سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الصاغة الاثنين 5 مايو 2025    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    طهران: دعم اليمنيين لفلسطين قرار مستقل واتهام إيران به تضليل لتغطية جرائم إسرائيل    تشكيل الزمالك المتوقع ضد البنك الأهلي اليوم في الدوري    مواعيد مباريات اليوم الإثنين: الزمالك والبنك الأهلي.. ميلان الإيطالي    حسام عاشور يتهم مدرسا بضرب ابنه في الهرم    إصابة سائق بطلق ناري في مشاجرة بسبب خلافات مالية بسوهاج    سوسن بدر ضيف شرف فيلم «السلم والثعبان 2»    انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف بالهاون    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    هل يشارك زيزو مع الزمالك في مواجهة البنك الأهلي الليلة؟    العظمى في القاهرة 28 درجة.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الاثنين 5 مايو 2025    لاعب الأهلى حسام عاشور يتهم مدرسا بضرب ابنه فى الهرم    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ المشروع السكني "ديارنا" المطروح للحجز حاليا بمدينة بني سويف الجديدة    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيلية بشأن المساعدات إلى غزة    «المصرى اليوم» تحاور المكرمين باحتفالية «عيد العمال»: نصيحتنا للشباب «السعى يجلب النجاح»    «يا خلي القلب» و«أيظن».. الأوبرا تحيي ذكرى رحيل عبد الوهاب على المسرح الكبير    الدولار ب50.68 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 5-5-2025    هل عملية إسرائيل الموسعة في غزة مرهونة بجولة ترامب في الشرق الأوسط؟    المجلس الوزاري الإسرائيلي يوافق على توسيع عملية الجيش في قطاع غزة    رويترز: ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومى    أشرف نصار ل ستاد المحور: توقيع محمد فتحي للزمالك؟ إذا أراد الرحيل سنوافق    لا أستبعد الخيار العسكري.. ماذا قال ترامب عن ضم جزيرة جرينلاند؟    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 5 مايو    زوج شام الذهبي يتحدث عن علاقته بأصالة: «هي أمي التانية.. وبحبها من وأنا طفل»    عمرو دياب يُحيى حفلا ضخما فى دبى وسط الآلاف من الجمهور    زي الجاهز للتوفير في الميزانية، طريقة عمل صوص الشوكولاتة    تفاصيل اتفاق ممثل زيزو مع حسين لبيب بشأن العودة إلى الزمالك    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    ادعى الشك في سلوكها.. حبس المتهم بقتل شقيقته في أوسيم    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    مبادرة «أطفالنا خط أحمر» تناشد «القومي للطفولة والأمومة» بالتنسيق والتعاون لإنقاذ الأطفال من هتك أعراضهم    لهذا السبب..ايداع الطفلة "شهد " في دار رعاية بالدقهلية    بعد تعرضه لوعكة مفاجئة.. تطورات الحالة الصحية للفنان صبري عبدالمنعم    باكستان تطلب جلسة طارئة مغلقة لمجلس الأمن لبحث التوترات مع الهند بشأن كشمير    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    رئيس محلية النواب يستنكر فكرة تعويض المستأجرين بمساكن بديلة    التحريات تكشف ملابسات وفاة شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع    أول تعليق رسمي من جامعة الزقازيق بشأن وفاة الطالبة روان ناصر    انتهاء الورشة التدريبية لمدربى كرة القدم فى الشرقية برعاية وزارة الرياضة    محمود ناجى حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلى فى الدورى    مجلس الشيوخ يناقش اقتراح برغبة بشأن تفعيل قانون المسنين    أمين الفتوى يوضح حكم الميت الذي كان يتعمد منع الزكاة وهل يجب على الورثة إخراجها    قداسة البابا يلتقي مفتي صربيا ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلاقات المحبة بين الأديان    جودي.. اسم مؤقت لطفلة