رأت عدة صحف أمريكية صادرة اليوم الثلاثاء أن سلسلة الهجمات والتفجيرات التي هزت العراق خلال الساعات الماضية ، وأودت بحياة 95 شخصا على الأقل أعادت إلى مخيلة العراقيين المخاوف من إمكانية انزلاق وطنهم في آتون فوضى الحرب الأهلية التي سبق أن حصدت خلال الفترة بين عامي 2005 و2008 أرواح عشرات الآلاف من المدنيين. فمن جانبها..ذكرت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) أن وقوع هذه الهجمات نتيجة انفجار عدة سيارات ملغومة في مدينة البصرة في جنوب العراق كشف أنه حتى المناطق الجنوبية لم تعد في منأى عن الصراع بعد أن كانت هادئة نوعا ما بالمقارنة مع المدن الشمالية كبغداد، التي يعيش فيها الشيعة والسنة جنبا إلى جنب.
وأوضحت الصحيفة - في تعليق لها أوردته على موقعها الإلكتروني - أن الهجمات استهدفت في مجملها أسواقا شعبية وأماكن لتجمع المدنيين في مناطق سنية وشيعية ، كما أنها تلت سلسلة أخرى من التفجيرات وقعت قبل أسبوع وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص.
وقالت" إن إراقة الدماء بالتزامن مع النزاع المحتدم بين حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ذات الأغلبية الشيعية والمحتجين السنة ، الذين يطالبون بإلغاء القوانين التي يعتبرونها تمييزية ضدهم تسببت في اعتقاد العديد بأن العراق بات يقف على حافة التشرذم والانقسام".
وأشارت الصحيفة إلى أن العنف الذي اندلع بين السنة والشيعة في العراق جاء نتيجة لقيام قوات الأمن بمداهمة مخيمات لمحتجين سنة الشهر الماضي في مدينة الحويجة، الأمر الذي تسبب في وقوع موجات عنف واسعة النطاق تسببت في مقتل 712 شخصًا وجعل شهر أبريل الأكثر دموية منذ عام 2008.
ورأت الصحيفة أن الوضع الراهن في العراق يثير شبح انقسامه في وقت تعاني فيه الجارة "سوريا" من ويلات حرب أهلية واسعة النطاق...فيما حذر المالكي نواب البرلمان من حضور الجلسة التي دعا إليها منافسوه لمناقشة العنف واتهم سياسيين لم يحدد أسماءهم بالوقوف وراء العنف وهدد بإرسال أسمائهم إلى المحكمة لاعتقالهم.
وحول رد الفعل الشعبي إزاء هذه التفجيرات، نقلت (لوس أنجلوس تايمز) عن أحد المواطنين قوله "إن الشعب العراقي لايزال يحلم بيوم لا تشهد فيه بغداد أي انفجارات بيد أن هذا يبدو حلما لن يتحقق يوما ما"..مشيرا إلى أن قوات الأمن والسياسيين يتحملون بالتساوي مسئولية ما يحدث.
وبدورها..ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية أنه برغم عدم إعلان أية جهة مسئوليتها عن التفجيرات الأخيرة؛ غير أن تكرار استهداف المناطق الشيعية يزيد احتمالات وقوف القاعدة والموالين لنظام الرئيس الراحل صدام حسين وراءها.
وقالت الصحيفة - في تعليق لها بثته على موقعها الالكتروني- إن المسلحين المنتمين للقاعدة والنظام السابق يسعون لاستغلال الغضب الشعبي المندلع في معظم الأقاليم السنية المتاخمة مع الحدود السورية ضد حكومة المالكي.
وأضافت" أنه برغم تشابه الوضع الراهن في العراق بنظيره الذي كان موجودا في البلاد خلال الأعوام الستة الماضية، غير أن القوات الأمريكية لم تعد متواجدة لمساعدة قوات الأمن العراقية في السيطرة على المسلحين أو إتمام المصالحة بين الفصائل المتحاربة إلى جانب بروز بعد آخر يتمثل في أن الانقسامات الطائفية في العراق حاليا تعد جزءا من صراع طائفي إقليمي ظهرت بوادره في الجارة سوريا".
ورأت الصحيفة أن تصاعد وتيرة الهجمات ضد الشيعة يعكس تنامي الثقة في نفوس الجماعات المسلحة السنية، التي أصبحت منتشرة على الحدود المشتركة مع سوريا لقتال قوات الرئيس السوري بشار الأسد..مشيرة إلى اتحاد فرع تنظيم القاعدة بالعراق مع جماعة "جبهة النصرة" السورية خلال الشهر الماضي.
وتعليقا على هذا الشأن، نقلت (وول ستريت جورنال) عن غسان العطية وهو معلق سياسي عراقي قوله "إن المسلحين يشعرون حاليا بمدى قوتهم بسبب ما يحدث في سوريا والعالم العربي برمته ..واعتبر أن تنامي نفوذ المجموعات السنية المتشددة في تونس وليبيا وسوريا يقوي في الحقيقة شوكة المسلحين العراقيين.
وفي ذات السياق..ذكرت صحيفة (يو اس ايه توداي) الأمريكية أن الشيعة العراقيين الذين عانوا قمعا واضطهادا إبان حكم صدام حسين، أصبحوا الآن يمتلكون مقاليد الحكم في البلاد ويسعون إلى اقامة مؤسسات الدولة بدلا من العودة إلى ساحة المعارك القتالية ، وهو ما ظهر في نجاح محاولات تقويض الميليشيات المسلحة طيلة الخمسة أعوام الماضية ولكن تجدد موجات العنف خلال الفترة الراهنة يهدد بضياع هذه المكاسب والعودة إلى أجواء الحرب الأهلية.
ومن جانبهم، يرى العديد من السنة - حسبما أبرزت الصحيفة على موقعها الالكتروني- أن الاضطرابات التي تعم البلاد حاليا تنتج من قرارات حكومة المالكي التي يعتبرونها السبب في نشر بذور الفتنة الطائفية من خلال انتهاج سياسة عدائية حيالهم عقب انسحاب القوات الأمريكية من البلاد عام 2011.
وأوضحت أن أسوأ موجات العنف التي اندلعت يوم أمس وقعت في بغداد حيث انفجرت 10 سيارات مفخخة في أسواق شعبية ومناطق شيعية، مما أسفر عن مقتل 48 شخصا على الأقل واصابة أكثر من 150 آخرين.
وتناولت (يو اس ايه توداي) رد فعل المالكي على هذه التفجيرات الذي قال" إن الحكومة بصدد إجراء تغييرات في مواقع المسئولين عن الأمن في البلاد، وفي الخطط الأمنية بعد تزايد وتيرة العنف في الأسابيع الأخيرة".
واعتبر أن العراق أصبح يشهد "عدم استقرار مجتمعي بسبب الفتنة الطائفية التي ارتبطت هذه المرة بمعطيات واردة من خارج الحدود وبصراعات طائفية داخل العراق أدخلها المفسدون".