسيا، يثير قلقا أمريكيا ومخاوف من فرص تعزيز التعاون بين القاهرةوموسكو التي أعلنت انحيازها لاختيار الشعب المصري، في الوقت الذي فقدت واشنطن ما تبقى لها من رصيد في الشارع المصري، بعد ما أظهرته من تأييد لجماعة الإخوان التي ثار عليها الملايين في 30 يونيو الماضي. وقالت الوكالة في مقال لأشرف كمال مدير مكتبها في القاهرة أنتوقيت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى القاهرة، والتصريحات التي أدلى بها خلال اللقاءات الرسمية مع المسؤولين المصريين، عكست هذا القلق الأمريكي تجاه إيجابية التحرك المصري على المستويين الشعبي والرسمي في اتجاه موسكو، وارتباكا واضحا في سياسة الإدارة الأمريكية التي مازال موقفها يثير الجدل تجاه ما يجري في مصر ما بعد 30 يونيو، رغم زيارة كيري وتصريحاته التي وصفت بالإيجابية. الموقف الشعبي والرسمي الأكيد أن زيارة كيري جاءت متأخرة وأن تداعيات الموقف الأمريكي الذي دفع الشعب المصري إلى المطالبة بوضع حد للعلاقات مع واشنطن لن تتأثر بتصريحات رئيس الدبلوماسية الأمريكية بأنه جاء برسالة من سيد البيت الأبيض لإزالة سوء الفهم الذي شاب العلاقات بين البلدين مؤخرا . فالموقف الشعبي عبرت عنه الجماهير عندما رفعت صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسي والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان مؤمنا بالتعاون المثمر مع الكرملين. المشهد كان معبرا وحمل رسالة كانت واضحة المعاني، للداخل والخارج، وعززت من الموقف الرسمي المصري الذي يواجه الضغوط الأمريكية التي وصلت إلى قرار تجميد جزء من المساعدات العسكرية. فالموقف الرسمي عبر عنه وزير الخارجية نبيل فهمي مؤكدا أن العلاقات المصرية الأمريكية تشهد تغيرا وتمر بحالة من عدم الاتزان منذ 1996، عندما خالفت إدارة الرئيس بيل كلينتون التزاما أمريكيا سابقا بأن تكون القوات المسلحة المصرية أولى المؤسسات العسكرية في المنطقة العربية المتلقية للتكنولوجيا العسكرية الحديثة. وأكد فهمي الحالة "المضطربة" لعلاقات واشنطن مع مصر بعد خفض المساعدات العسكرية بعدما عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في يوليو/تموز بعد احتجاجات حاشدة على سياساته. وقال إن "مصر سيكون عليها تطوير اختيارات متعددة وخيارات متعددة لرسم طريقها المستقبلي بما في ذلك العلاقات العسكرية...إذا كانت ستصبح لك مصالح في الشرق الأوسط فإنك تحتاج إلى أن تكون علاقاتك جيدة أو على الأقل تدار جيدا مع الدولة التي هي مركز الشرق الأوسط." زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، أمام الصحفيين في موسكو أن العاصمة المصرية القاهرة ستحتضن في 13 إلى 14 تشرين الثاني/نوفمبر اجتماعاً وزارياً روسياً مصرياً يحضره وزراء خارجية ودفاع الدولتين. ونوه إلى أنه لم يسبق أن قام وفد روسي كهذا بزيارة إلى مصر، ولم يسبق أن أجرى وزراء خارجية ودفاع روسيا ومصر محادثات مشتركة. ويرافق وزير الدفاع سيرغي شويغو في زيارته عددا من المسؤولين الروس الآخرين بينهم النائب الأول لمدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني أندري بويتسوف، ومسؤولون في شركة تصدير الأسلحة الروسية "روس أوبورون إكسبورت". مظاهر القلق الأمريكي بعد أنباء الزيارات المرتقبة لقيادات روسية رفيعة المستوى إلى مصر، واستمرار توافد الوفود الرسمية والشعبية المصرية على موسكو، تجاوزت مظاهر القلق الأمريكي الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية جون كيري إلى زيارة وفد من الكونجرس الأمريكي مرورا باهتمام واضح في وسائل الإعلام المختلفة بتسليط الضوء على الزيارات المتبادلة بين موسكووالقاهرة. فزيارة وفد الكونجرس جاءت فور انتهاء