تبحث عن أسرتها في العاشر من رمضان    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    ما هي محظورات الحج للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز التعاقد على شراء كميات محددة من الأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يجيب    برج الميزان.. حظك اليوم الإثنين 5 مايو: قراراتك هي نجاحك    فرع محو الأمية بالإسماعيلية يفتتح دورة لغة الإشارة بالتنسيق مع جامعة القناة    «في عيدهم».. نائب رئيس سموحة يُكرّم 100 عامل: «العمود الفقري وشركاء التنمية» (صور)    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    مساعد وزير الصحة ووكيل صحة سوهاج يتفقدان مستشفى ساقلته    مجلس جامعة الأزهر يوجّه توصيات مهمة بشأن الامتحانات    البابا تواضروس الثاني يلتقي أبناء الكنيسة القبطية في صربيا    جامعة القاهرة تصدر تقريرها الرابع للاستدامة حول جهودها في المجال الأكاديمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مؤتمر للدفاع عنها :
الإسلاميون يهاجمون حرية التعبير
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 07 - 2012

هل قرر الإسلاميون التكشير عن أنيابهم للإبداع؟ وهل مندوبوهم المكلفون بحضور المؤتمرات والندوات يقومون بتسجيل أسماء من يعاديهم الفكر؟ هل حان موعد الصدام بين المبدعين والإسلاميين؟ وبأي طريقة يمكن أن ندير المعركة مع التيارات التي تظن أنها تمتلك الحقيقة المطلقة؟
الأسئلة المطروحة أثارتها ردود الفعل العنيفة التي وجهها الإسلاميون للمنصة خلال مؤتمر "الحرية والإبداع" الذي عقده المجلس الأعلي للثقافة علي مدار يومي 4 و5 يوليو الجاري، وكان لافتا شغل الإسلاميين لمقاعد محددة لم يبدلوها كما لم يبدلوا هجومهم علي كل من طرح اشتباكاً بين الفن والدين من وجهة نظرهم، حتي ولو كان ذلك يقدم رؤية مختلفة للدين تخالف رؤيتهم، مثل رؤية نصر حامد أبو زيد، الذي نال نصيباً كافياً من السخط الإسلامي خلال جلستي اليوم الثاني.
افتتح المؤتمر الدكتور سعيد توفيق، الأمين العام للمجلس، بكلمة تحدث فيها عن أهمية حرية الإبداع وخطر فرض قيود عليه. ثم بدأت الجلسة الأولي التي شارك فيها المحامي عصام الإسلامبولي بكلمة تحت عنوان "الحماية الدولية والدستورية لحريات الفكر والرأي والإبداع" قال فيها:"إن الحرية ثقافة قبل أن تصبح سياسة، لأن الثقافة هي مجموع الأفكار المتكاملة التي يؤمن بها الناس، وثقافة الحرية هي مجموعة الأفكار التي تصنع نسقاً متكاملاً لمفهوم الحرية، ولا يمكن لكاتب أو فنان أن يبدع في غياب منه عن الإيمان بالحرية، لأن الأصل أنه لا نهضة إلا بحرية التفكير والتعبير والمبادرة والإبداع ودون هذه الحريات لا تقوم نهضة ولا يرتجي أمل". وأضاف الإسلامبولي:"منذ الأزل البعيد كان الصراع الدائر بين الإبداع والقهر، بدءاً من سقراط وجاليليو مروراً بابن رشد وطه حسين ونصر حامد أبو زيد، وكانت الحرية فعلاً وليست مجرد ظاهرة أو واقعة أو حالة، فحرية الفكر بمثابة حركة داخل الإنسان، يتولد عنها الاعتقاد بفكرة معينة". وذكر الإسلامبولي ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، حيث نص في المادة التاسعة أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار ونقلها إلي الآخرين بأية وسيلة دون اعتبار للحدود. وسلط الإسلامبولي الضوء علي الدساتير المصرية منذ عام 23 حتي الإعلان الدستوري الأخير، فقد تضمنت النصوص التالية تأكيداً لهذه الحماية" ففي دستور 23، المادة 14: حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان الإعراب عن فكرة بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون" ونفس الشيء في دستور 30 و56 و64 و71 . ويقول الإسلامبولي: "يُلاحَظ أن الدساتير المصرية كانت تعتبر حرية البحث العلمي والإبداع جزء من حرية التعبير والرأي".
