وزير التعليم: إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا في مصر بداية من يونيو 2025    "نهجكم الحواري ينقذ الموقف".. الجمعية المصرية لأصحاب المدارس الخاصة تشيد بتفهم وزير العمل لقضية الحد الأدنى للأجور    "تشكيل حكومة موحدة".. بيان مجلس النواب الليبي بشأن أحداث ‫طرابلس    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    إمام عاشور يتوسط بوستر ترويجيا لبطولة كأس العالم للأندية    تفاصيل مشاجرة طلابية بالأسلحة أمام مدرسة في ديرمواس بالمنيا    عدت على خير، بهاء الدين محمد يتصدر التريند بعد إجرائه عملية جراحية    فقدت توزانها.. سما إبراهيم تتعرض لوعكة صحية    القصة الكاملة لحادث دهس الفنان نور النبوي موظفًا بالكهرباء    قرار قضائي جديد بشأن 64 متهما في قضية "خلية القاهرة الجديدة"    أسامة نبيه: جاهزون لمنتخب المغرب.. والمباراة ديربي عربي أفريقي ونهائي مبكر للبطولة    مدرب المغرب: "نحترم مصر.. لكن نريد الذهاب إلى المونديال ونحن أبطال أفريقيا"    محمد أبو السعود رئيساً تنفيذياً للبنك الزراعي وسامي عبد الصادق نائبا    مشاركة جامعة كفر الشيخ باللقاء الختامي لمراكز التدريب على مستوى الجامعات    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    النيابة تستأنف التحقيق في انفجار خط غاز بطريق الواحات: 8 ضحايا واحتراق 13 سيارة    «زراعة النواب» توافق علي موازنة «الطب البيطرى» للعام المالي الجديد    موعد مباراة الأهلي والبنك الأهلي في الدوري والقناة الناقلة    صالون ثقافي حول «معوقات العمل الأدبي» بثقافة العريش    «الشرق الأوسط كله سف عليا».. فتحي عبد الوهاب يكشف كواليس «السيلفي»    وزير الصحة: الانتهاء من تطوير وإنشاء 20 مستشفى في 11 محافظة خلال 2025، بتكلفة 11.7 مليار جنيه    المؤبد والمشدد 15 عاما لمتهمين بقتل «صبى» طعنا بالمطاوي في شبرا الخيمة    جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2025 الترم الثاني محافظة شمال سيناء    إزالة 15 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب أسيوط (صور)    الخدمات البيطرية: 317 مليون جنيه لتفعيل قانون الحيوانات الخطرة والكلاب    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    لأصحاب برج السرطان.. اعرف حظك في النصف الثاني من مايو 2025    مشاجرة بالأسلحة النارية بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. وإصابة 6 أشخاص    إعفاء وخصم وإحالة للتحقيق.. تفاصيل زيارة مفاجئة إلى مستشفى أبو حماد المركزي في الشرقية    بالصور- حريق في مصنع الهدرجة للزيوت والمنظفات بسوهاج    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2025 في محافظة البحر الأحمر    الليلة.. ميلان فى مهمة كسر عقدة كأس إيطاليا أمام بولونيا    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    بعد حل العمال الكردستاني.. أردوغان: تخلصنا من الإرهاب والعنف أصبح من الماضي    المجموعة الوزارية للتنمية البشرية تؤكد أهمية الاستثمار في الكوادر الوطنية    وزيرة التضامن تترأس اجتماع مجموعة العمل الوزارية بشأن تنفيذ مقترحات زيادة فصول الحضانات    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    استعدادًا لموسم الحج.. رفع كسوة الكعبة "صور"    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    طرابلس تتحول ل"مدينة أشباح".. ممثلو 30 شركة إيطالية محاصرين بفندق بعاصمة ليبيا    مسئول أمريكي سابق يصف الاتفاق مع الصين بالهش: مهدد بالانهيار في أي لحظة    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الثقافة الجديد يتحسس مسدسه
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 06 - 2013

قرأت مرة تعريفا للمثقف لا يخلو من طرافة، وأظن أن القائل به لم يكن جادا تماما، ومع ذلك فالتعريف لا يبعد كثيرا عن الحقيقة. المثقف طبقا لهذا التعريف هو «الشخص المشغول بالأمور المبهمة»!.

