يري العالم لوحة بيضاء يشكلها بروح السحر, ويلونها بريشة الفنان, ويحاول إعادة تشكيله بواقعيته القاسية والصادمة أحيانا, وبجموحه الرومانسي المدهش, والغرائبي أحيانا. الكتابة تبدو وكأنها كما كتب في إحدي قصصه( مدينة السحرة, تطفو علي الأرض مثل لوحة مائية, ليس فيها لاحد اسما.. شوارعها أفكار من خيال السحرة..) محمد الفخراني, حسب نقاد جيله وأجيال أكبر, أحد الأصوات الأدبية الجادة, يمتلك إخلاصا دءوبا للأدب, ويجدد نفسه بثقة مع كل عمل جديد. - دراستك وعملك بعيدان عن الأدب, متي أدركت ميولك الإبداعية, وأن لديك ما يستحق الكتابة؟ لاعلاقة لدراسة الشخص أو عمله بأن يصير كاتبا, فأنا درست الجيولوجيا ومازلت أعمل في نفس المجال, وحين قرأت اخترت الفلسفة وخلال سنوات قرأت كل ما وقع تحت يدي من كتبها, ربما كنت أبحث عن رؤيتي الخاصة للعالم.والكتابة والأدب علي وجه الخصوص موهبة لا تحتاج لدراسة, وتظل طافية داخل الكاتب مثل نقطة غامضة, حتي تأتي لحظة ما أو دافع شخصي جدا, شيء يلمس عمق الكاتب, ويضيء تلك النقطة الغامضة فيدرك أن لديه شيئا خاصا,, وأن هناك علامات وإشارات قديمة لم يكن مهما وقتها أن يفهمها بشكل كاف, فقط يكفي أن يشعرها, والآن يفهمها أو علي الأقل يعرف ما كانت تقوله له تلك العلامات. - أغلب أبناء جيلك ممن كتبوا بعد عام2000 يعلنون رفضهم للعالم الأدبي شبه المنغلق للأجيال السابقة سواء كانوا نقادا أو مبدعين, فهل تري أن جيلكم سيشكل تيارا أدبيا جديدا؟ وما ملامح هذا التيار بنظرك؟ جيلي فرض نفسه الآن بالفعل, وأضاف إلي الحياة الأدبية, وحقق شيئا جديدا, والأهم أن هذا لم يحدث في إطار تيار أدبي معين يضم كتاب الجيل, وإنما لكل كاتب شخصيته الأدبية, عالمه, لغته, وأسلوبه, فالكتابة عمل فردي, ليست عملا بالمشاركة أو بالجيل, كما أن الكتابة تحتفظ في النهاية بأسماء مفردة, لا بأجيال. - مجموعتك القصصية الأخيرة' قصص تلعب مع العالم' التي فزت عنها بجائزة' يوسف إدريس' للقصة عام2012 شكل غير تقليدي للكتابة القصصية, فهي تقع بين كونها رواية تلعب علي محور واحد, ومتتالية قصصية تربطهاخيوط, في' لعبة كتابة' مارستها بقصد؟ ماذا أردت بهذا؟ ما أردته هو ما أحب أن أفعله دوما مع الكتابة, وهو البحث عن طرق وأفكار جديدة, هناك شيئان في' قصص تلعب مع العالم', أحدهما يخص رؤيتي للعالم والكتابة, والآخر هو الطريقة الفنية التي أقدم بها هذه الرؤية, فأردت أن تعمل قصص المجموعة كلها في إطار فكرة واحدة, وهي إعادة تقديم مفردات العالم, وابتكار علاقات جديدة بين هذه المفردات, وتخيل علاقات محتملة بينها, في الوقت الذي ستكون هذه العلاقات هي بشكل ما صدي لعلاقتي الشخصية مع العالم ورؤيتي له وخيالاتي عنه, وفي الوقت نفسه فلكل قصة فكرتها المستقلة, ربما تقرئين حدثا في قصة ما, ثم تجدين تفسيرا له في قصة أخري, ربما تجدين روحا أو معني مشتركا في ثلاث قصص, دون ترتيب أو توالي لهذه القصص, هي ليست متتالية قصصية, وبالطبع ليست رواية, وإنما مجموعة قصص تشبه الكون في وحدته واتصاله ببعضه بعضا. هل تعتبر مجموعتيك' قصص تلعب مع العالم' و'قبل أن يعرف البحر اسمه' جزءا في مشروع تجريبي وهل للمشروع امتداد لديك؟ إضافة للمجموعتين هناك مجموعة ثالثة تحت الطبع بعنوان' طرق سرية للجموح', ورواية أعمل فيها الآن وكلها تمثل مرحلة كاملة في كتابتي, أعيد فيها تشكيل العالم, وابتكار علاقات جديدة بين مفرداته, وأعيد كتابة قصص نشأة وحياة تلك المفردات, وتلك المفردات تشمل أيضا المعاني والمشاعر, أكتب عما هو موجود في العالم, وما هو متوقع وجوده, ثم أبتكر أنا عالما جديدا, كل ذلك برؤيتي الشخصية, وتأويلاتي الخاصة, فيكون الناتج تجربة ستظهر في المجموعات الثلاث والرواية معا. في رأيي, أن أهم ما في الكتابة هو أن يمتلك الكاتب رؤية للعالم, وأن تكون له علاقة شخصية بهذا العالم. - من يقرأ العملين الأخيرين لك يشعر أنك تبحث عن صياغة فلسفية لعلم الجغرافيا في' قبل أن يعرف البحر اسمه', وصياغة إنسانية للمشاعر والتفاصيل الصغيرة في' قصص تلعب مع العالم' وتمارس لعبة الإدهاش لمن يقرأ. فهل هذا مقصود؟ الكتابة في كل أحوالها لا بد أن تكون مدهشة, وتقدم رؤية مختلفة, والمقولات القديمة مثل' لا جديد تحت الشمس' بائسة وغير صحيحة بالمرة, دائما هناك جديد في الكتابة, وطريق لم يكتشف بعد, أنا أبحث عن هذا الطريق دوما, والمجموعتان' قبل أن يعرف البحر اسمه', و'قصص تلعب مع العالم' تكمل كل منهما الأخري, رغم انفصالها عن صاحبتها, الأولي تخترع بعض مفردات العالم, وتكتب قصص حياة جديدة لها, والثانية تبتكر علاقات غير اعتيادية بين هذه المفرادت. -' بنت ليل' مجموعتك القصصية الأولي, و'فاصل للدهشة' روايتك الوحيدة كتبتهما بشكل شديد الواقعية, ثم بدأت تنفصل تماما عن كتابة الواقع في عمليك الأخيرين. فهل كانت تلك رحلة انتهت بالنسبة لك باعتبارهما عالما عاديا يكتب عنه الآخرون؟ هي ليست مرحلة انتهيت منها, وإنما مرحلة كتبتها, والآن أكتب مرحلة جديدة, ولا يوجد في الكتابة ما يمكن تسميته عالما عاديا, فالكاتب برؤيته الخاصة ومهارته الفنية يمكنه أن يقدم أي عالم بطريقة غير عادية,وبرأيي أن كل شيء في العالم معجزة بحد ذاته, مجرد ظهور يوم جديد, هو معجزة تحدث كل يوم دون أن ننتبه, الكاتب صاحب الرؤية يمكنه أن يعرف سر الأشياء, أو علي الأقل يبحث عن هذا السر, وخلال هذا البحث سيكتشف الكثير من الأشياء الرائعة عن العالم, ثم يقدمها علي طريقته. وفي مجموعة' بنت ليل' ورواية' فاصل للدهشة', رغم اختلافهما عن المجموعتين التاليتين, إلا أنها جميعا بالنسبة لي عالم واحد, هي لقطات مختلفة من عالم كتابتي. - رواية' فاصل للدهشة' كانت صادمة لمن قرأوها, وتبدو علي حد تعبير البعض تعرية فاضحة لعالم المهمشين, هل كنت تقصد إحداث هذه الصدمة لمن يقرؤها أم هي الحقيقة عندما نكتب عنها بلا محاذير؟ لم أتعمد أن تكون' فاصل للدهشة' صادمة, ما كان يعنيني هو أن أكون صادقا معها إنسانيا وفنيا, وأن أكتبها بطريقة أكون مقتنعا بها, أنا لا أري' فاصل للدهشة' تعرية لعالم المهمشين بالمعني البسيط لكلمة' تعرية', لم أقدم هذا العالم في موقف الضعيف, أو الأدني, الذي يستحق الشفقة أو' الفرجة', وإنما قدمته قويا رغم آلامه, قادرا علي أن يمد يده وينتزع لنفسه حياة ما, وإن كان هناك من تم تعريته فهو المجتمع. - غالبا ما يلجأ أبناء جيلك للتعبير عن أنفسهم في أدبهم ولا يخلو عمل تقريبا من أعمالهم إلا وتجد فيه جزءا من تجاربهم الشخصية.. أين أنت من أعمالك؟ أنا كل ما أكتبه, أكتب نفسي بطريقة ما, أفكاري عن العالم, رؤيتي له, تخيلاتي عنه, وعندما أكتب عن كائنات مثل البحر أو الغابة, أو معني مثل الحرية أو الكذب, فأنا أكتب كيف كنت سأتصرف لو أني بحر أو غابة, لو أني هذا المعني أو تلك الفكرة, وبالتالي أنا أكتبني في النهاية. - هل تأتي الكتابة عندك بقرار وتكون الفكرة واضحة في ذهنك أم أنها تأتي كلحظة إبداعية تتحدد وقت حدوثها؟ لا شيء محدد, في بداية كل عمل تكون هناك فكرة, وخطوط عامة, وأثناء الكتابة تتفرع هذه الخطوط, وتتكشف مفاجآت ومناطق جديدة, وفقط تتبعين إحساسك, وحفنة الأفكار التي معك وتمضين, فيتكشف لك الطريق, وتحصلين علي مفاجآت تفرحك, وأحيانا يحتاج الأمر إلي ما يشبه قرار, عندما تستنزفك التفاصيل اليومية, أو غيرها, أتمني لو كان بإمكان الكاتب أن يحصل علي عدة نسخ من نفسه, نسخة تكتب, ونسخة تعيش الحياة. - بعد2007 لم تقترب من السياسة والواقع كله, بل فضلت الكتابة الاقرب للفلسفة بلغة ناعمة وصياغات تجنح لتراكيب لغوية شديدة الرومانسية بينما كنا في خضم عالم مليء بالتفاعلات السياسية الساخنة, لماذا فضلت ان تبتعد؟ بعد أن كتبت' فاصل للدهشة', بواقعيتها الشديدة, أو واقعية ما بعد القاع, ضمن ما أطلق عليها من تسميات, كان بإمكاني أن أستمر في عالم الهامش بسهولة, لكني كنت أبحث عن عالم جديد, وأسلوب فني جديد, أقدم من خلاله أفكاري ورؤيتي, أبحث عن وجه آخر للعالم,, السياسة أقل كثيرا من أن يتتبعها الفن بالرصد, هي في كل أحوالها واقع طارئ, الكتابة يمكنها أن تقدم أشياء أفضل, وتكتشف أفكارا أكثر جمالا. يمكن للكاتب أن يعبر عن وجهة نظره في الواقع الراهن بأكثر من طريقة, وعندما يفعل ذلك داخل عمل فني, فلابد أن يحدث هذا علي طريقة الفن, بشكل شخصي أحاول أن تتجاوز كتابتي الحدث الراهن, والفكرة السطحية العارضة, أفكر في كتابة تتماهي مع المفردات الأصيلة للكون والإنسان, وهذا ما يمكن تسميته' الواقع المستمر'