كتب فيليب ستيفنز مقالا بجريدة الفاينانشيال تايمز جاء فيه: ربما يعتقد البعض أن فرنسا الضعيفة يمكن أن تكون مصدر راحة لبرلين. فعلى أى حال، تخفف المتاعب التى يواجهها فرانسوا هولاند فى الداخل، أى تحديات أمام الوصفات الاقتصادية الألمانية. ومع ذلك، فالسياسات المتشابكة فى أوروبا ومنطقة اليورو أكثر تعقيدا من هذا. ويمثل ضعف فرنسا أيضا مشكلة لألمانيا. صحيح، أنك تستطيع التقاط لمحة من التعالى فى الطريقة التى يتحدث بها الساسة الألمان عن مأزق السيد هولاند. وقبل ثلاثين عاما، كنت اسمعهم يقولون، فرانسوا ميتران بدد عامين فى محاولة يائسة لمقاومة القيود الاقتصادية. فهل تعلم خليفته شيئا من هذه التجربة؟
ومع ذلك، يعترف نفس المسئولين، أن مشكلات فرنسا تسبب إرباكا بالغا لبرلين. وتحتاج أنجيلا ميركل إلى المحرك الفرنسى الألمانى أو على الأقل إبراز هذا المحرك المختلق للتكامل الأوروبى. كما أن ضعف فرنسا يجعل ألمانيا تبدو هائلة القدرة. وهو ما يجعل من برلين قوة مهيمنة. ويعرف أى شخص لديه معرفة طفيفة بالتاريخ الأوروبى أن هذا لا يمثل انقلابا فى دور المستشارة الألمانية.
●●●
يضيف الكاتب لقد وقعت أوروبا فى قبضة فوبيا الألمان. ورفع المتظاهرون فى اليونان وقبرص لافتات مرسوم عليها الصليب المعقوف، ووجه ميركل بشارب هتلر. كما أدان المتظاهرون فى إسبانيا والبرتغال سياسة التقشف التى يفرضها «الرايخ» الجديد. وفى باريس، ما زالت حالة الاستياء تضطرم بسبب فقدان دور فرنسا القيادى ناهيك عن أن الشراكة المتكافئة مع برلين ظلت لفترة طويلة ترجع إلى الحنين للماضى، أكثر من الواقع.
وعلى نطاق واسع، ينظر الكثيرون إلى الشروط القاسية المفروضة على قبرص فى مقابل إنقاذها على أنها تمثل إملاء من برلين. غير أن الحقيقة أبسط من ذلك. فقد طرح صندوق النقد الدولى الشروط الأساسية ولم تجد قبرص من يدعمها. وقال لى وزير مالية دولة متعثرة أخرى أن روح جنوب أوروبا لا تدعم نيقوسيا. ولماذا ينبغى أن يعتمد من يعانون مشكلات مالية من صنعهم على المودعين الروسيين لإنقاذهم؟
ويرى الكاتب أن قوة ألمانيا لا تنبع من اليورو. فقد كان وزن ألمانيا وموقعها الجغرافى يزعج القارة حتى قبل أن يقوم أوتو فون بسمارك بتوحيد مقاطعات الإمبراطورية الرومانية المقدسة. فقد حول التوحيد، المسألة الألمانية وهى كيفية تحقيق التوازن بين أمة كبيرة للغاية وجوارها إلى معضلة الجغرافيا السياسية الأوروبية. والمفارقة، أن العملة الموحدة كان من المفترض أن تعيد توازن القوى. فلم يكن اليورو مشروعا ألمانيا. بل العكس هو الصحيح. فقد أراد الناخبون الألمان الاحتفاظ بعملتهم. وتم الضغط عليهم من قبل أولئك الذين أرادوا بقيادة فرنسا كسر منطقة المارك الألمانى.
ويضيف الكاتب بدأ اندماج الاقتصاد الألمانى تدريجيا مع الجيران الشيوعيين سابقا فى الشرق يعزز نفس نظرية المؤامرة. فكان بالنسبة للبعض صدى للطموحات الإمبريالية للسياسى الألمانى فريدريك نيومان، الذى دعا فى عام 1915 إلى هيمنة برلين على «أوروبا الوسطى».
ولذلك، جاءت الانتقادات لبرلين متناقضة. ففى المراحل الأولى من أزمة اليورو، كان النقد يتركز على غياب القيادة. قال رادوسلاف سيكورسكى، وزير الخارجية البولندية، إنه يخشى الخمول الألمانى أكثر من القوة الألمانية. وهو أمر ذو مغزى بالنسبة لمسئول بولندى. وفى نفس الوقت، يشكو العديد ممن يثيرون المخاوف بشأن الطموحات المفترضة لألمانيا، من أن برلين تفضل القيام بدور سويسرا أكثر من أن تكون لاعبا كبيرا فى الدفاع عن أوروبا. وليست لدى ألمانيا اليوم طموحات فى الهيمنة ولا أطماع إقليمية، حتى لو كانت الراحلة مؤخرا مارجريت تاتشر حذرت ذات مرة من أن الوحدة سوف تشهد مسيرة الجيش الألمانى فى بوميرانيا، وسيليزيا وبروسيا الشرقية. ولكن لا يمكن إنكار حقيقة القوة الألمانية أو على الأقل لا يستطيع قادتها إنكار ذلك.
ويختتم الكاتب المقال، والأكثر من ذلك، إذا كانت برلين لا تريد أن تتهم ببناء أوروبا ألمانية، عليها أن تطرح استعدادها لتحمل مسئوليات ألمانيا أوروبية. ولا يمكن نفى أن عودة المسألة الألمانية وميزان القوة إلى أوروبا باعتبارها من حقائق الجغرافيا السياسية. ولا يمكن معالجة ذلك، إلا إذا أظهرت ألمانيا استعدادها للتصدى لهذه المسألة.