المثقف فيما يبدو، لا يكف عن البحث عن الحقيقة (وان كانت هذه الحقيقة دائما مبهمة)، سواء كانت طريقته فى البحث عنها كتابة قصة أو رواية أو مسرحية، أو رسم صورة أو كاريكاتير، أو نحت تمثال، أو تأليف مقطوعة موسيقية، أو كتابة بحث تاريخى أو اجتماعى...إلخ. هناك دائما شىء مبهم، أو على الأقل ليس واضحا تماما، عصى عن الاحاطة التامة به، والنتيجة لا تكون أبدا قاطعة (بل ان النتيجة القاطعة كثيرا ما تفسد العمل الأدبى وتضعف البحث التاريخى أو الاجتماعى).

ولكن هذا العجز المستمر عن الوصول إلى نتيجة قاطعة (مع المحاولة المستمرة للاقتراب منها) هو نفسه الذى يكسب العمل الأدبى أو الفنى جماله، ويكسب البحث التاريخى أو الاجتماعى قدرته على إثارة المزيد من التفكير. هذا العجز عن الوصول إلى نتيجة قاطعة هو أيضا الذى يجعل الأديب أو الفنان أو الباحث لا يتوقف أبدا عن المحاولة من جديد، ومن ثم يضفى على حياتنا بهجة مستمرة وحيوية متجددة، ويجعلنا نفهم وصف شخص بأنه «مثقف»، لا على أنه شخص بلغ درجة معينة من المعرفة، بل على أنه شخص منهمك فى «عملية» لا تنتهى من البحث عن حل «لأمور مبهمة».

تذكرت هذا التعريف للمثقف عندما شاهدت فى الآونة الأخيرة احتدام الصدام بين عدد كبير من صفوة المثقفين المصريين وبين وزير جديد للثقافة، عينه نظام يحكمه الإخوان المسلمون، وخطر لى أن السبب الحقيقى لهذا الصدام الحاد قد يكمن فى الفرق بين طبيعة المثقف (التى وصفتها فيما سبق) وبين طريقة تفكير المنتمين لمذهب من مذاهب الفكر السلفى (بالمعنى العام للسلفية الذى يشمل أيضا جماعة الإخوان المسلمين).

لقد قرأت فى الصحف، فى غمار هذا الصدام، اتهاما وجهه بعض المثقفين لجماعة الإخوان يتضمن خلوها من «المبدعين»، وان الاسم الوحيد منهم، وهو سيد قطب، الذى يمكن اعتباره استثناء، كان نشاطه الثقافى أو «الإبداعى» سابقا على انتمائه للجماعة، ثم توقف بعد انتمائه إليها. هذا الاتهام فى رأيى صحيح (حتى لو عثرنا على استثناء أو استثناءين غير مثال سيد قطب الذى يدعم الاتهام ولا يدحضه)، مما يثير التساؤل عما إذا كان هناك تعارض مهم بين طبيعة (أو نفسية) المثقف، وطبيعة المنتمى إلى جماعة تعتنق مذهبا من المذاهب السلفية.

•••

أرجو ألا يستغرب القارئ (الذى سار معى حتى هذه النقطة)، إذا تحولت فجأة إلى الكلام عن نوع اخر من الناشطين السياسيين وهم الماركسيون. فعلى الرغم مما نعرفه من تعارض صارخ بين أفكار الماركسيين وأفكار المتدينين المسيسين، فإن بين الفريقين شبها صارخا أيضا، كثيرا ما أشار إليه دارسو الفكر السياسى، مما يسمح لى بالكلام عن الفريقين وكأنهما يتخذان موقفا واحدا من الثقافة والمثقفين.

قد يبدو هذا الكلام متعارضا مع ما نعرفه عن كثير من الماركسيين من اتساع فى الثقافة، واهتمامهم بمختلف أنواع الفنون والعلوم. ولكننى أصر على أن هناك وجه شبه مهما بين الفريقين فيما نحن بصدده.

