ربما كٌتب على أهالي تلك المنطقة أن يعيشوا على هامش الحياة، فبعد أن حملت «الدرب الأحمر» اسم أول حي شعبي شهدته القاهرة الفاطمية؛ سواء الأولى التي شيدها القائئد جوهر الصقلي أو الثانية التي وسعها أمير الجيوش بدر الجمالي، فالمنطقة التي على مر تاريخها لم يسكنها سوي الصناع والحرفيين والتجار، لم تسلم هي الأخرى من التهميش والإهمال والعشوائية، التي تطول كل شيء شهد على تاريخ هذه البلاد. ويروي الكاتب حمدي أبو خليل، في كتابه «القاهرة شوارع وحكايات»، أن القاهرة في العهد الفاطمي كانت أشبه بقصر فخم غامض يخفي خلف أسواره الخلفاء الفاطميين عن رعاياهم؛ وكان «الدرب الأحمر» أشبه بضاحية شعبية تعمل ليل نهار على خدمة المتخفي في القصر الجمهوري، فسكن الحي الوزراء والأمراء والخدم والجواري والصناع، وفيه الأسواق ودوره كانت مطبخًا للسياسية الفاطمية.
البيوت التي وصفها أبو خليل، بأنها كانت مطبخًا السياسية الفاطمية، تهدم بعضها الآن وتهالك البعض الآخر وطاله الإهمال والعشوائية، إلا أنها على الرغم من تهالكها، لازالت تحتفظ برونق الماضي الذي تملأ رائحة عبقه المنطقة كلها التي تمتد من نهاية شارع محمد على عند البواكي القديمة مرورًا بنهاية شارع سوق السلاح ثم المججر ومنطقة باب الوزير وعلى امتدادها الدراسة ليضم على أطرافه الجانب الأيمن من شارع الأزهر ثم يستدير عبر شارع بورسعيد ليستكمل «الدرب الأحمر» حدوده في شارع راتب باشا وميدان الحلمية وشارع على إبراهيم قبل أن يصل إلي نقطة نهايته أو بدايته في شارع محمد علي.
"البوابة أثرية عشان السياح كانت بتصورها"، قالها أحد قاطني شارع باب الوزير في الدرب الأحمر، معلقاً على هدم أحد البوابات في الشارع، ليرد عليه آخر سريعًا "لا مش آثار السياح بيصوروا أي حاجة"، ليعود رفعت أحمد سليمان إلى الحديث، الذي قال "إحنا مولدين في المنطقة دي ونعرف طول عمرنا أن البوابة أثرية، وأن البيت دة كان بيت مفتى الديار أيام الملك".
حسم الحديث صوته الغاضب، الذي علا قائلا "آثار ولا مش آثار إحنا محدش بيسأل فينا إلا لو حاجة من الآثار وقعت، وكأن الآثار أهم من البنى آدمين اللي هنا" قالها عم محمد الذي يعمل في إحدى ورش صناعة الأحذية في الدرب الأحمر التي اندلعت النار في إحدي عقاراتها التي تحوي 12 ورشة لصناعة الأحذية، وأسفر الحريق عن تفحم شاب وإصابة آخرين بحروق، ثم واصل عم محمد الغاضب "البيوت اللي بقى لها سنين مترممتش دي لو اتهدت على دماغنا مش هيزعلوا علينا، هيزعلوا عليها عشان هي دي آثار"
بحكمة تطل من عينيه وصوت هاديء، أنهى إسماعيل عبد السلام الذي يعمل في بيع الفول لأهالي «الدرب الأحمر» منذ 50 عامًا، قائلاً: "إحنا لا محافظة بتسأل فينا ولا حكومة مفيش غير الإعلام اللى بيجي يصور لما بوابة ولا بيت أثري يتهد ولا ينهار". وعلى الرغم من أنه يبيع سلعة يأكلها الناس يوميا ًفي تلك المنطقة الشعبية، إلا أنه أيضًا يشتكي من ضيق الحال، لأن الناس لم يعد لديها "نفس للأكل"، مثلما يقول عم إسماعيل؛ ليصرخ بعدها مضيفًا "كل الناس اللى بتشتغل في المنطقة هنا بتشتغل باليومية؛ وبيوتنا تخربت من بعد الثورة، واتخربت أكتر من بعد ما مرسي مسك، عشان كدة أغلب الأهالي هنا مضوا على الورق بتاع تمرد قبل ما تخرب أكتر على إيد مرسي".