قضايا الحسبة
وفي كلمة بعنوان "قضايا الحسبة متي ولماذا" تحدث الكاتب حلمي النمنم باستفاضة في تاريخ الحسبة، بداية من العصر الأموي، وأشار لاختلاف الباحثين عما إذا كانت الحسبة نظاماً إسلامياً أم مأخوذاً من الدولة البيزنطية، التي عرفت المحتسب تحت اسم "صاحب السوق". قال النمنم "بين حكام مصر اهتم صلاح الدين الأيوبي بالحسبة والمحتسب، ذلك لأنه لاحظ أن التجار في الأسواق هم الأكثر ارتباطاً بالعهد الفاطمي والمذهب الشيعي، ولما كان يقوم بعملية تحويل الدولة إلي المذهب السني شغل بمراقبة هؤلاء التجار ومتابعتهم عبر المحتسب ونظام الحسبة". تتبع النمنم راصداً تطور الحسبة في الدولة المملوكية والعصر العثماني. وأوضح أنه:"طوال التاريخ الإسلامي لن نجد للمحتسب علاقة بشئون الشعراء والعلماء والباحثين، بل كان مسئول عن الجوانب التموينية وبعض قطاعات الخدمات كالحمامات العامة والحلاقين وخدام المساجد والمؤذنين ومعلمي الصبيان ومؤدبيهم، أما إذا سقط شاعر في هجاء مسئول أو أحد الأعيان أو اُتهم في عقيدته فقد كان يذهب للقضاء دون المحتسب". وتميزت الدولة العباسية، طبقاً للنمنم، في هذا الشأن، فعندما اشتدت حركة الزندقة والزنادقة، ظهر ديوان الزندقة في عهد الخليفة المهدي ليتابع هؤلاء الزنادقة ويتعامل معهم، ولم يكن للمحتسبين ولا الحسبة شأن بهم، والمعروف أن هذه الحركة كانت غطاءً لمواقف وآراء سياسية بين الدولة وخلفائها في بغداد أكثر منها تعبيراً عن الدخول في مواجهة مع العقيدة الدينية". وأوضح النمنم أنه"في القرن التاسع عشر تراجعت الحسبة واختفي المحتسب نهائياً، لكنه حاول العودة للظهور في القرن العشرين، لكنها عودة في غير مجالها الذي عرفت به طوال التاريخ الإسلامي، لتصفية حسابات والانتقام أو التنفيس عن أحقاد خاصةً تجاه كاتب أو مبدع، وبالتأكيد كان بينها ما يعبر عن مخاوف دينية وعقائدية".
ماجدة فتحي رشوان، في ورقة بعنوان "أهم القوانين المقيدة لحرية الفكر والإبداع"، تحدثت عن ضرورة الفن وأهميته لحياة البشر، وانتقلت لتناول قانون الحسبة الذي سُلط علي الفنانين والمبدعين حتي بعد تعديل القانون في المادة 3 مرافعات وكذلك تشريع القانون 3 لسنة 96 بشأن الحسبة. تناولت رشوان معني الحسبة اللغوي، والحسبة في الشرائع القديمة، كما تعرضت لقضايا الحسبة الجديدة ضد نصر حامد أبو زيد وسيد القمني والشاعر عبد المنعم رمضان لقصيدته "أنت الوشم الباقي" وعلي الشاعر حلمي سالم لقصيدة "شرفة ليلي مراد" وضد عبد المعطي حجازي وحيدر حيدر وسعاد صالح، عميدة كلية البنات الإسلامية السابقة بتهمة تحقير النساء المنقبات، وأيضاً علي عبد الصبور شاهين نفسه كاتب التقرير التكفيري لنصر حامد أبو زيد!!! أقامها ضده يوسف البدري عن كتاب "أبي آدم"، وأضافت رشوان:"لذلك تم تشريع قانون الحسبة رقم 3 لسنة 96 والمادة المستحدثة بالقانون 81 لنفس السنة الذي ينص علي أن تمتنع أي محكمة عن قبول دعوي أو دفع أو طلب لا يكون لصاحبه فيه مصلحة شخصية ومباشرة وحالة وقائمة يقرها القانون، وبذلك لا يكون رفع دعاوي الحسبة بأيدي الأشخاص ولكن أوكلها إلي النيابة العامة".
