الحكومة تصر على إصدار قانون لمشروع لم تحدد أهدافه حتى الآن القائمون على الأمر لديهم لبس بين قانون الهيئات والمناطق الحرة
معدو القانون بالغوا فى استقلاله وبالغوا فى تعقيد شروطه الإدارية أيضًا
لا يمكن لقانون واحد أن ينظم أنشطة قطاعات بورسعيد والإسماعيلية وشمال غرب خليج السويس
مشروع تنمية إقليم قناة السويس، الذى تتبناه الحكومة باعتباره بوابة مصر للمستقبل، يطرح فى أذهان المصريين تساؤلات كثيرة خصوصا بعد ظهور مسودة القانون المنظم للمشروع، والذى اعتبره عدد من شيوخ القانونيين تهديدا مباشرا للأمن والسيادة الوطنيين. وقد استضافت الشروق المستشار طاهر حزين، الخبير القانونى بالفريق الاستشارى للمشروع، والذى قدم استقالته مع عصام شرف فى منتصف الشهر الماضى، ليوضح بحكم موقعه طوال الشهور الماضية فى الفريق الاستشارى أهم نقاط الجدل، وحقيقة المخاوف التى تنتاب الكثيرين، بالإضافة لأصل الخلاف بين الفريق وبين الأمانة الفنية للمشروع.
يبدى حزين دهشته فى بداية حديثه من سرعة إصدار مسودة قانون لمشروع «لم تحدد أهدافه حتى الآن»، فوزارة الإسكان والأمانة الفنية لمشروع تنمية إقليم القناة ستطرح دراسة المشروع بالتفصيل على عدد من المكاتب الاستشارية، الأجنبية والمصرية، «وهو ما يعنى أن أهداف المشروع ومخططاته لم تحدد بعد، فماذا سينظم هذا القانون، وأى الاهداف سيخدم؟» يتساءل حزين.
وترجع بداية الخلاف بين الفريق الاستشارى للمشروع والأمانة الفنية، إلى أن الأمانة فاجأت الفريق الاستشارى بتطور استراتيجى كبير فى الخطة، فبعد أن كانت تقوم على التحضير لمشروع شرق بورسعيد ومينائه، الذى كانت الدراسة الخاصة به قد تمت بالفعل، وله مخطط واضح بدء منذ سنوات، تحولت الخطة فجأة لتشمل إقليم قناة السويس بالكامل، وهو ما اعترض عليه الفريق الاستشارى خصوصا مع إبداء إدارة المشروع نيتها وقف مشروع شرق بورسعيد مؤقتا، لحين دراسة كامل الإقليم تفصيليا، كما يروى حزين.
«الواقع يقول إن مشروع شرق بورسعيد أصبح جاهزا، ويحتاج فقط لقرارات تشغيل»، كما يؤكد حزين موضحا أنه مشروع تمت دراسته تفصيليا من جهات ألمانية ويابانية وهولندية، بالإضافة لمؤسسات مثل البنك الدولى، ووضعت هذه الدراسات تصورها عن ميناء شرق بورسعيد المحورى منذ 15 عاما، وكان آخر هذه الدراسات عام 2004، وجميعها لم تختلف فى تفصيلاتها الأساسية، وهى إنشاء 8 أرصفة حاويات بالميناء الذى تبلغ مساحته 75 كم، وأرصفة الخدمات الأخرى ومنها ما يخص سفن الصب، بالإضافة الى خدمات التغليف والتعبئة والتجميع وباقى الخدمات اللوجستية التى ستقدم فى ظهير كل رصيف، لتزيد من القيمة المضافة على البضائع التى تمر من القناة.
بينما الحكومة «لا تمتلك حتى الآن مبررا منطقيا واضحا ليكون نطاق المشروع إقليم قناة السويس، ولماذا لا يكون المشروع تنمية اقليموسيناء. فلم نحصل على رد من الحكومة على ذلك سوى أنها تريد تحقيق تنمية متوازنة فى إقليم القناة، وأن هذا اتجاه سياسى وتم إعلانه من الرئاسة والحكومة ويصعب الرجوع عنه الآن»، حسبما يروى حزين للشروق.
وفى هذا السياق طالب حزين الإعلاميين والسياسيين بعدم تسييس المشروع لأنه ملك للمصريين «فلا يجب أن نقبله لأننا نؤيد الحرية و العدالة أو نهاجمه لأننا على خلاف سياسى معهم، وإنما علينا أن نكون موضوعيين فى انتقاده».
