عادت قضية صفقة توريد الغاز المصرى لإسرائيل لتشغل الرأى العام والإعلام الإسرائيلى من جديد بعد أن كشفت صحيفة جلوبس الاقتصادية أسرارا جديدة تتعلق بالصفقة، وتثبت تورط عدد من كبار الشخصيات السياسية والاقتصادية فى إسرائيل فيها، ومن بينهم أريئيل شارون وبنيامين بن إليعازر ورئيس الموساد الأسبق شبتاى شافيط، ورئيس شركة الكهرباء السابق إيلى لانداو. لم يكن الجانب المصرى هو الوحيد المتضرر من صفقة بيع الغاز الطبيعى لإسرائيل بأسعار متدنية أقل من تكلفة إنتاجة، فالاتفاقية التى وقعت فى عام 2005 بين شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG التى أسسها حسين سالم وشريكه الإسرائيلى يوسى ميمان، تبين فيما بعد أنها كانت صفقة خاسرة للجانب الإسرائيلى أيضا كما تزعم صحيفة جلوبس. قدرت خسائر إسرائيل المالية جراء توقف تصدير الغاز المصرى ب15 مليار شيكل، كما ارتفعت أسعار فاتورة الكهرباء بعد أن اضطرت شركة الكهرباء الإسرائيلية إلى شراء وقود بسعر أعلى من الغاز المصرى، مما جعل الصحيفة الإسرائيلية تصف تلك الخسائر بأنها بمثابة حرب يوم الغفران لقطاع الطاقة الإسرائيلى. وإلى جانب الأضرار الاقتصادية التى لحقت بإسرائيل من جراء إلغاء الصفقة فإن الكثير من الإسرائيليين خصوصا الذين يقيمون بالقرب من محطات الكهرباء سيعانون من أزمات صحية خطيرة ناتجة عن تعرضهم للملوثات المنبعثة من جراء استخدام المازوت والسولار بدلا من الغاز المصرى. وفى هذا الإطار نشرت صحيفة جلوبس محاضر التحقيقات التى أجرتها الشرطة الإسرائيلية قبل ثمانى سنوات مع الرئيس السابق لشركة الكهرباء الإسرائيلية إيلى لانداو فيما يتعلق بدوره فى هذه الصفقة. وأوضحت التحقيقات أن لانداو الذى يوصف بأنه العراب الرئيسى لصفقة الغاز، ضغط بكل قوته من أجل التصديق على الاتفاقية رغم تحفظ عدد من أعضاء مجلس إدارة شركة الكهرباء عليها، وفى النهاية تم التصديق على الاتفاقية بأغلبية ضئيلة نتيجة ضغوط من رئيس الحكومة أريئيل شارون، وبعد أن أخفى لانداو عن أعضاء مجلس الإدارة علاقاته برجل الأعمال والملياردير يوسى ميمان رئيس شركة ميرحاف الإسرائيلية وشريك حسين سالم فى شركة غاز المتوسط. وتقول الصحيفة إن لانداو كشف خلال التحقيقات معه عن علاقته بشبتاى شافيط رئيس جهاز الموساد حتى عام 1996، وقد عينه يوسى ميمان نائبا لشركة ميرحاف بسبب علاقاته الوثيقة بكبار الشخصيات فى القيادة المصرية وعلى رأسهم عمر سليمان رئيس المخابرات السابق. وتشير الصحيفة إلى أن ميمان كان يخشى من أن يعمل شافيط على إلغاء صفقة الغاز مع مصر لصالح شركة منافسة إسرائيلية أخرى. وفى العام الماضى كشف النقاب بطريق الصدفة عن أن ميمان منح شافيط مبلغ 11.5 مليون دولار لجهوده فى إنهاء الصفقة. وكشفت الصحيفة الإسرائيلية أن شركة الكهرباء الإسرائيلية مازالت تتعاون حتى الآن مع شركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG، وتتحاشى اتخاذ أى إجراء ضدها، وأوضحت الصحيفة أن الشركة الإسرائيلية لم ترفع دوى قضائية مطلقا ضد الشركة المملوكة لحسين سالم على الرغم من أن تقاريرها المالية تشير إلى أن شركة EMG لم توف بتعهداتها منذ توقيع العقد وذلك لأسباب مختلفة. وأشارت صحيفة جلوبس إلى أن الشركة الإسرائيلية تملك ضمانات مالية من شركة حسين سالم تقدر ب18 مليون دولار كانت قد أودعتها كضمان لالتزامها بتنفيذ صفقة الغاز ، لكن الشركة الإسرائيلية تفضل عدم مصادرة هذا المبلغ. وتقول شركة الكهرباء الإسرائيلية إنها امتنعت عن مصادرة الضمانات المالية التى أودعتها شركة حسين سالم بناء على نصيحة المحامين الدوليين الذين يمثلونها فى دعوى التحكيم الدولية فى