يروى استاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، الدكتور عبدالعليم أبوهيثم، تفاصيل ما سمى ب«الثورة العربية الكبرى» عام 1916 التى قام بها الشريف حسين حاكم مكة ضد الدولة العثمانية، والتى بدأت بتطلعات الشريف حسين لقيام دولة عربية إسلامية قوية بعد ضعف الدولة العثمانية واتباع سياسة التتريك من قبل جمعية الاتحاد والترقى. اتسمت جماعة الاتحاد والترقى بالعنصرية وانحياز العرق التركى على العرق العربى وتدهورت الدولة العثمانية التى اعتمدت على العنصر العربى أكثر من الفصيل التركى فى تولى المناصب الكبرى بالدولة، الأمر الذى أدى لظهور الجمعية تحت اسم «جمعية الاتحاد العثمانى» فى عام 1889.
وكانت الجمعية بمثابة حركة معارضة ورفض سياسة السلطان عبدالحميد الثانى فى الإمبراطورية العثمانية، واجتمعت حول فكرة القومية على اللغة والعرق والطائفة، مبتعدة عن العرب باعتبارهم غير شركاء فى العرق واللغة.
وكانت معاناة الشعب العربى فى تلك الفترة ومحاولات التتريك من قبل كمال اتاتورك أحد قادة القوميين الأتراك، وتردى الوضع الاقتصادى للدولة العثمانية، كانت كلها عوامل أدت لقيام الشريف حسين حاكم مكة بالتحالف مع الجمعيات العربية الموجودة فى بلاد المغرب العربى والشام، موضحا مكانة الشريف حسين عند العرب كونه من الأشراف واستخدام الوتر الدينى عن العرب وقتها فى استقطابهم وتأييدهم له، على اعتباره أفضل من يمثل الإسلام وقيام دولة إسلامية بعيدة عن الخلافة العثمانية الضعيفة.
تحالف شيوخ القبائل مع الشريف
وعن تخلى القوى المحلية من شيوخ القبائل عن الدولة العثمانية وانضمامها للشريف حسين برغم تحالفه مع انجلترا وفرنسا، فقد عانت الطوائف المحلية فى ذلك الوقت من الضغوط الرأسمالية الاحتكارية من قبل الدولة التى أطلق على بلاد المغرب فى ذلك الفترة البقرة الحلوب، وذلك لقيام الدولة العثمانية بنهب ثروات البلاد وفرض الضرائب دون إحداث نهضة أو تنمية حقيقية مما دفع الطوائف للتحالف مع الشريف حسين.
وكان مفهوم الثورة لم يكن يعرف وقتها، وكان الحدث أشبه بتمرد من قبل شيوخ القبائل والطوائف لمصالح سياسية شخصية وليس لمصالح الشعوب، إلى جانب عدم وعى الشعب بمفهوم الثورات المعروف بشكله الآن.
وعانت الدولة العثمانية من ضعف وخلل شديد حيث أطلق عليها فى تلك الفترة «رجل اوروبا المريض» مما دفع انجلترا وفرنسا للتحالف مع الشريف حسين فيما عرف ب«مراسلات حسين مكماهون» بين الشريف حسين والمعتمد البريطانى بالقاهرة هنرى مكماهون، التى نصت على اعتراف انجلترا وفرنسا بخلافة إسلامية عربية عاصمتها مكةالمكرمة.
ويرجع ضعف الدولة العثمانية لكبر مساحة الدولة، وعدم وجود الفكر الإدارى والسياسى والتنظيمى للدولة متزامنا مع نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، وتوغل الطوائف فى المنطقة العربية مثل الأكراد فى العراق والحركة الوهابية السلفية فى مكة ونجد والمغارنة فى لبنان والأسرة الحسينية فى بلاد المغرب العربى والمماليك فى بلاد الشام، الطوائف التى وجدت فى الشريف حسين زعيم للأمة الإسلامية وخلاصهم من القبضة الرأسمالية للدولة العثمانية.
ولم يستمر الشريف حسين فى استكمال ثورته حيث تحولت توجهات الشريف لتصبح الجناح العسكرى للإنجليز بعد انهزام الجيش العثمانى فى مناطق مكة والحجاز واليمن والطائف وحلب وحماة وطرابلس وصيدا وصور وحمص وشرق الأردن، وفى نوفمبر 1917 تم تشكيل الحكومة العربية الاولى فى بيروت.
الأمر الذى انتهى بولاية الشريف حسين على مكة وإمارة ولديه الشريف عبدالله على الأردن والشريف فيصل على العراق، وترك آل سعود حكم الحجاز، حتى قيام الثورات والتحرير فى الوطن العربى عدا فلسطين بعد وعد بلفور.