كلمة الحقوقي أحمد سيف الإسلام جاءت دفاعاً عن التيار الإسلامي، مما أثار العديد من الحاضرين الذين لم يتفقوا معه، مما اضطره لوصف المثقفين ب"الفاشيين" وترك القاعة. وتحدث الشاعر والمترجم رفعت سلام عن دستور المثقفين.
خنجر مسموم
اليوم الثاني للمؤتمر شهد جلستين ساخنتين، اشتبك فيها مندوبو الإخوان بالحديث العنيف مع الشاعر حسن طلب في الأولي، ومع الدكتور طارق النعماني والناقدة أماني فؤاد في الثانية، وتحولت القاعة لمجمرة .
في الجلسة الأولي لخص الصحفي محمد الشافعي كلمته في عدة نقاط تخص المثقفين، في كلمة بعنوان "الكتلة الحرجة.. خنجر مسموم في يد جهولة" قال فيها:"إن مصر الخمسينيات والستينيات تعاملت مع الثقافة علي أنها القاطرة الحقيقية من خلال مشروع ثقافي متكامل، ورؤية استراتيجية حاكمة، جاءت فترة السبعينيات وما بعدها لتصبح الدولة في حالة عداء مع الإبداع، وعملت ما في وسعها لإدخال المثقفين الحظيرة الرسمية، يتم استدعاؤهم ليصبحوا مجرد وردة في عروة جاكتة النظام وقت اللزوم". وانتقد الشافعي الدولة التي "ظلت تشيد الأبنية الفارغة من أي مضمون فاقدةً أي خطط حقيقية لاستثمارها الاستثمار الأمثل، وغالبية هذه المباني بنيت في المكان الخطأ حيث عشرات قصور الثقافة تكلفت مئات الملايين
دون أن تقدم أي مردود ثقافي حقيقي" وضرب مثلاً بقصر ثقافة الاسماعيلية". وانتقل الشافعي لنقد الإعلام الرسمي والخاص الذي يتعامل مع المثقفين علي أنهم زائدة دودية، ولذلك يغيبون عن هذا الإعلام. واقترح أن يدفع المبدعون بعضهم بعضاً لعضوية البرلمان ليطرحوا قضايا الإبداع والمبدعين وأن ينزلوا من أبراجهم العاجية ليخاطبوا الناس وأن يستخدموا وسائل جذب لمخاطبة العامة من خلال وسائل الإعلام، وختم كلمته بأن "علي المبدعين أن يخوضوا معركة استباقية قبل أن تفرض عليهم من قبل حركة قوي التشدد والظلامية، وأن يعملوا علي تفنيد الخطاب المتشدد".
وتحدث الحقوقي عماد مبارك بورقة بعنوان "حرية الإبداع.. وأزمة جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية" رصد فيها تاريخ الرقابة في العالم وصولاً إلي الرقابة في مصر، سواء علي الصحف أو المسرح والسينما والتليفزيون أو المطبوعات والكتب، كذلك الأعمال الفكرية والبحث العلمي بالجامعات. وعدّد مبارك أجهزة الرقابة:"هناك مكتب الصحافة بوزارة الداخلية، وإدارة الرقابة علي المصنفات الفنية بوزارة الثقافة، ورقابة التليفزيون، وإدارة البحوث والترجمة والنشر في مجمع البحوث الإسلامية". وأشار لأول قرار مصادرة في مصر قائلاً:"عرفت الرقابة علي الصحف لأول مرة أثناء الحملة الفرنسية بصدور اول تشريع للمطبوعات أصدره نابليون عام 1799، وفي المسرح صدر في عهد كليبر قرار بالرقابة علي الأماكن العامة والمقاهي والألعاب والأعياد والاحتفالات والآداب، علي أن يشرف علي تنفيذه الجنرال دي جول" وواصل:"بعد أن أنشأ محمد علي مطبعة بولاق عام 1819 أصدر قراراً بمصادرة كتاب "ديانة الشرقيين" لكونه يدعو للإلحاد ويطعن في الدين الإسلامي".
أشار مبارك في كلمته للقانون رقم 38 لسنة 92، والذي ينص علي أن "تخضع للرقابة المصنفات السمعية والبصرية....وذلك بقصد حماية النظام العام والآداب ومصالح الدولة العليا" وعلّق علي ذلك بقوله:"هناك ثلاثة معايير يستند إليها الأداء الرقابي وفقاً لهذا النص، حيث النظام العام والآداب العامة ومصالح الدولة العليا، دون تعريف دقيق لكل من هذه المعايير مما يفتح باب التفسيرات المتباينة التي تتخذها الجهات الرقابية كمدخل لتقييد حرية الإبداع".
تجربة شخصية
الروائية سلوي بكر شاركت بشهادة عن "دور المؤسسات الرسمية في انتهاك حرية الإبداع" قالت فيها:"مارست المؤسسات الثقافية التابعة للدولة إعاقة حرية الإبداع بطرق مختلفة، رغم أنها تزعم الاستنارة الفكرية والدفاع عنها، ومارست رقابة ذات أساليب طرية زلقة نجحت في إبعاد واستبعاد منتوج ثقافي جديد كان من الممكن أن يضيف ويكمل طريق استنارة ممتد أُسس مع تأسيس الدولة المصرية الحديثة في زمن محمد علي الكبير". وضعت بكر يدها علي بذور المشكلة عندما قالت:"السبب في قيود الإبداع هو تراجع الخطابات الثقافية المجددة للاستنارة وإنتاج خطاب ثقافي جديد قادر علي تجاوز كل ما بات محافظاً وقديماً، وربما هذا بحد ذاته يشكل تعقيداً أساسياً يتعلق بدور المثقف ودوره في المجتمع". وحكت بكر تجربتها مع الرقابة والمصادرة، قائلة:"قمت بكتابة ورقة بحثية للمشاركة بمؤتمر الإبداع النسائي، وكان عنوانها:قراءة في كتاب الباحثة التونسية صوفية السحيري بن حتيرة، الجسد والمجتمع، دراسة حول انثروبولوجيا لبعض الاعتقادات والتصورات حول الجسد. وكذلك قراءة في كتاب الباحثة الفة يوسف:حيرة مسلمة في الميراث والزواج والجنسية المثلية. ففوجئت بمهاتفة من إدارة العلاقات الثقافية الخاجية تخبرني ان الورقة المشار إليها لا تصلح كي تمثل مصر في هذا المؤتمر". أما التجربة الثانية التي حكتها بكر لرصد أزمة وزارة الثقافة المصرية فهي عندما تقدمت برواية "الصفصاف والآس" لدار الهلال وتم رفضها لأنها، حسب ما قالوا لي، تسيء إلي نقيب الأشراف زمن الحملة الفرنسية، وأن نقابة الأشراف الحالية ربما تقيم دعوي قضائية ضد دار الهلال لهذ السبب، وأضاف الرجل"الرواية بما ورد فيها سيتعذر توزيعها في السعودية"، تقول بكر:"هنا اتضحت الرؤية والانبطاح أمام الفكر الوهابي".