قانون لا يحقق السيادة ولا الكفاءة وقسم المستشار حزين تقييمه لمشروع قانون تنمية إقليم قناة السويس إلى شقين، الأول يتعلق بتهديدات الأمن القومى التى تفتح لها مسودة القانون الباب على مصراعيه، على حد قوله، والثانى يناقش مدى ملاءمة القانون للغرض منه وهو إقامة منطقة حرة ناجحة.
فتطبيق هذا القانون بصورته المطروحة يجعل إقليم قناة السويس «منطقة حكم ذاتى بعيدة عن التشريعات المصرية، ولا تخضع إلا لرقابة رئيس الجمهورية، وهو أمر يهدد بعزل سيناء عن باقى الجمهورية، ونحن فى لحظات سياسية حرجة» كما يقول حزين.
كما أن النص على أن يحلف أعضاء مجلس إدارة الإقليم اليمين الدستورية أمام الرئيس يجعلهم فى مرتبة الوزراء وهو «وضع قانونى خطير»، بحسب حزين، الذى حذر من أن منح الهيئة المسئولة عن تنفيذ المشروع حق تأسيس شركات مساهمة تشارك فى إدارة مشروعات الإقليم يثير مشكلة أخرى، «فلو تم طرح أسهم هذه الشركات فى البورصة لا نستطيع معرفة إلى اين ستنتهى ملكية هذه الأسهم، سواء شركات أو اشخاصا، وهو أمر يفتح الباب لتدخلات أجنبية فى إدارة المشروع».
أما عن صلاحية هذا القانون لإدارة منطقة حرة ناجحة، فيوضح المستشار أن فلسفة المناطق الحرة قائمة على انسيابية حركة التجارة فى المنطقة، ويجب ألا نضع معوقات مبالغا فيها قد تتسبب فى تأخير وصول البضائع لمناطق التجميع أو إلى الأسواق، بينما وضع القانون عددا من المعوقات، ولم ينص على التيسيرات المطلوبة، ومن ذلك مثلا النص على أن ربح الشركات التى ستعمل فى المنطقة يسدد للبنك المركزى بالعملات الأجنبية لتحصل على مقابله بالجنيه المصرى، على غير المعمول به فى دول العالم.
«المغالاة كانت السمة المسيطرة على واضعى النص المقترح للقانون»، حسب وصف حزين، حيث غالوا فى استقلالية الإقليم حتى أصبح شبيه بحكم ذاتى مستقل عن الهيكل الإدارى وعن السيادة المصرية، وغالوا فى الشروط الإدارية الى درجة التعقيد و ليس التيسير».
وأوضح حزين أن العالم به تجارب شبيهة لمناطق ناجحة تقوم فقط بمنح بعض الاستثناءات للتجارة العابرة بالمناطق الحرة فى الضرائب فى الجمارك والوكالات التجارية، لكنها: «تكون تحت السيادة الكاملة للدولة ولا تحتاج لكل هذا الاستقلال الإدارى الذى ينص عليه مشروع القانون المعروض على مجلس الوزراء الان».
وأكد المستشار المستقيل من الفريق الاستشارى للمشروع إن القائمين على إعداد القانون «لديهم لبس بين إدارة منطقة حرة، وتأسيس هيئة مصرية طبقا لقانون الهيئات المصرية، دون الاطلاع على تجارب شبيهة تعى مفهوم انها تدير موقع متميز وليس مجرد قطعة أرض».
ويرى حزين، كخبير قانونى، أن الاختلاف فى طبيعة الانشطة التى ستقام فى بورسعيد عن التى ستقام فى وادى التكنولوجيا بالإسماعيلية، لا يمكن أن ينظمها قانون واحد للقطاعات الثلاثة، بورسعيد والاسماعيلية وشمال غرب خليج السويس.
الجدير بالذكر أن الحكومة تجاهلت فى مؤتمرها الأول لتنمية الاقليم، دعوة المختلفين معها فى الرأى فى تفاصيل المشروع، سواء من الفريق الاستشارى للمشروع والذى كان يرأسه عصام شرف، أو اللجنة الشعبية لمراقبة مشروع تنمية الإقليم.
وكان من المقرر أن يشهد مؤتمر تنمية الإقليم، حضور جميع الأطراف المعنية بالمشروع لمناقشة وجهات النظر المختلفة، إلا أن الأمانة الفنية للمشروع ووزارة الإسكان، لم يشيروا من قريب أو بعيد عن أى نية لتعديل نص القانون الذى انتقده خبراء كثيرون.