فإذا قبلنا تعريف «المثقف» بأنه يشير إلى عملية مستمرة من القلق والبحث، وليس بأنه الشخص واسع المعرفة، وجدنا أن الماركسى المتعصب والمتدين المتعصب يجمعهما شىء هو العكس بالضبط، وهو الاطمئنان التام إلى أن ما وصل إليه تفكيره هو الحقيقة المطلقة التى لا تقبل نقاشا ولا تحتمل المزيد من الكلام، وأن هناك نصوصا قاطعة، لا تحتوى فقط على هذه الحقيقة المطلقة، بل ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، وأن التفسير الذى يتبناه صاحبنا هو التفسير الوحيد الصحيح والباقى هراء.

هذه الحقيقة الواحدة المطلقة، الكامنة وراء نصوص مقدسة أو شبه مقدسة، ولا تحتمل أكثر من تفسير واحد، تتعلق بالحياة الدنيا والحياة الآخرة (ويخطئ من يظن أن الماركسيين ليس لديهم أفكار قاطعة عن الحياة الأخرى أيضا)، وهى تتعلق بشكل النظام السياسى كما تتعلق بالعلاقات الاجتماعية والأخلاق.

كل شىء معروف ومنته، والتدليل على ذلك سهل جدا، إذ يكفى فى ذلك اقتطاف نص أو قول مأثور، دون بذلك أى جهد لفحص التفسيرات المختلفة التى يمكن ان تعطى له، أو للبحث عن المعانى المختلفة التى يمكن أن تعطى للكلمات والمصطلحات. الأمر دائما مقطوع به ولا يحتمل أى نقاش، أو حتى إرهاق الذهن بإعادة التفكير فيه.

إذا كان الأمر كذلك، فهل نستغرب أن يخلو أصحاب الفكر السلفى من «المبدعين»، أيا كان تعريفنا للإبداع؟ أن يكون هذا موقفهم من المثقفين المشغولين «بالبحث فى الأمور المبهمة»؟ بل هل نستغرب أن يقدموا بتغطية التماثيل أو تكسيرها، وبإحراق الكتب وإغلاق الأوبرا وتحقير فن الباليه.. الخ؟ إذًا ما الذى يمكن أن يكون هدف ناحتى التماثيل ومؤلفى الكتب، وراقصى الباليه إلا إثارة الشكوك فى أشياء تم حسمها منذ زمن طويل وانتهى حولها الخلاف؟.

إن هذا ما يفعله المتدينون المتعصبون اليوم، وهو نفسه ما فعله الماركسيون فى روسيا السوفييتية فقتلوا روح الشعب الروسى لعشرات من السنين، وهو ما فعله النازيون فى ألمانيا والفاشيون فى إيطاليا، لفترة أقصر لحسن الحظ، فأجبروا أصحاب أفضل العقول وأشد الناس حساسية على الهجرة هاربين إلى خارج بلادهم، أو على الهجرة مكتئبين إلى داخل النفس، مع التزام الصمت التام.


•••

من الأقوال المأثورة عن زعيم من زعماء النازية، وكان أيضا الساعد الأيمن لهتلر «إننى إذا رأيت مثقفا أتحسس مسدسى». وقد صدرت عن ستالين وموسولينى وهتلر نفسه أقوال مماثلة عن المثقفين. وقرأنا كيف كان حكم التاريخ على الرجال الثلاثة، سواء من تم شنقه منهم فى ميدان عام، أو قتل نفسه، أو مات موتا طبيعيا ثم تولى خلفاؤه كشف جرائمه بعد وفاته بثلاثة أعوام.

وها نحن الآن قدر رزقنا بوزير جديد للثقافة يقول كلاما مشابها عن المثقفين المصريين، ويتوعدهم بالتنكيل وسوء المصير، لأنهم يسيئون الأدب وينفقون أموال الدولة على مالا نفع منه. ها هو إذن وزيرنا الجديد للثقافة يتحسس مسدسه. وليس من الصعب، والحال كذلك، التنبؤ بما سوف يحدث للمصريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.