باريس ضد الهيئة العامة للبترول المصرية، والشركة القابضة للغازات الطبيعية، وتطالب فيها بتعويضات بمبلغ 4.3 مليار دولار نتيجة الأضرار التى لحقت بها نتيجة أزمة الغاز المصرى. وحول الجانب السياسى فى الصفقة اتهم الصحفى الإسرائيلى شلومى إلدار صانعى القرار فى إسرائيل وفى مقدمتهم أريئيل شارون رئيس الحكومة إبان توقيع الاتفاقية بأنهم تجاهلوا المخاطر الكثيرة التى حامت حول هذه الصفقة. كانت القيادة الإسرائيلية، كما يقول إلدار، تنظر إلى مبارك على أنه باق فى الحكم إلى الأبد ولن يفقد السلطة، وتعتبر أن مصر واحة الاستقرار فى العالم العربى، ولم تكن تتوقع أن تقوم ثورة فى مصر توقف توريد الغاز. وأضاف إلدار إن بنيامين بن إليعازر الذى كان وزيرا للبنية التحتية فى حكومة شارون، والذى تمتع بعلاقات وثيقة مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك هو الذى سعى من وراء الستار من أجل التوقيع على الاتفاقية، وحصل على دعم شارون الذى كان يعارض بشدة توقيع اتفاقية لاستيراد الغاز مع شركة بريتيش جاز التى تملك امتياز الغاز قبالة سواحل غزة بالاشتراك مع السلطة الفلسطينية، لأنه لا يثق فى الفلسطينيين. وقد استغل المحيطون بشارون هذه المعارضة لدفعه إلى توقيع الاتفاقية مع مصر، وكان يوسى ميمان هو من أقنع شارون بسهولة، وقدم له الدعم للسير فى هذا الاتجاه. أما يوسى بريتسكى وزير البنية التحتية فى الفترة بين عامى 2003/2004 فقد كان الوحيد الذى عارض توقيع اتفاقية واحدة لاستيراد الغاز من مصر ، وكان يرى عقد اتفاقيتين أحدهما مع الحكومة المصرية والأخرى مع شركة بريتيش جاز الإنجليزية حتى لا تصبح إسرائيل رهينة للغاز المصرى. وفى مقابلة مع موقع المونيتور قال بريتسكى كان واضحا لى أنه فى اليوم الذى يسقط فيه مبارك، ولا يهم من يخلفه، سيتوقف تدفق الغاز المصرى. ولم أؤسس استنتاجاتى على توقعات رجال المخابرات الإسرائيلية أو على علاقاتى الشخصية مع كبار المسئولين المصريين، وإنما على ما قاله المصريون بوضوح. وأوضح بريتسكى أن وزير البترول المصرى سامح فهمى قال له صراحة فى لقاء جمع بينهما إن الحكومة المصرية لن ترتبط باتفاق دولى ملزم مع الحكومة الإسرائيلية لبيع الغاز. وأضاف بريتسكى إن المصريين لم يكونوا مستعدين لتقديم أية ضمانات رسمية فى حالة الإخلال بالاتفاقية، وذات مرة قال لى مسئول كبير فى المؤسسة الأمنية إن الأمور معقدة مع مصر حتى فى وجود معاهدة السلام، ولذلك لا توجد فرصة لكى يوقعوا معنا على اتفاقية رسمية أخرى. ووفقا للوزير الإسرائيلى السابق فإن اتفاقية التفاهم التى توصل لها بن إليعازر لتوريد الغاز المصرى لإسرائيل لا توجد لها أية آثار قانونية، كأن تشترى شقة بدون عقد موقع ملزم على حد قوله. ويقول الصحفى شلومى إلدار إن الوزير يوسى بريتسكى تعرض لمؤامرة من رئيس شركة الكهرباء الإسرائيلية ورجل الأعمال يوسى ميمان لإزاحته من منصبه نتيجة لمعارضته للصفقة التى لعب فيها المال والعلاقات الخاصة دورا كبيرا للحصول على مغانم من ورائها. فبعد تصديق شركة الكهرباء الإسرائيلية على عقد توريد الغاز بعدة أسابيع أبلغ بريتسكى رئيس الحكومة شارون بقراره النهائى بعدم التجديد لإيلى لانداو فى منصب رئيس الشركة. ولكن لم تمر سوى 24 ساعة على قرار بريتسكى حتى أذاعت القناة الأولى فى التليفزيون الإسرائيلى تسجيلا حصلت عليه من محقق خاص يعلن فيه بريتسكى عن عزمه اغتيال منافسه فى زعامة حزب شينوى سياسيا. وفى أغقاب إذاعة هذا التسجيل أقيل بريتسكى من منصبه، وأعلن اعتزاله الحياة السياسية، وعين بنيامين بن إليعازر بدلا منه. وقد اتضح فيما بعد أن يوسى ميمان هو الذى استأجر المحقق الخاص.