تحدث الشاعر أشرف عامر عن مخاوفه من دولة الإخوان في كلمة بعنوان "واقع حرية الفكر والإبداع الآن" قال فيها: "أنا خائف، ومخاوفي لها تاريخ. خائف من مصير مرتقب ودوران ساعة التاريخ للوراء. أتحسس أوجاعاً مضت ويحاولون الآن تجديدها. رفاعة رافع الطهطاوي نُفي الي السودان عند إعادة طبع تلخيص الابريز. وفرج فودة اغتيل بسبب مجابهته للدولة الدينية. طه حسين كفروه مرتين. حاولوا اغتيال نجيب محفوظ، وأعلنوا الجهاد علي زكي نجيب محمود، واحسان عبد القدوس حولوه للمحكمة بسبب أنف وثلاثة عيون. ومؤخرا أقاموا دعوي ضد عادل إمام وفتشوا في أوراق نوال السعداوي" وواصل:" هل يمكن أن أتحدث كشاعر يعشق المشاكسات مع الله والطبيعة والبشر؟ هل يمكن أن أكتب نفسي دون خوف ونفسي أمارة بالسوء؟ كيف يمكن أن أفهمهم ان الكتابة الإبداعية لا علاقة لها بالله والأنبياء، هل يمكن أن أستعين بالقرآن الذي منح الحرية للجميع بقوله من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟". ليعبر عامر بكلمته القلقة عن مخاوف المبدعين ويرصد تاريخ الخزي المتطرف.
الحرمان الثقافي
"صفحة ناصعة في ملف الحرية" كانت كلمة الشاعر والباحث شعبان يوسف، حيث تناول الشيخ خالد محمد خالد كنموذج للشيوخ المستنيرين الذين هزوا أركان الحياة الفكرية والسياسية بكتابه: من هنا نبدأ، الصادر عام 51 . قال يوسف:"هاجم البوليس الباعة لسحب النسخ وتوجهت للمطبعة لإعدام الباقي، لكن خالد أنقذ بعضها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الأمر للنيابة وجلس خالد للتحقيق معه، وبعدها نشر محمد الغزالي كتاباً بعنوان: من هنا نعلم، شن فيه هجوماً علي الشيخ الشاب وطالب بفصله من الأزهر ونفي مصطلح "عالم أزهري" عنه، ثم صدر كتاب "من أين نبدأ" وفيه يرد علي الشيخين، واتهموا خالد بأنه قبض من الاتحاد السوفييتي عشرة آلاف جنيه".
في الجلسة الثانية، التي أدارها طارق النعماني، تحدث التشكيلي عز الدين نجيب والسينمائي كامل القليوبي والناقدة أماني فؤاد.
في كلمة بعنوان "الحرمان الثقافي..بوابة الاستبداد" ركّز نجيب علي مقولة ماركس "الوعي بأسباب الظلم وليس الشعور بالظلم وحده، هو الذي يفجر الثورات" وقال:"بداية الوعي هي المعرفة بالحقائق علي الأرض لذلك حرص الحكام في كل العهود علي أن تبقي الحقائق محجوبة عن الشعب، بل وتظل اسراراً محرمة علي الرعية". بدا نجيب متفائلاً بالملايين الذين خرجوا في الثورة، غير أنه بدأ يحلل اختفاءهم بعد ذلك، ورأي أن "المعرفة لم تتحول إلي وعي ثقافي يزيح الثقافة التاريخية المتجذرة في أعماق هذه الجماهير، ثقافة الامتثال للأمر الواقع والاكتفاء بالمكسب القريب المضمون ولو كان ضئيلاً علي المكسب البعيد غير المضمون ولو كان وفيراً، ثقافة الاحتماء بالسلطة ولو كانت جائرة لكنها قادرة علي حماية الضعفاء". وأكّد نجيب أن تغيير هذه الثقافة يتطلب "مشروعاً ثورياً شاملاً للقيام بهذه المهمة التاريخية، يشترك فيه المثقفون المؤمنون بالثورة مع كافة المؤسسات الأهلية والأجهزة الثقافية والشبابية التابعة للدولة، علي أن تجمع مناهج محو الأمية بين تعلم الأميين القراءة والكتابة والحساب وبين تعلمهم الممارسة الديمقراطية واكتسابهم الوعي بأسباب تخلفهم وكيفية تقدمه.
