إذا درسنا المعطيات الأمنية والسياسية للواقع الحالى بموضوعية، فإن المفاوضات الجارية بيننا وبين السلطة الفلسطينية لن تؤدى إلى نتائج إيجابية. وإذا جرى على الرغم من هذا كله التوصل إلى اتفاق، فستكون له نتائج سيئة على إسرائيل. فى المقابل، أبومازن لا يرغب فى التوصل إلى اتفاق لأنه إذا وقع مثل هذا الاتفاق وغادر الجيش الإسرائيلى يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، فإنه سيخسر السلطة سواء عبر انتخابات أو من خلال انقلاب (تحظى حماس بالغالبية فى يهودا والسامرة). كما أن الضغط الداخلى والعالمى سيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلى البقاء هناك من أجل مساعدة رئيس السلطة الفلسطينية، الذى ليس وحده يتخوف من هذه اللحظة. إسرائيل من جهتها لا ترغب فى التوصل إلى اتفاق، وتعلم أن أبو مازن و«فتح» لا يمثلان جميع الفلسطينيين، ولا حتى الذين يسكنون فى الضفة الغربية، وهما غير قادرين على «تقديم المطلوب»، أى اتفاق نهائى ثابت لا عودة عنه يمكن فرضه على سكان الضفة الغربية وغزة، ومن شأنه أن يغير وجه المنطقة. لدى العودة إلى الاتفاقات السياسية التى وقعتها دولة إسرائيل فى الماضى، نجد أن أغلبيتها لم يكن جيدا بما فيه الكفاية، ولم يظهر فيها التمسك بالمصلحة الأمنية. صحيح أن هذه الاتفاقات كانت رهانا ومجرد توقيعها حمل الأمل بتغيير الواقع، لكن هذا الأمل لم يتحقق. فإذا وافقنا هذه المرة أيضا على تنازلات كبيرة وغير مسئولة واعتبرت نتائج المفاوضات شديدة الوطأة على إسرائيل، فإن الجانب الفلسطينى، أبو مازن، لن يستطيع رفضها بسبب الضغط الأمريكى. لكن هذا الاتفاق لن يصمد على المدى البعيد لأن رئيس السلطة نفسه سيكون محاصرا بالأزمات من جميع الاتجاهات، فاحترام الاتفاق مع إسرائيل سيؤدى إلى سقوطه بعد وقت قصير، وعدم احترامه (تحت ضغط «حماس» والجمهور الفلسطينى) سيؤدى إلى عودة إسرائيل إلى المناطق وبالتالى إلى استقالته. لا ترغب إسرائيل وكذلك أبو مازن فى الوصول إلى هذا الوضع، لأنه من الواضح بالنسبة إليهما أن «حماس» ستطيح بأبو مازن. كما أن خسارتنا للأراضى والعمق الاستراتيجى نتيجة اتفاق سيسمحان للتنظيم الذى يتزعمه إسماعيل هنية ليس فقط بالتهديد بقصف المنطقة الساحلية عندما يشاء، ولكن بقصف القلب الاستراتيجى لإسرائيل. كما أن قصر مدى الصواريخ المستخدمة فى القصف سيجعل من الصعب على القبة الحديدية اعتراضها. إن هذا النوع من الخطر الذى يهدد جميع سكان الدولة سيؤدى إلى تدمير الاقتصاد. أما على الصعيد الأمنى، فلن تكون قواعد الجيش الإسرائيلى وحدها فى مرمى النيران بل وأيضاً المعامل الصناعية والبنية التحتية للكهرباء والمواصلات والاتصالات والمصارف، وسوف تضطر إسرائيل إلى خوض عمليات عسكرية أكثر من مرة للدفاع عن قلب الدولة من دون التوصل إلى حسم بسبب الضغط المتوقع أن تمارسه الدول العظمى.
محلل سياسى «يسرائيل هَيوم» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية