قبل ستة أعوام صدرت الطبعة الأولى من رواية الكاتب محمد الفخراني "فاصل للدهشة" مصحوبة بجدل كبير، ورفض، وانحياز، وارتباك تجاه النص الذي كان له من عنوانه النصيب الأكبر "الدهشة"، لأنه لم يكتف بافتضاض التابوهات الثلاثة المعروفة: الدين والجنس والسياسة، فقرنهم بتابو اللغة، التي استعمل منها الفخراني الأكثر فظاظة، بذاءة، حقيقية، وشاعرية أيضًا. التقط الفخراني بضع شخصيات يتعارك في محيطها، وتتعارك في محيط: القذارة والزحام والجريمة والرقة والتعاسة والضحك، مشيدًا بهم معمارًا إنسانيًا غير مستهلك، صاحبًا القارئ في فاصل من الدهشة والمتعة والألم، يشبه في تلقيه الصدمات الكهربية التي قصد بها الكاتب الاحتكاك بوعي العالم والإشارة له على كل هذا الثراء وهذه القساوة. وعندما اطمأن المشغولون بالتصنيف والأرشفة، إلى تسكين الفخراني كأحد كتاب ما عرف بتيار "الواقعية القذرة"، خرج عليهم بنصه الأكثر إرباكًا ومغايرة "قبل أن يعرف البحر اسمه"، الذي حاز عنه جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام، متخليًا فيه عن أغلب عناصر بني الدراما، من مكان وزمان وحبكة، وربما شخصيات، إذا اختصصنا هذه الأخيرة بالبشر، حيث أبطال المجموعة هم الملاك الأصليون للطبيعة، من بحر وشمس وقمر وخيول وقوارب وطائرات ورقية وعصافير، وأريحة وسحابات، دٌونت حياتهم وفق مبدأ إعادة الخلق أو توزيع الأدوار الذي افتتح به محمد نصه: لا شيء أجمل من أن تخترع العالم". المجموعة هي الأولى ضمن ثلاثية قصصية، ضمت إلى جانبها مجموعة "قصص تلعب مع العالم" التي حاز عنها الكاتب جائزة يوسف إدريس العام الماضي، فضلا عن مجموعة ثالثة قيد النشر، يمكن قراءة أياً منها على حدة، أو تكامل بعضها بعضًا، وهي قصص تحاول أو هكذا وظّفها الكاتب فيما اعتبره:" إعادة تشكيل بعض مفردات العالم، وكتابة قصص حياة جديدة لها، وهذه المفردات ربما تكون فكرة، معنى، إحساس، أو كائن مادي".