عندما نتأمل فى حمام الدم المسفوح فى سوريا خلال العامين الأخيرين، يظهر بين المشاركين فيه لاعبون جدد مثل جبهة النصرة، الميليشيا المرتبطة بالقاعدة، لكن اللاعبين الأساسيين معروفون وقديمون: فهناك بشار الأسد والطائفة العلوية، وحزب الله الذى يتزعمه نصر الله، والتابع لأوامر طهران. كان والد بشار، حافظ الأسد، مشهورا بوحشيته. فقد قمع تظاهرات الإخوان المسلمين فى حماة سنة 1982 بمجزرة أودت بحياة نحو 20 ألف شخص من سكان المدينة ارتكبها شقيقه رفعت الأسد. وبعد مرور أشهر على ذلك، أمر حافظ الأسد باغتيال الرئيس اللبنانى المنتخب، بشير الجميل. وما يمكن قوله هو أن نظامَ عائلة الأسد نظامُ رجال عصابات لا يقيمون وزنا لحياة الإنسان أو للقانون.
فكيف نفسر، والحال هذه، حماسة رؤساء الحكومة الإسرائيلية، من يتسحاق رابين حتى إيهود أولمرت، للتوصل إلى اتفاق سلام مع رجال عصابات وإعادة الجولان إليهم؟ وكيف يمكن تفسير محاولة رابين وإيهود باراك إشراك الرئيس الأمريكى بيل كلينتون فى المفاوضات «مع السوريين»، والتى أثنى باراك خلالها على الرئيس السورى حافظ الأسد واصفا إياه بالزعيم الكبير وبانى سوريا الحديثة؟ أمّا أولمرت فطلب من صديقه «التركى الكبير» رجب طيب أردوغان التوسط بين إسرائيل ونظام العصابات فى سوريا.
فإذا كان كلينتون لا يعرف الطبيعة الحقيقية للعصابة الحاكمة فى سوريا، فإن رؤساء الحكومة الإسرائيلية يعرفونها من دون شك.
أمّا بالنسبة إلى حزب الله، التنظيم الشيعى المسئول عن موت مئات المواطنين الإسرائيليين، والذى سبق أن أعلن فى سنة 1985 أن هدفه هو «القضاء نهائيا على إسرائيل»، فإنه اليوم يساعد الأسد فى ذبح أبناء شعبه.
وكأنه لا يكفينا أوهام الزعماء الإسرائيليين الذين سعوا لتوقيع اتفاق مع الأسد، فقد انضم إلى هؤلاء، أولئك الذين ادّعوا أنه بعد إعادة الجولان إلى السوريين، سيقوم النظام السورى بمنع حزب الله من مهاجمة إسرائيل، وأنه بهذه الطريقة سيحل السلام سواء على الحدود مع سوريا، أو مع لبنان. ووفق دعاة نظرية الواقعية السياسية فإن من مصلحة إسرائيل سيطرة سوريا على لبنان، وأن فى الإمكان الاعتماد على الأسد.
وفى الواقع وراء هذا كله هناك فكرة أساسية سيطرت على عقول أنصار السلام هى ضرورة عودة إسرائيل إلى خطوط الرابع من يونيو 1967، وأن هذه هى الوصفة الأكيدة لتحقيق السلام والأمن. وهذا ما حدث فعلا فى مفاوضات السلام مع مصر، وأن هذا ما يجب فعله مع سوريا. واليوم، وبعد أن فرضت الأوضاع التخلى عن هذه الخطة، هناك مَن يطالب بتطبيقها فى يهودا والسامرة «الضفة الغربية». كأنما الواقع الجديد فى الشرق الأوسط لم يغير شيئا من معتقداتهم، وهم يفضلون نسيان أن إسرائيل فى يونيو سنة 1967 كانت مهددة بخطر وجودى.