زيارة كيري، بهدف استطلاع الأجواء حول مستقبل العلاقات بين البلدين، في ظل التدهور الملحوظ في التعاون بين الجانبين. والمباحثات الأمريكية عكست مخاوف حقيقية من النتائج التي يمكن ان تُسفر عنها المباحثات المصرية الروسية والتي ربما تكون خطوة أولى في وضع حد للنفوذ الأمريكي في المنطقة. كذلك، إعلان مصر عن انتهاء حقبة من الإملاءات على القرار السياسي المصري، وتبدأ حقبة جديدة من الخيارات الواسعة أمام الدبلوماسية المصرية والمؤسسة العسكرية بما يحفظ لمصر مكانتها إقليميا ودوليا، ويساعد في خلق عالم جديد متعدد الأقطاب على أساس من احترام سيادة الدول في إطار من ميثاق الأممالمتحدة. اهتمام إعلامي أمريكي بالعلاقات المصرية الروسية الاهتمام الأعلامي في الولاياتالمتحدة بتطور العلاقات بين القاهرةوموسكو هو انعكاس لاهتمام رسمي داخل الإدارة الأمريكية، وفي مراكز الأبحاث وبين النخبة والمجتمع المتابع للأحداث في المنطقة العربية. فقد نقل موقع "فري بيكون" الإخباري الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين أن هناك زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر خلال تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، كجزء من مساعي موسكو لتحل محل الولاياتالمتحدة في مساعدة الجيش المصري. وهناك مؤشرات على أن الروس ربما يسعون إلى إتفاق مع مصر، لإقامة قاعدة عسكرية في البلاد، لكي تحل محل قاعدتها البحرية المهددة الآن في ميناء "طرطوس" السوري. وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنه من المتوقع أن يعلن بوتين عن حزمة كبيرة من مبيعات السلاح، كجزء من الجهود الرامية إلى بناء علاقات عسكرية وثيقة بين القاهرةوموسكو. وذكر الموقع الإخباري الأمريكي أن الزيارة تأتي، بعد أن تسببت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في غضب المؤسسة العسكرية المصرية، تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بقرار خفض المعونة العسكرية الأمريكية، في الوقت، الذي دخلت فيه الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش في معارك ضد الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وذكروا أن مصر تسعى إلى الحصول على مقاتلات روسية وصواريخ مضادة للطائرات، إلى جانب تطوير طراز بعض الأسلحة الموجودة في القوات المسلحة المصرية . ماذا تريد مصر؟ الإدارة المصرية الحالية تُدرك أن الولاياتالمتحدة كانت تتعامل مع مصر من منطلق التبعية المطلقة، وتنفيذ الإملاءات السياسية، وكانت تستخدم المساعدات الاقتصادية والعسكرية سلاحا في وجه أي معارضة مصرية في تنفيذ رغبات سيد البيت الأبيض. ولكن اليوم، في مصر ما بعد 30 يونيو، فلا مجال للتبعية لأي دولة فالقيادة الجديدة تبحث عن مصالح الدولة المصرية في إطار من سياسة خارجية عبر عنها وزير الخارجية المصري نبيل فهمي قائلا: "أنا لا أحاول أن أضع روسيا في مواجهة أمريكا. أنا أحاول أن يصبح هناك 10 و20 و30 شريكا جديدا لمصر." وأضاف أن "الحكومة المصرية ملتزمة بتنويع علاقاتها ليس على حساب أصدقائنا ولكن إلى جانب أصدقائنا... هذا ليس موقفا ضد السياسة الأمريكية إنه موقف متسق مع المصالح المصرية." الاستنتاج: عودة العلاقات المصرية الروسية إلى طبيعتها التي يُدركها الشعب المصري تُشعر الإدارة الأمريكية بالقلق، ومخاوف من تعاون في المجالات العسكرية والاستخدام السلمي للطاقة النووية، والأكيد أنها ستضع علامات استفهام في تل أبيب، ولكن الأكيد أيضا أنها فضلا عن تحقيق مصالح مشتركة للشعبين الصديقين، فهي ستصب في اتجاه تأسيس عالم متعدد الأقطاب الأمر الذي ربما يكون له تأثيره في تسوية قضايا المجتمع الدولي. (المقالة تعبر عن رأي كاتبها)