محمد كامل القليوبي تحدث في ورقته "قمع السينما .. مائة عام وعام من الرقابة" عن تاريخ الرقابة المصرية الذي بدأ منذ 1911 واستمرت رغم أن مدة صلاحيتها انتهت في عصر الفضاء المفتوح، وأشار القليوبي إلي استغراب العالم عقب فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل أنه كان يشغل منصب الرقيب! وأضاف:"من المثير للسخرية أن الشعب المصري وبعد ثورته الكبري في 25 يناير التي أثبتت للعالم أنه من اكثر الشعوب وعياً، مازالت سلطات القمع في مصر ومن بينها جهاز الرقابة بالطبع تراه شعباً قاصراً غير قادر علي الفهم والتمييز، وهي ذات النظرة التي تعامل بها النظام القديم الذي سقط رأسه وما زالت أطرافه تعيث في الوطن قهراً وفساداً وتحاول أن تستمد من قوي الظلام نفوذها". وختم بأن:"الحجة التي تتعلل بها الرقابة هي حماية المجتمع، وتأتي بنتيجة عكسية لأنها ببساطة تشل يد المبدعين المصريين وتمنعهم من المشاركة بل والمواجهة في بعض ما يمكن للعالم أن يقدمه عنا«.
الكهنوت
الناقدة أماني فؤاد تحدثت بورقة بعنوان "النقد والحرية" عن العلاقة بين الفن والدين. قالت :"الفصل بين الإبداع والواقع منهجية النظم الاستبدادية والمحافظة، وهو تعتيم مباشر علي العقل والوجدان يؤسس لإعادة إنتاج القهر والعنف وهو تضييق علي الوعي وتقسيمه". لكن الجزء الذي أثار مندوبي الإخوان المسلمين كان:"لماذا يعتقد رجال الدين المعتدلون منهم والمتطرفون أن الجماهير أو الشعوب المتلقية للرسائل الفكرية أو الإبداعية بحاجة إلي الوصاية؟ لماذا يريدون وضعهم في غرف معقمة ضد إعمال الفكر والعقل ويمارسون الحجر المباشر بدعوي أن عقل الجماهير كيان هش لا يحتمل إرهاقه بالتفكير؟" وأضافت:" ألمح حامد أبو زيد في "كتابه نقد الخطاب الديني" إلي خوفهم الكامن علي الكهنوت المقنع الذي شكّلوه وأصبحوا يحتلون عرشه ويتمتعون بامتيازاتهم توافقاً وإتفاقاً مع السلطة السياسية باختلاف أنواعها وتوجهاتها واذا تتبعنا تاريخ هذا الكهنوت لوجدنا خطابه يتأسس علي مجموعة من الآليات التي تدعو إلي النظر فيها واختبار مدي صحتها ومواءمتها للحياة. يعتمد فكر رجال الدين غالباً علي التوحيد والدمج التام بين الفكر والدين، يعتمد علي رد الظواهر إلي مبدأ واحد، فالشيوعية هي الإلحاد والماركسية هي المادية مثلاً، ويعتمد هذا الخطاب ويتأسس علي اجتهادات السلف وسلطة التراث وتقديسه كما أنه يتصور أنه يمتلك يقيناً ذهنياً وحسماً فكرياً في حين أن قضية اليقينيات تحتاج إلي إعادة غربلة وحسم في تاريخ الفكر الديني علي مر مراحله ثم يتأسس هذا الخطاب علي إصدار البعد التاريخي لكثير من الظواهر التي ترد في الخطاب الديني وتشمل الأديان جميعها، وهذه الآليات تتسم بالهشاشة وتحت اي اختبار عقلي ستتهاوي".
ولم يكتف مندوبو الإخوان بالرد بعنف، بل وصل الامر للتطاول أيضاً علي طارق النعماني الذي دعاهم للهدوء والمناقشة المتعقلة وانتقد أسلوبهم في مواجهة الأفكار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.